ما هكذا يُشجع المصلون على ارتياد المساجد ومصاحبة القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
ما هكذا يُشجع المصلون على ارتياد المساجد ومصاحبة القرآن
من الممارسات التي أصبحت معمول بها في المساجد، استعمال حوامل للمصاحف من قبل غير الحاملين لكتاب الله أثناء التلاوة الجماعية للحزب الراتب، أو أثناء المراجعة أو الحفظ بشكل فردي حسب الأشخاص، وذلك قبل الصلوات المفروضة أو بين العشاءين بشكل ملحوظ. وأحسبها بدعة حسنة لأن استعمالها يحافظ على المصاحف من عَرق اليدين عند اللمس المستمر لها خاصة في هذا الوقت، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الاستعمال المباشر للمصاحف يفرض نوعا من التنقل المستمر من وإلى مكان حفظها عوض الاحتفاظ بها أمامه كل ما قام للصلاة أو لطارئ معين، حتى إذا انتهى من استعمالها بشكل نهائي أرجعها إلى مكانها المعهود.
إلا أن ما وقع صباح يومه الجمعة 28 ذو الحجة، بمسجد الإيمان بحي الفتح (لست أدري هل كان الأمر عاما أم أنه خاص بهذا المسجد) خرج عن المألوف دون إنذار سابق، حيث فوجئ رواده بسحب هذه الحوامل ما عدا بعضها، ولما استفسرنا عن الأمر قيل لنا بأن ذلك تم بأمر من المندوبية الإقليمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، على أن يتم الاحتفاظ بعشر حوامل فقط، وقد كان هذا الأمر بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس ودفعت بالبعض للخوض في مجموعة من الممارسات غير اللائقة في حق مريدي هذا المسجد بالذات من مثل الاقتصار على استعمال المراوح (جمع مروحة) فقط خلال فترة حضور الإمام أو نائبه، والاحتفاظ ببعض المصابيح الباهتة مع إطفاء الأساسية منها مما لا يسمح لقليلي النظر، وهم كثر، بالقراءة في المصحف بشكل مريح، وذلك مباشرة بعد الانتهاء من الصلاة ومغادرة الإمام للمقصورة مع الإشارة إلى أن المصابيح المستعملة من النوع الذي يقتصد الطاقة بشكل كبير(LED).
والسؤال هو: ما العيب في استعمال هذه الحوامل، هل تم إدراجها ضمن البدع التي يتعين محاربتها، وإذا كان الأمر كذلك فما السر في الإبقاء على عشر منها فقط؟ ثم كم هي الطاقة التي يتم استهلاكها في المدة الفاصلة بين العشاءين أو تلك الفاصلة بين الآذان الأول وآذان الصبح حتى يُحرم أولئك الذين يتشبثون بالمكوث في المسجد في هتين الفترتين بالخصوص، وذلك إما للذِّكر أو لتلاوة القرآن، قلت كم هي الطاقة المستهلكة حتى يتم حرمان هؤلاء من ظروف ملائمة تُحبِّبُ إليهم المسجد ومن ثم كتاب الله عز وجل؟ هل يَعُمُّ هذا التقتير جميع مرافق المندوبية أم أن الأمر يتعلق بالمساجد فقط؟
وإني لأكاد أجزم أن مثل هذه التصرفات التي لا تخلو من احتقار للمصلين الذين تتجاوز أعمار جلهم الستين لا تخدم الإسلام في شيء، بل على العكس من ذلك، فإنها تُنفِّر الناس من المساجد وتسعى في خرابها. وإذا كان الأمر كذلك فإني أخشى أن ينطبق على أصحابها قول الله عز وجل: « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ »
بالمناسبة أقول للسيد المندوب الإقليمي، ولكل من يهمه الأمر، أننا نعتقد أن دوركم يكمن في مدى استقطاب الناس للمساجد واستعادة دورها الريادي في مصاحبة القرآن، عبر مجالس المُدارسة والمُذاكرة وخلق مرافق تعليمية كما كان الشأن بالنسبة لمسجد الإيمان عندما كان يُدبَّر من قبل اللجنة التي سهرت على بناء مرافق لدروس الدعم والتقوية استفاد منها أبناء الحي والأحياء المجاورة لسنين عديدة بأثمان رمزية عن طريق تجنيد أساتذة متطوعين، قبل أن يتم غلقها وتحويلها إلى دكاكين…في عهد تسيير المسجد من قبل المندوبية الإقليمية.
وأخيرا أهمس في أذن السيد المندوب أن استقطاب الناس نحو المساجد يتم عن طريق الاهتمام بنظافتها ونظافة مرافقها الصحية بالخصوص، ومراقبة جودتها مع توفير لوازم النظافة دون إغفال مظهرَيْها الخارجي والداخلي، وذلك بتجديد صباغتهما كل ما بدا عليهما ما يشينهما. وبخصوص مسجد الإيمان أُذكِّر السيد المندوب بأن الصباغة الداخلية أعيدت مرة واحدة من قبل أحد المحسنين، أما الخارجية فلم تُغيَّر منذ الصباغة الأولى في أواسط التسعينات من القرن الماضي.
وحتى لا يخوض خائض في الدوافع الكامنة وراء هذا المقال، أأكد أن الدافع الوحيد والأوحد هو الامتعاض الذي بدا على أوجه مرتادي المسجد عندما وجدو أنفسهم محرومين بأدنى وسيلة تساعدهم على مصاحبة القرآن دون اعتبار لأحد ودون تبيان مضار هذه الحوامل، في الوقت الذي يتم التغاضي وإهمال جوانب أساسية سواء من حيث البناية أو من حيث الأدوار التربوية للمسجد.
الحسن جرودي





1 Comment
السلام عليكم الذي يبدو من خلال الإجراءات هو الحفاظ على داخل المسجد من الفوضى .. مثل منع الكراسي الكثيرة التي لم تشيروا إليها في مقالكم . ولو تم منع الكراسي لكتبتم مقالة تهاجمون فيه القرار..
من باب الحفاظ على جمالية المسجد صباغته ونظافته وكذلك ترشيد استهلاك مائه وكهربائه على ما يبدو لي السيد صاحب المقالة.. اما بخصوص الأضواء الباهتة فذلك من اختصاص الإمام والمؤذن ولا أظن أن هذا القرار صادر عن الجهات المختصة. والله أعلم لأني أرتاد المساجد بوجدة فأراها بحلة جيدة ويحتاج بعصها الى تدخل في الصباغة والنظافة … فلو اجتمع المتطوعون لساهموا في هذا بغية وجه الله دون الاتكال على الادارة. ولست أدافع عن الأوقاف ولكن من باب الإنصاف