Home»National»قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الثاني

قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الثاني

0
Shares
PinterestGoogle+

ثانيا: العتبات الداخلية- المزج بين القرآن والشعر الغربي.

يتوحد التداخل أيضا داخل المجموعة الشعرية »الأحجار الفوارة » بين إثبات آيتين قرآنيتين في الصفحة السابقة، وأبيات شعرية غربية في الصفحة الموالية لهما. أما الآيتان فتشتركان في وحدة « التيمة » المتمثلة في المطالبة بعدم التكلم.. في الآية الأولى من سورة يوسف عليه السلام، يطلب النبي يعقوب من ابنه يوسف ألا يحدث إخوته بمضمون الرؤيا حتى لا يكيد له إخوته له كيدا. أما الآية الثانية من سورة مريم، فيأمر الله مريم ألا تكلم الناس ثلاث ليل كاملة بسبب سوء ظن أهلها لها. من هنا نلاحظ أن كلا من يوسف ومريم يكابدان من جراء الظلم والجبروت. مما يلزمهما الصمت المطبق، والابتعاد عن مصدر الاكتئاب والحزن.
ألا ينطبق الأمر ذاته على الشاعر محمد علي الرباوي؟
ننتقل إلى النصوص الشعرية الفرنسية لكل من كلوديل Claudel وجوف P.J. Jauve وبودلير C. Baudelaire، والمشترك بين هذه الأشعار ونفسية محمد علي الرباوي هي الحزن والكآبة. فالوجوه الدامعة تحاول خلق البسمة حينا وانتظار الولادة الحقيقية التي لا توجد غلا في الأحلام حينا ثانيا. وانعدام رائحة الأزهار حينا ثالثا. كلها دلائل على هذا التوتر والانقسام وعدم الاستقرار النفسي.
إن خلو مجموعة (الأحجار الفوارة) من مقدمة للشاعر أو تقديم لغيره عوض بهاتين العتبات، وهي رسالة موجهة للمتلقي العارف بكوامن شخصية الشاعر، وتؤكد أن الكلام استنفد، ولم يبق غلا الشعر المعبر عن السكنات. لأن محمد علي الرباوي، كما سبقت الإشارة على ذلك هو الشاعر الثائر على حزنه، وهو : »عشبة برية في البراء..عشبة تشتهي الارتواء.. وكل الوجوه في عينيه قطعة سراب.. المدائن غربة.. والأرض غربة.. العالم مملكة للغرباء..فإلى أين يذهب؟؟ »(علي عبد الفتاح: الصعاليك ينفجرون بالغناء، ص- 230).
وقد مارس التوقف عن الارتواء، والخصب الروحي والذاتي على الشاعر سلطته وغير من المفاهيم، لتصبح الأحجار الساكنة الجامدة، فوارة صاعدة إلى الأعلى، إلى جسد الشاعر لتحقق له التوازن الطبيعي الخلاق. مباشرة بعد الأشعار الغربية، نلج إلى ذات الشاعر عبر البوابة (رسم باب) ذات الرمز التقليدي والمعمار المغربي، إذ تحمل أحرف (محمد علي الرباوي) مشتتة وغير مرتبة، وتتداخل فيها الأشكال الهندسية والمؤثرات الضوئية (الظل)، ثم في الصفحة الموالية صورة مطابقة للرسم الأول، لكن بنظرة منعكسة، وتحمل أيضا أحرف الشاعر نفسها، بتشتتها وعدم انصهارها ككل منفرد.
والملاحظ أن الديوان يحمل عددا مساويا من الوحدة التشكيلية (الباب والسور) الموجودين في الصفحة الحادية عشر، وعدد القصائد التي يتكون منها:عشر قصائد= عشر لوحات.

ومن ثمة يصدق قولنا إنها ولوج فعلي للمتلقي إلى جسد الشاعر وروحه عبر القصائد التي ينتجها، وهي ليست لوحات اعتباطية وضعت لملء الفجوات داخل نسق النصوص وبنيتها. كما أن المجموعة الشعرية (الأحجار الفوارة) تحمل بين طياتها لوحات تشكيلية أخرى للفنان نفسه(حماد يوجيل) المعروف على الصعيد المغربي بلوحاته التي يطغى عليها الحرف والخط العربيين. وهي داخل المجموعة الشعرية تجمع بين الأسوار العربية والأبواب والحروف العربية المنقوشة بطرق مختلفة للخط العربي، إلى جانب الصخرة والبيضة المتعلقة بالأحجار والصخور (الديوان ص- 27)، والحمامة المأسورة (ص- 39). ومجمل القول حول هذه الالتفاتة، هو أن العتبات (المصاحبات الحقيقية) التي تصاحب النصوص الشعرية تحمل دلالات قوية، وخصوصيات التحمل الفوري للمسؤولية المعنوية داخل بنية النص ككل. ولعل طموح محمد علي الرباوي جعله لا يفصل بين ما هو شعري وما هو تشكيلي، لأن كل واحد منها يعبر عن أحاسيس الصدق والعاطفة.
من خلال هذه الأطروحات التي سبقت الإشارة إليها، يمكن أن نفهم مغزى العنوان الرئيسي الذي اختاره الشاعر لمجموعته، قبل الولوج إلى النصوص الداخلية. فالأحجار، باعتبارها حقيقة تروم الشكل الصلب المتجلد القادر على تحمل الصعاب والمكابدات، والمستحق صفة القوة والتأثير القوي، على غرار صخر امرئ القيس الذي حطه السيل من عل.

لكن صخر محمد علي الرباوي لا ينزل من أعلى، بل يصعد من أسفل فيفور. وقد عرف ابن منظور الفوارة في مادة فار: » فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت وجاشت.. » (لسان العرب 5/ 67)، إلى أن يصل إلى قوله: » وفوارة لكل ما لم يتحرك ولم يدر، فإذا تحرك ودار فهي دوارة وفوارة، وفوارة الماء منبعه » (5/ 68). فأحجار الشاعر جاشت غضبا وثارت فورانان متصاعدا من جراء حرقة الحرارة والتجلد المطبق.
وتحدد دلالة العنوان بصفته عتبة(دلالية) من خلال ثلاثة مستويات:
أولا: مستوى تمهيدي:
حين نقرأ المقطع الشعري:
يا جسدي أنا ما زلت على كتفي أحمل أحجارا عند طلوع الغضب الجبار على بلدي المسروق جهارا، بلدي أعشب وادية ونم به الزهر الفاتن، لكن أسأله خبزا يعطيني حجرا » (ص- 15)
نلاحظ تمسك الشاعر بأحجاره المحمولة على عاتقه والتي لا تجلب له سوى الحزن المتكرر والمآسي.
ثانيا: مستوى تركيبي:
فيه يركب فيه الشاعر الدلالة القوية للحجر المرتبطة بالفرح:
وعميق ما أحمل من أعشابي من فرح حجري ( ص- 54)
ثالثا: مستوى متعمق:
يقول محمد علي الرباوي في قصيدة (الفرح المشتعل)، وهو يخاطب جسده وذاته:
إن الأحجار الفوارة قد فصلتني عنك، هي الآن تطوح بي بين أقاليم الحزن، تكبلني ببحار الهم القاتل. ( ص-93)
فالأحجار التي كانت على كتفه قد فارت وانفصلت عنه وخلقت وراءها الحزن بدل الفرح المشتعل، ودمرت الأحاسيس وكبلته « ببحار الهم القاتل »، لذلك فهي دليل على الحزن المستمر والحزن الفائر من أعشاب الذات، وهذا الفعل مرتبط بالاشعر في جل أشعاره، فمثلا نقرأ في قصيدة متقدمة زمنيا:
كانت تحمل فوق كتفي
كنت على كتفي
أحمل عصفورا مثقوب العينين
وأنا كنت فوق الرمل المجنون
إني حمأ مسنون ( أطباق جهنم: ص- 9)
فهو هنا يعطينا الدليل على الاشتعال والاحتراق الذي تتألم منه ذاته، فهو نفسه الحمأ المسنون، وهو الحامل لكل عناوين الحزن والمآسي.

ويقول في مقطع شعري ثان:
أحمل فوق جسدي، وأجوب به طرقات مدينتي الشهباء ( أول الغيث، ص- 22)
إذ لا يحمل الحزن الذي غطى فترة من عمره، هذا الحزن الذي انجلى بعد أول الغيث، وأول القطر بعد طول الظمأ والعطش.
بعد هذه الوقفة التي خططنا من خلالها للتعبير عن الجسد الخارجي للمجموعة الشعرية (الأحجار الفوارة)، نجد أنفسنا أمام المضامين التي لن تكون بمنأى عن هذه الإيحاءات، لذلك فسنمضي إليها لا بتتبع كل قصيدة على حدة، لأن ذلك سيورطنا في التجزيء والتفكيك، لكن سننظر إليها مجتمعة من خلال استنباط الخاصيات المشتركة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. etudiante
    16/12/2008 at 22:43

    mr rebbaoui ,est connu chez ts ceux qui ont fait -la letterature arabe-,vraiment,c’est un homme de principes..il faut qu ‘on lui rende homage ,à ce monsieur,qui a enrichi nos bibliotheques,de ses oeuvres litteraires…bravo mr rebbaoui et soyez genereux de temps en temps(alkassaid achiarya)

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *