Home»Islam»حديث الجمعة : (( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ هل يهلك إلا القوم الفاسقون ))

حديث الجمعة : (( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ هل يهلك إلا القوم الفاسقون ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث  الجمعة : (( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ هل يهلك إلا القوم الفاسقون ))

محمد شركي

استئنافا لما ورد في حديثين سابقين، نواصل إن شاء الله تعالى  في  هذا الحديث  جانبا  آخر من جوانب الخلق العظيم الذي أثنى  به الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتعلق الأمر بالآية الكريمة الخامسة والثلاثين من سورة الأحقاف  التي يقول فيه المولى جل وعلا :

 (( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار هل يهلك إلا القوم الفاسقون ))

 ففي هذه الآية يخاطب الله عز وجل رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ويأمره بالصبر على الأذى الذي كان يلحقه من الكافرين المكذبين  برسالته كما صبر من كان قبله من الرسل أولي العزم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين .

ولا شك أن المرسلين عموما وأولي العزم خصوصا وهم نوح ،وإبراهيم ،وموسى، وعيسى ،ونبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانت صدورهم تضيق بسبب تكذيب أقوامهم لهم حين  كانوا يعرضون عليهم الرسالات التي كلفوا بتبليغها لهم ، وكان لا بد أن يتحملوا أذى تكذيبهم  بحبس أنفسهم عن الجزع والحزن مع يسببه التكذيب لهم من ضيق الصدور. ومعلوم أنه  لم يكن  من السهل أن يحبس هؤلاء المرسلون أنفسهم عن الجزع من التكذيب، خصوصا وأن الأمر يتعلق بتكذيب الوحي المنزل من رب العزة جل جلاله ،وعلى قدر قدسية وجلال هذا الوحي ، وقدسية وجلال الموحي به جل وعلا كان وقع التكذيب أشد على نفوس المرسلين  صلوات الله وسلامه عليهم. ولئن شئنا تقريب هذا الوقع من الفهم، فعلينا أن نتصور شخصا عاديا ينقل خبرا وهو صادق فيكذب فيضيق صدره ويحزن ويتألم ،  فكيف إذا كان المخبر مرسلا من عند الله عز وجل ينقل إلى الناس خبر السماء  وهم يكذبونه؟

ولقد أمر الله تعالى رسوله الذي ختم برسالته الرسالات  صلى الله عليه وسلم أن يحذو حذو إخوانه من أولي العزم في الصبر على أذى المكذبين برسالته، ولقد قص عليه من أنبائهم ليكون ذلك بمثابة إعداد نفسي له كي يتاسى  ويقتدي بهم ، ويسير على نهجهم فيتحمل كما تحملوا أذى المكذبين ، وقد سمى الله تعالى صبرهم عزما ، والعزم كما جاء في كتب التفسير هو عقد النية الصادقة دون تردد على القيام بفعل أو التصريح  بقول. ومعلوم أن  العزم قوامه الصبر على المكروه ، والباعث عليه  هو درجة تقوى الله عز وجل ،وهي أعلى درجة عند الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد آتاهم من العزم والصبر ما يجعلهم يتحملون متاعب جمة  بسبب ما كلفهم  به من التبليغ  عنه ومهمتهم أشق المهام على الإطلاق، ذلك لأن طبيعة من يُبلَّغ لهم الوحي من البشر أنهم يكونون أميل إلى تكذيبه  لأنه  مغيب عنهم لا تدركه  أبصارهم  ، ولا تستوعبه  حجبه عقولهم  وقد اعتادوا على اتخاذ الأصنام والأوثان آلهة من دون الله تعالى لأنهم كانوا يبصرونها بأعينهم بينما يحتجب عنها الله تعالى الذي لا تدركه الأبصار وهو يدركها  ، ولا يعرف سبحانه إلا بأفعاله الدالة على صفاته أو اعتادوا على جحود فكرة أولوهية وربوبية الله تعالى وعبادة أهوائهم .

وما يعنينا في الحديث عن عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى به تخليقا له  وهو ثباته على الصبر حين  كذبه الكفار والمشركون ومعهم أهل الكتاب والمنافقون إنما هو خلق الصبر الذي هو تجل من تجليات خلقه العظيم الذي أثنى عليه الله تعالى به في محكم التنزيل.

 ومعلوم أن خلق الصبر مما يشق على النفس البشرية التي من طبيعتها الجزع والقلق نظرا للضعف الذي جبلت عليه كما وصفها الله تعالى في عدة مواضع من  الذكر الحكيم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى  في الآيتين الكريمتين التاسعة عشرة والعشرين  من سورة  المعارج :

 (( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا )) .

 والهلع والجزع ، وهما شدة الخوف لا يدفعان إلا بحبس النفس عنهما ، وتحمل ألم ومعاناة ذلك الحبس . ولا يرقى إلى درجة هذا الخلق الشاق على النفس إلا من جعل الله تعالى  عزما مصدره التقوى . ومعلوم  أن أتقى خلق الله تعالى  له هم رسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين ،خصوصا  أولئك الذين وصفهم بأولي العزم ،وجعل منهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  الذي تحمل في تبليغ رسالته الخاتمة أقسى الأذى خصوصا وقد اجتمع على تكذيبه متآمرون عليه  كأشد ما يكون التآمر كفارا، ومشركين ،ومنافقين، وأهل كتاب حاقدين لعنهم الله جميعا، وهم ما لم يجتمع مثلهم على غيره من الرسل لهذا كان أذاهم أشد وأعتى .

ولا شك أن  طبيعة الإنسان إذا ما لحقه الأذى ، فإنه يستعجل انتقام عدالة البشر أو عدالة الله عز وجل له ممن يؤذيه كي يرتاح باله ، و تطمئن نفسه ، وتزول عنه غمته، لهذا حين أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحلي بالصبر كما تحلى به أولو العزم من الرسل قبله، نبهه إلى عدم استعجال طلب معاقبة من كذبوه وآذوه  فقال : (( ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )) .

 ففي هذا القول ما يسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم  عما عاناه من تكذيب ، ويثبت عزمه على الصبر حين تتأخر  لحظة حلول عقاب الله عز وجل بمن كذبوه ، وهو واقع به لا محالة مهما تراخى الزمن  حتى أنه إذا حل بهم كـأنهم لم يمض عليهم إلا مقدار ساعة من نهار ، وهو أسرع ما يمرمن الوقت أو هو أقل مدة زمنية عند البشر .  ولقد ذكر المفسرون أن تنكير الله تعالى للنهار في الآية الكريمة يفيد التقليل  حيث تكون الساعة من النهار وهو زمن قليل أصلا أقل توقيت على الإطلاق . ولا شك أن هذا قد أراح نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم لوثوقه  بإنجاز الله  تعالى وعده الصادق  ويكون سيّان تأخيره أوتعجيله.

ولقد جعل الله تعالى  ما وعد به  رسوله  صلى الله عليه وسلم بلاغا للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم  فيزداد المؤمنون إيمانا ويقينا به ، وهو  في نفس الوقت وعيد للكافرين عسى أن ينيب ويستقيم بعضهم فيهجرون الفسق ، وهو الكفر والشرك  قبل حلول العقاب بهم  إما معجلا او مؤجلا  أو هما معا  كما جاء في محكم التنزيل.

حديث هذه الجمعة القصد منه حث المؤمنين  والمؤمنات على التخلق بخلق الصبر الذي تخلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يواجه الأذى الكبير من الكفار، والمشركين، والمنافقين، وأهل الكتاب . ولا شك أن المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة معرضون  مثله عليه الصلاة والسلام لكل أنواع الأذى  بسبب إيمانهم كما أخبر بذلك الله عز وجل في الآية الكريمة السادسة والثمانين من سورة آل عمران حيث قال سبحانه وتعالى :

 (( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))

وقد ذكر فيها الصبر والعزم  مقترنان كما حث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن خلاله  حث عليهما جميع المؤمنين والمؤمنات إلى قيام الساعة ، وجعله إسوة وقدوة لهم .

إننا لنعيش في هذا الظرف العصيب كربا عظيما  يعاني منه إخواننا المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، ومهد الرسالات والمقدسات  وهم يتعرضون لأذى اليهود والكفار والمشركين  والمنافقين  كأشد ما يكون ، وقد ابتلوا في أموالهم التي سلبت منهم ،و في أنفسهم  وهم يبادون إبادة جماعية تقتيلا، وتجويعا وتهجيرا ،وفي مساكنهم التي سويت في الأرض، وصارت أثرا بعد عين، وهم يسمعون الأذى الكثير من حلف الشيطان المتكتل  ضدهم ، في وقت  خذلهم فيه الخاذلون ممن تلزمهم شرعا  نصرتهم   بسبب ثباتهم على دينهم ،وتشبثهم بوطنهم  والدفاع عنه وعن مقدساته باذلين ارواحهم من أجله ،وقد طمع الطامعون يهودا ونصارى متصهينين  فيما أودع الله تعالى فيه من خيرات ،ومقدرات، وبركات الطامعون يهودا ونصارى متصهينين .

  وها هو وحي الله تعالى يصدق على المؤمنين في أرض فلسطين وهم صُبُرٌ لم يلن لهم عزم ، ونفوسهم راضية وهم محتسبون الأجر عند ربهم سبحانه وتعالى ، وهم على يقين غير مستعجلين  من صدق وعده لهم بالنصر ، وصدق وعيد انتقامه من أعدائهم الطاغين الذين حين سيحل بهم كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار.

اللهم  أفرغ على عبادك المؤمنين المرابطين منهم والمكروبين صبرا جميلا ، وقو اللهم عزمهم  وأفرغ عليهم صبرا، وعجل لهم بفرج عاجل يسر نفوسهم ، ويذهب عنهم الحزن ، ويشفي صدورهم .وعليك اللهم بأعدائهم الظالمين أرهم ، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، فإنهم قد تطاول طغاتهم  عليك تباركت وتعاليت وهم يقولون لعبادك المؤمنين أين ربكم ؟ اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا ،ولا تبقي اللهم منهم أحدا، واجعلهم عبرة للعالمين يا رب العالمين ،ويا ناصر المظلومين ولو بعد حين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *