من مذكرات العم عرب
( الجزء الاول)
احد العناكب عشش في سقف الغرفة .. خيوطه الشفافة تعكسها احزمة الشمس المتسللة من النافذة الأرجوانية. إنها غرفة مستطيلة الشكل , يوجد بها سرير حديدي قديم المظهر, يرجع عهده الى فترات الاستعمار كما يبدوا , وكأن صاحبه غنمه من احد المعمرين بعد طردهم , وعلى هذا السرير جثة .. والتي يرجح ان تكون لصاحب السرير.. متناثرة الأطراف تغوص في شيء .. كالنوم أو التفكير المتأني .. غرابة المكان , والمشهد , جعلني أحس بان هذا البشري غريب في طبعه.. كنت أنا حينها طفلا لا يتجاوز عمري الثانية عشرة , و كنت اسكن في الدور العلوي , والعم عرب في الدور السفلي تعودت على مجالسته ومخالطته كل صباح .. منذ أن كانت أمي تتردد على بيته لنبش أطراف الحديث مع زوجته الثرثارة .. يقول لي أهل الحارة بأنها ورثت الثرثرة عن ابيها الذي كان شيخا لإحدى القبائل التي هي منها .. قبل ان ترحل هي وثرثرتها عن الوجود , وقطعت أمي بعد ذلك صلتها بالمنزل السفلي , لكن انا بقيت متعلقا ومتمسكا بتلك الروح القديمة, والشخصية الهرمة المؤثرة, أحسست و كأن جبلا عالي الشموخ انسه واخفف عنه وحدته القاتلة .. لا أبناء لديه ولا احد يسال عنه انه شيخ بمعنى الكلمة .. منذ ان توفيت زوجته وهو في فوضى من حاله .. تقول امي أنهما كانا متحابان لقد أسرت لها ذلك زوجته قبل ان تفارق الحياة , وتجمعهما ثقة لا مثيل لها رغم ثرثرتها هي التي يسام منها من لا يسام .. وهكذا فبالرغم من كوني جزء من فطور العم عرب إلا أني لم يرقى ذهني إلى الخوض معه في سجال حول دهاليز حياته الماضية .. اخترت الصمت , والسكون أثناء تواجدي معه.. لكن أنا كنت ألاحظ انه يلوح من حين لأخر ويشير إلى أشياء مبهمة .. وكثيرا ما كنت أراه يكتب على الهواء باصعه .. أو يقوم بحركة تشير إلى الطيران , وبعد تنامي أشكاله التعبيرية أحسست انه يريد ان يبوح بشيء كالسر مثلا .. ويحتاج لمن يسر اليه .. أخذت أفكر في الأمر وأعيد التفكير.. أسئلة جمّة طرحتها على نفسي ذات ليلة صيفية .. ما وجدت لها من أجوبة سوى محاورة العم عرب والدخول معه في سجال , قد أجد أجوبة لما يدور من أسئلة في راسي عن العم عرب نفسه .. و في صبيحة يوم كان شروق شمسه غريبة كغرابة الأسئلة التي احملها إلى الشخص المبهم الأطوار دفعت باب غرفته دفعتين اثنتين ليفتح بعد ذلك .. المشهد نفسه يتكرر يوميا الشيخ في الوضعية التي عرفته عليها منذ سنين .. تفكير عميق أو نوع من النوم الخفيف .. لا اعلم المهم انه العم عرب بشحمه ولحمه راقد في السرير الحديدي .. كعادتي أحضرت كرسيا خشبيا , وجلست أمامه وعينا يا مشدودتين إلى قسيمات وجهه المجعد .. تمتمت في نفسي كغير عادتي وأحس بان خطبا ما ورائي اليوم.. وأشار إليّ بيده الطويلة مستفسرا فأخرجت من جيبي الخلفي قلما اسودا .. ومذكرة اشتريتها في تلك الصبيحة من دكان الحارة ولوحت بهما إلى العم عرب , وقلت له هل احتاج إلى هذا وهذه ياعم ؟ ابتسامة عريضة احتلت وجهه لكنها كانت ملفوفة في أوراق الحزن ثم قال:
– لتتعلم من قسوة الحياة وتكون مستعدا لها يستحسن ذلك.
أحسست بان الرجل وجد ضالته المنشودة , وقلت في نفسي أنت محضوض يا عم عرب لان أمي أرسلتني لأكمل تعليمي لولاها لما كنت اعرف أن اكتب ولا اقرأ كباقي أطفال الحارة.
– يا بني اليوم سأتخلص من ثقل كبير حملته على نعشي لمدة طويلة.
– أرعبتني يا عم عرب !!!
– لا تقلق ولا تخف خير هو الأمر إنشاء الله مجرد ذكريات لعمك عرب سيرويها لك .
– ثم اعتدل الشيخ في الجلوس وتجمع ككيس من الدقيق وهدا قليلا ودخل في صمت رهيب ك
كالصمت الذي يسبق كل عاصفة ثم انفجر وقال :
– نحن لم ننهزم أبدا يا عزيزي من يردد اننا انهزمنا فهو مخطيء ويجب ان يحاكم نحن لم نهزم
ابدا سجل هذه في الصفحة الاولى اكتب عندك عمك عرب لم ينهزم .
– ماذا أسجل يا عم عرب ؟
– سجل أننا لم ننهزم ابدا
– عن أي هزيمة تتحدث يا عم عرب؟
يتبع




Aucun commentaire
تبدو شيقة وبها معاني كثير ننتدر الباقي
it seem to be interesting and full of meaning i like it…and i want to know the rest of the story keep going majid …
واصل الخ عبد المجيد أشد على يدك ولا تقاطع المجل أو تتعطل عليها كما فعلت منذ مدة وفقك الله أنا من المعجبين بكتابتك أخوك عمر حيمري