Home»Débats»نعم لحقوق الحيوان، لكن ليس على حساب حقوق الإنسان.

نعم لحقوق الحيوان، لكن ليس على حساب حقوق الإنسان.

1
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم لحقوق الحيوان، لكن ليس على حساب حقوق الإنسان.

الحسن جرودي

إذا علمنا أن ثنائية الحق والواجب شرط أساسي في استقرار المجتمعات الإنسانية وتقدمها، فهل يمكن تعميم هذا الشرط على باقي مخلوقات الله دون الإخلال بالتوازن البيئي؟

بقليل من التدبر يتبين أنه لا يمكن استثناء أي مخلوق من دائرة الحقوق مع الإقرار باختلافها من مخلوق لآخر، بينما يُطرح المشكل في إدراج الجميع ضمن دائرة الواجبات، على اعتبار أن الواجب يصبح لاَغٍ في غياب مجموعة من الشروط التي يتصدرها العقل والإرادة والاستطاعة…فغير العاقل يُستثنى من الواجبات الشرعية على سبيل المثال حتى وإن مُكِّن من جميع حقوقه، كما أن فاقد الإرادة  كالشجر لا يطلب منه إعطاء ثمر غير الذي خصه به الله تعالى حتى وإن تم سقيه وتسميده  ومداواته، نفس الشيء يمكن أن يقال عمن لا استطاعة له بحيث يُعفى من الحج على سبيل المثال كما يعفى غير المتخصص بالخوض في التخصصات الدقيقة التي لا شأن له بها.

 هذا إذا أخذنا مفهوم الواجب على معناه الحقيقي، أما إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية المجاز، فيبدو لي والله أعلم أن الله اختص كل مخلوق بواجبات جِبِلِّيَة تتمثل في وظيفته التسخيرية التي ميزها الله بها، مصداقا لقوله تعالى « وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (الجاثية13)  عَلِمْنا ذلك أم جَهِلناه على اعتبار أن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدر وأنه خلق كل شيء فقدرة تقديرا، فَمِنَ الحيوان مَنْ مِنْ واجبه توفير اللحم واللبن ومَنْ مِنْ واجبه تزويدنا بالصوف والوبر، ومَنْ مِنْ واجبه أن يُركب ويتخذ زينة مصداقا لقوله تعالى: « وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً » (الآية 8 سورة النحل)، كما أن من واجب الشجر أن يطعمنا من ثمره ويزودنا بالأوكسيجين ويمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون…وحتى سُمُّ الثعابين والعقارب أصبح يُسَخَّر لاستخراج أمصال تُستعمل في صناعة مجموعة من الأدوية ذات أهمية قصوى. من هنا وانطلاقا من ثنائية الحق والواجب نستنتج أن كل الكائنات تستلزم حقوقا يتعين تمتيعها بها والاعتناء بها بما يتناسب وقيامها بالوظيفة التي خُلقت من أجلها، وإلا فإن الخروج عن هذه الثنائية بالاستغناء عن أحد المكونَيْن أو بإحداث نوع من عدم التوازن فيما بينهما بتغليب مكون على آخر على سبيل المثال، يؤدي بالضرورة إلى اختلالٍ في التوازن الوظيفي للكائن المستهدف. ولا شك أن ما يلاحظ لدى مجموعة من أبنائنا من استخفاف بالمسؤولية وما يترتب عن ذلك من إغفال لأهمية الوقت والمساهمة في الفساد الأخلاقي … دون أن يُحدِث ذلك أدنى إحساس بالذنب ولا إحساس بالمسؤولية، مرده إلى تربيتهم على ثقافة الحق دون الواجب.

إن التطرق للموضوع في شموليته يحتاج إلى الوقت من جهة وإلى ذوي الاختصاص من جهة أخرى، ومن ثم فإنني سأكتفي بالنظر إليه من زاوية حقوق الحيوان المتمثلة في » الحق في الحياة، والحق في الغذاء، والحق في منع الألم، وحقه في المحافظة على نوعه ومنع انقراضه وفنائه » حسب ما استنبطه العلماء من نصوص الشريعة السمحة مع اختلافٍ في مسؤولية الإنسان في ضمان هذه الحقوق، ذلك أنه إذا كان من الممكن إعفاؤه من ضمان حقه في الغذاء ومنع الألم بالنسبة للحيوانات البرية على سبيل المثال لأن الله هو الضامن لها بصفة تلقائية كما هو الشأن بالنسبة للطير التي تغدو خماصاً وتروح بطاناً، وكما هو الشأن بالنسبة لبعض القردة التي تُداوي نفسها بنفسها، فإنه لا يُعفى من العمل على ضمان حقه في منع انقراضه بالنسبة لبعض الأنواع المهددة في الوقت الذي لا يُعفى من أي حق من الحقوق الأربعة بالنسبة للحيوانات الأليفة التي تُسدي خدمات جليلة لأصحابها في شتى مجالات الحياة، مع العلم أن تجاوزات متعددة أصبحت تلاحظ عند البعض بخصوص الهدف من امتلاكها التي لا تعدو أن تكون موضة دون فائدة ترجى سوى التفاخر والتباهي، فهذا يتفاخر بقطه وتلك بكلبها دون الإشارة إلى المصاريف الشهرية التي تُخصص لها والتي تفوق في كثير من الحالات المدخول الشهري لعدد كبير من العمال والمياومين.

ويبقى السؤال مطروحا عندما نبحث عن الجهة المكلفة بتمكين الحيوانات الضالة وبعض الحيوانات البرية من حقوقها من جهة، وتحمل مسؤوليتها من جهة ثانية، خاصة عندما تتسبب في خسائر وإتلافات في ممتلكات الغير، كما هو الشأن بالنسبة للكلاب الضالة التي تتسبب في إزعاج المواطنين قد يصل إلى حد الاعتداء عليهم وقتل بعضهم كما كان الشأن بالنسبة للسائحة الفرنسية التي ماتت بإقليم وادي الذهب، ونفس الشيء يقال عن الخنازير البرية التي تُتلِف محاصيل بأكملها خاصة بالنسبة للفلاحين ذوي الإمكانات المحدودة التي لا تسمح لهم بتسييج  ضيعاتهم، ونفس الشيء يقال بالنسبة للجرذان والعصافير والجراد وكل من على شاكلتها.

وفي هذا الصدد يأتي دور الجمعيات التي تُنصِّب نفسها مسؤولة عن الدفاع عن حقوق الحيوانات التي تتصدرها الكلاب الضالة، حيث يتم التساؤل إن كان بإمكانها توفير هذه الحقوق، وتحمل مسؤولية جبر الأضرار التي يمكن أن تُحدثها في شتى المجالات، أم أن دورها ينحصر في الوقوف ضد قتلها لأن ذلك يسيء لسمعة البلاد حسب تصريح رئيس إحدى جمعيات الرفق بالحيوانات. وإن كان الأمر كذلك فإن هناك في المقابل أناس متضررون يبحثون عن المسؤول عنها لمقاضاته وتعويضهم عن الخسائر التي تتسبب فيها، خاصة وأنه إلى عهد قريب كان يتم قتل الكلاب والقطط الضالة وإزعاج العصافير والخنزير البري بإحداث أصوات مزعجة أو قتلها إذا اقتضى الأمر ذلك، وللعلم فأن وزارة الفلاحة حسب أحد الأصدقاء العاملين في مصلحة وقاية النباتات كانت إلى عهد قريب تقوم بحملات قتل العصافير والفئران التي تتسبب في إتلاف بعض المحاصيل الزراعية باستعمال المبيدات.

من هذا المنطلق يتساءل المتضررون عن المستجدات التي كانت سببا في إعطاء كل هذه الأهمية لنوع من الحيوان دون نوع آخر، فهذه جمعية تدافع عن حقوق الكلاب، وأخرى عن حقوق القطط، في الوقت الذي لا زالت إسبانيا تتسلى بتعذيب الثيران أشد العذاب لا لِفائدةٍ ترجى سوى اللعب وتزجية الوقت، ولا زالت هواية الصيد الترفيهي منتشرة في بقاع العالم بينما يُمنع المسلمون من نحر أضاحيهم بأرحم طريقة ممكنة.

وإذا كنا لا نختلف من حيث المبدأ في ضرورة تمكين جميع الحيوانات من حقوقها، فإن الأمر يختلف عندما يصبح ضررُها أكبر من نفعها، فعندما يتكاثر نوع معين بالشكل الذي يهدد التوازن البيئي، أو يكون سببا في تفشي الأمراض، فالحل الوحيد، خاصة عندما تشح الموارد المالية، يكمن في قتلها كما هو معمول به في عدد من دول العالم التي تصبغ العملية بصفة « القتل الرحيم » للتخفيف من وقعه، ثم بعد هذا وذاك أيُعقل أن تعطى كل هذه الأهمية للكلاب الضالة في الوقت الذي يوجد فيه مئات من المشردين، والمهجرين بلا مأوى وبلا مأكل ولا تطبيب؟ أيعقل هذا والأبرياء يُعذبون ويقتلون يوميا في كل من فلسطين والعراق وسوريا والصين والقائمة طويلة في الوقت الذي أعطى فيه رسول الله وسلم قاعدة التعامل مع الحيوان عندما أخبرنا عن المرأة التي دخلت النار في هرة حيث قال: « عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ». وعن الرجل الذي دخل الجنة بسقيه كلبا، في الوقت الذي حدد فيه الأصناف التي يتعين قتلها حين قال صلى الله عليه وسلم: « خمس فواسق يُقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا » وقال الإمام مالك رحمه الله:  » إنَّ كلَّ ما عقر النَّاسَ وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنَّمِر والفهد والذئب فهو الكلب العقور ».

خلاصة القول أن احترام حقوق المخلوقات جميعها، بشرا كانت أو حيوانا أو شجرا أو حجرا واجب ديني قبل أن تنتبه له الجمعيات التي يعمل عدد منها على الاسترزاق به من جهة، وتحقيق أجندات معينة من جهة ثانية، ويبقى الاستثناء واردا عندما يكون ضررها أكبر من نفعها كما هو الشأن بالنسبة للأصناف المحددة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة عندما تنعدم وسائل ضمان حقوقها، وتغيب الجهة المسؤولة عن تحمُّل مسؤولية التعويض عن الخسائر التي تحدثها، ومن ثمة يبقى الحل الوحيد هو القتل بالطريقة التي يأمر بها الشرع الحنيف « فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ». مما يترتب عنه إعادة مجموعة من الجمعيات التي تهتم بالموضوع النظر في أولياتها حتى لا تهتم بالحيوان على حساب الإنسان الذي كرمه الله وسخر له الشمس والقمر دائبين وسخر له الليل والنهار.

* يقصد بالحديا الوحيد من صنفه إذا قتل انقرض الصنف

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *