Home»Débats»شعار « بغاتها الوقت » وسؤال من نحن وماذا نريد؟

شعار « بغاتها الوقت » وسؤال من نحن وماذا نريد؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

شعار « بغاتها الوقت » وسؤال من نحن وماذا نريد؟

توصلت مؤخرا برسالة واتساب عنوانها عبارة عن نقطة استفهام، أما مضمونها فقد افتَتَحهُ صاحبه بالسؤال: « ماذا تريد »؟ متبوعا بأجوبة مجموعة من المشاهير في شأنه، وذلك بصيغتي الكتابة والتلاوة. وعلى الرغم من طبيعتها المستفزة فإنها لم تَلفِت انتباهي بقدر ما لفته السؤال نفسه، ذلك أنه بمجرد ما طرحته على نفسي تبين لي أنه ليس سؤالا عاديا ولا بديهيا، بل هو سؤال عميق ذو صبغة وجودية، لا يمكن أن تتحقق الإجابة عنه إلا إذا تمت الإجابة عن سؤال وجودي آخر مرتبط به أشد الارتباط ألا وهو « من أنا »؟

إذا كانت إجابة الفرد عن السؤالين ضرورية وحاسمة لخوض غمار الحياة بمسؤولية ودون تذبذب، فإن الإجابة عنهما لا تقل أهمية بالنسبة للمجتمعات والشعوب مع تغيير الصيغة من المفرد إلى الجمع، لتصبح « من نحن وماذا نريد »، ولعل ما عايناه في الأيام الأخيرة التي صادفت مجريات الانتخابات الرئاسية التركية لَخَيرُ مثال في هذا الصدد، حيث اتضح أن الإجابة عن السؤال « ماذا نريد » كان مؤطرا بالإجابة عن السؤال « من نحن » التي أبرزت وجود فئتين، إحداهما ذات مرجعية إسلامية، وهي التي أرادت حكم أردوغان، وأخرى جمعت خليطا من المرجعيات قاسِمُها المشترك هو معاداة المرجعية الإسلامية، وهي التي أرادت حكم كليجدار أوغلو، ومما يدل على حرص كل فئة ربط التعبير عن إرادتها (ماذا تريد) من هذه الانتخابات بإجابتها على سؤال « من نحن » وجود مجموعة من المؤشرات تتصدرها المشاركة المكثفة التي تجاوزت نسبة 84% حسب بعض المصادر وهي الأعلى في العالم، تضاف إليها النزاهة والشفافية التي مرت فيها هذه الانتخابات، دون أن ننسى المعرفة الجيدة لكل فئة بماهية مرشحها أو لنقل معرفتهم ب « من هو » هذا الذي تريده.

وإذا كان هو شأن الأتراك بالنسبة للإجابة عن السؤال « ماذا نريد » في علاقته بالسؤال من نحن، فما هي إجابة المغاربة عن السؤالين؟ ففيما يتعلق بالسؤال « من نحن »، يوجد مصدرين أساسين للإجابة عنه: الأول رسمي مُمَثَّلا في دستور البلاد الذي يقر بأن دين الدولة هو الإسلام مما يعني بداهة أن المغاربة مسلمون، والثاني شعبي بحيث لو طرحت السؤال عشوائيا في الشارع أو حتى في حانة، فإنك لا تكاد تعثر على من يصرح بالعكس من ذلك إلا في حالات يمكن اعتبارها مَرَضية في إطار الثقافة السائدة. أما فيما يتعلق بالإجابة عن السؤال « ماذا نريد » فيبدو أن هناك مشكلا لدى فئة لا يستهان بها من المغاربة، وهو ما يمكن استنتاجه من تتبع نتائج الانتخابات على سبيل المثال، ما دمنا قد أثرنا حالة تركيا، بحيث لا يمكن استيعاب تذبذب الأغلبية بين الأحزاب ذات المرجعيات المختلفة والمتناقضة أحيانا من دورة انتخابية للتي تليها، إلا في إطار عدم تأكُّد الذي يُريدُ والذي يُراد، (المواطن المنتخِب والمواطن أو الحزب المنتخَب) من إجابتهما أساسا عن السؤال « من أنا » و »من نحن » على التوالي، وهو ما ينتج عنه بالضرورة تنافر بين الأجوبة التي يفرزها الواقع عن السؤال « ماذا نريد »، وإلا فلا يمكن لمجتمع متأكد من هويته (من هو) أن يتخلى بين عشية وضحاها بسهولة قَلَّ نظيرها لدى مجتمعات الكرة الأرضية، عن حزب أو تيار يتقاسم معه نفس الأجوبة عن السؤالين اللذين نحن بصددهما.

ومن التمظهرات البارزة التي تبرهن على وجود خلل ما في التأكد من جهة، والاقتناع من جهة ثانية، بالإجابة عن السؤالين، بروز فئة مجتمعية آثرت الإجابة بشكل غير مباشر عن سؤال « ماذا تريد » بتبنيها لشعار « بغاتها الوقت » الذي يحيل على مجموعة من الممارسات التي يرغبون في إشاعتها، ولتفسير هذا الأمر يحضرني احتمالين: الأول هو أنهم لا يعرفون « من هم »، ومن ثم فالنتيجة الحتمية هي أنهم لا يعرفون ماذا يرودون، مما يجعلهم يوكِّلون غيرهم الذي أملى عليهم مضمون شعار « بغاتها الوقت »، والثاني أنهم يعرفون « من هم » ويعرفون « ماذا يريدون »، ولكن ليس لهم الجرأة للتعبير الصريح عن ذلك، مما دفعهم لاستعارة شعار « بغاتها الوقت » الذي يتماهى مضمونه مع ما تطالب به مجموعة من الجمعيات والمنظمات الوطنية والدولية ذات الخلفية العلمانية، والتي تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتنزيل برنامج الأمم المتحدة المتعلق أساسا بتعطيل أحكام الشريعة الإسلامية كأحكام الإرث والزنا والإجهاض والتعدد وتحديد سن الرشد…

ومما لا شك فيه أن تنزيل هذا البرنامج لا يمكن أن يتم إلا من خلال التشويش عن معرفة المغاربة لأنفسهم (من نحن) و »عن ماذا يريدون » في إطار عقيدتهم وثوابتهم الدينية، وهو الأمر الذي تُستباح معه جميع الوسائل المتاحة لجعل إجابتهم عن السؤالين متذبذبة، ولعل الدفع في اتجاه سيادة خطاب الميوعة وتشجيع الأنشطة المائعة مثل السهرات والتظاهرات التي يتم إدراجها ضمن الأنشطة الثقافية التي لا يربطها بالثقافة إلا الاسم، من بين الوسائل التي يُرَكِّزون عليها ويضعونها في خانة الأولويات رغم الضائقة التي تمر بها البلاد، وقد لا تعوزنا الأمثلة للبرهنة على هذا الأمر، انطلاقا من السهرات الماجنة للرابور طوطو ومرورا بمهرجاني « البولفار ووي كازابلانكا »…  وصولا إلى الإعلان عن السهرة التي ستحتضنها مدينة الدار البيضاء بداية شهر يوليوز من تنشيط مجموعة من « الفنانين » أمثال كاظم الساهر وماجد المهندس، والفنانة السورية أصالة نصري، والفنانة اللبنانية نجوى كرم، حسب ما ورد في إحدى الجرائد الإلكترونية المغربية الذائعة الانتشار.

في الأخير أقول بأن الإجابة عن سؤال الهوية والانتظارات التي تتمخض عنها، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها أو القفز عليها بالنسبة لأي شعب أو مجتمع يحرص على المساهمة في صناعة مستقبل بلاده عن وعي وبصيرة، وما عدا ذلك فالمستقبل سيكون لا قدر الله في أيدي خدام المشروع الغربي المتدثرين بشعارات ملغومة كما هو الشأن بالنسبة لشعار « بغاتها الوقت » وآنذاك لن ينفع الندم لأن الوقت سيكون متأخرا لإصلاح ما أفسدوه، مما يُخشى معه نزول غضب الله وهلاك الجميع على غرار الأقوام السابقة كما أخبر بذلك سبحانه وتعالى في الآية 3 من سورة ص حيث قال جل علاه: « كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ » صدق الله العظيم.

الحسن جرودي

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *