Home»International»ما مدى صحة محاسبة الآخر خارج مرجعيته.

ما مدى صحة محاسبة الآخر خارج مرجعيته.

0
Shares
PinterestGoogle+

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جروديِ

ما مدى صحة محاسبة الآخر خارج مرجعيته.

 إن المتتبع لخطاب العلمانيين المتواجدين بين ظهراننا، يلاحظ استماتتهم في الدفاع عن معتقداتهم ذات المرجعية الغربية التي لا تَرى للدين دورا في رقي المجتمعات وتقدمها، وهم يعتمدون في نشر أفكارهم كل الوسائل المتاحة المشروعة منها وغير المشروعة، إلا أن اللافت للانتباه في خطابهم هو التناقض الصريح مع بعض المفاهيم التي يتبنونها، على رأسها مفهوم الحرية الذي لا يعترفون في شأنه بأي فهم غير الذي يرونه، والذي يستمدونه مما يطلقون عليه الحقوق الكونية للإنسان، مما يضرب المفهوم في حد ذاته في الصميم.

  سبب هذا الكلام هو مجموعة من المقالات التي ترد تَتْرى على صفحات جريدة هسبريس الإلكترونية تعيب على كل من له علاقة بالإسلام ممارساته الحياتية والسياسية سواء كان منطلقها دينيا أو سياسيا ، وآخِر مقال اطلعت عليه هو مقال بتاريخ 12 دجنبر 2019 لأحد العلمانيين المعروفين الذي سمح لنفسه بوصف حزب العدالة والتنمية بالتشدد وبأنه مسندٌُ بالتيار الوهابي، وبأنه يرفض المرجعية العالمية لحقوق الإنسان…وحتى يعطي مصداقية لهذه الأوصاف قام بجرد ما أسماه بالتكتيكات التي اعتمدها الحزب ضمن استراتيجية محكمة على حد تعبيره لضرب الحقوق والحريات، من بينها « تجنيده للخطباء والهيئات الدينية، الضغط على الدولة وتهديد الدولة  بالنزول إلى الشارع، الضغط على لجنة صياغة الدستور قصد التنصيص على إسلامية الدولة، استغلال الحكومة في الاستئثار بالحقائب الوزارية المسؤولة عن الحقوق والحريات، إلغاء وزارة حقوق الإنسان في التشكيلة الحكومية برئاسة بنكيران، الالتفاف على الدستور وإفراغ نصوصه من أي محتوى يدعم حقوق الإنسان، المصادقة على حقوق الطفل في الإسلام لتعطيل التزامات المغرب الدولية والاتفاقيات التي وقع عليها لحماية وضمان حقوق الطفل، بالإضافة إلى مناهضة الحقوق ومطالب النساء ورفض تجريم الاغتصاب الزوجي وتشديد العقوبات على التحرش الجنسي… »

  يمكن لمثل هذا الكلام أن يكون عاديا لو أنه صدر عن أناس يصرحون بمعاداة الحرية، أما أن يأتي من أناس يحملون شعار الدفاع عن حرية التعبير والمعتقد فهذا غير مقبول، لذا يبدو أن هناك خلل متعدد المداخل في ما صرح به هذا العلماني وأمثاله كلما تعلق الأمر بالإسلام ومبادئه ومن هذه المداخل نذكر ما يلي:

  المدخل العقدي:

تُعتبر العلمانية من العقائد البشرية الأكثر رفضا للآخر والحوار معه عمليا خاصة إذا كان هذا الآخر ذو مرجعية إسلامية، ذلك أنه على الرغم مما يصرح به المنتمون إليها من تبني الحوار والتسامح فإن الواقع يزخر بمواقف متعددة تناقض هذا التصريح. ففي الغرب نجد على سبيل المثال أن فرنسا التي يتغنى مسؤولوها بالحرية وحقوق الإنسان وضمان حقوق الأقليات وحق المعتقد،تستنفرُ كل قواها من أجل قطعة قماش توضع على الرأس، وتتوالى التصريحات تلو التصريحات الضمنية والصريحة لمحاربة الإسلام، أما في المغرب فيمكن أن نكتفي بالنموذج المشار إليه أعلاه، حيث يرفض كل من ينطلق من مرجعية إسلامية، كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي لا يمكن له أن ينطلق بغير الخلفية التي أوصلته إلى الحكم إذا كان يرغب في الحفاظ على ماء وجهه كما يقال، لذا فعندما يقوم صاحب المقال المشار إليه بمؤاخذته على عدم تبنيه  لحقوق الإنسان المسماة عالمية، فإن عليه أن يعلم أن الذين انتخبوه وأوصلوه إلى الحكم وهم أغلبية، سيؤاخذونه بل سيحاسبونه على عدم تنفيذ الأحكام الشرعية في مختلف مناحي الحياة، وبالأحرى أن لا يدافع على حقوق الإنسان كما ينص عليها الشرع، فالمنطق يقتضي إِذَنْ بمن يحترم اختيارات الشعب المغربي أن يُخلي سبيل هذا الحزب ويتركه وشأنه لينفِّذ برنامجه، ويعمل هو على إبراز برنامج الهيئة التي ينتمي إليها بوضوح ليبقى اختيار الشعب في الأخير هو الفيصل. فلا يكفي أن نطلق اسم العالمية على مجموعة من الممارسات التي يرفضها كل الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله على الرغم من عدم الالتزام الكامل لعدد منهم بتنفيذ أوامر الإسلام واجتناب نواهيه، مع العلم أن هذه الممارسات قد يُرحَّبُ بها في مجتمعات معينة، قلت لا يكفي إطلاق تسمية عالمية على ممارسة معينة لمطالبة الحكومة، بغض النظر على مرجعية الحزب الذي يرأسها، بفرضها على مجتمع له خصوصياته وثوابته وعقيدته، خاصة وأن جل المدافعين على هذه الحقوق تُحركهم وتمولهم جهات خارجية مشبوهة تعمل تحت مسميات مختلفة، ولعل عدد 200 جمعية التي تلقت دعما أجنبيا بلغ 31 مليار سنة 2019 لخير دليل على ما أقول، فهل يُعقل أن يُقدَّمَ هذا الدعم بدون مقابل؟ اللهم إذا كانت الجهات المانحة عبارة عن جمعيات خيرية، وهو أمر لا يقبله العقل في عالم يسوده التنافس على الاستئثار بخيرات البلدان النامية، من خلال غرس ثقافة التبعية ومحو ملامح الشخصية الوطنية التي تفتخر بعقيدتها ولغتها وثقافتها.

  المدخل المنطقي: إذا سلمنا بأن حزب العدالة والتنمية وقع في مجموعة من الأخطاء وذلك لأسباب يختلط فيها الذاتي من قبيل قلة التجربة أو قصور في فهم النصوص أو صعوبة تنزيلها على الواقع…، والموضوعي من قبيل  الضغوط الداخلية والخارجية، فالمنطق يقتضي عدم محاسبته على المبدأ العام المتمثل في الانطلاق من المرجعية الإسلامية على الرغم من ضمورها في كثير من مواقفه، وإنما يتعين على العكس من ذلك مساءلته عن عدم حسمه في مجموعة من الممارسات التي تتنافى والمرجعية الإسلامية كانتشار الخمارات، واعتماد عائدات الخمور في ميزانية الدولة، وافتتاح مجموعة من الكازينوهات، وانتشار الزنا، والتفريط في اللغة العربية من خلال الموقف المريب لبرلمانيي الحزب عندما قرروا الامتناع عن التصويت بخصوص القانون الإطار للتربية والتعليم الذي سمح بفرنسة التعليم… وذلك لأنه كما أشرت سالفا مستأمن من قبل الشعب على الاشتغال داخل إطار هذه المرجعية.

  هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كنا لا نعترف بدور الإسلام في توجيه المجتمع، فليس من المنطق في شيء أن نلجأ إليه للحصول على التأشيرة  لإضفاء الشرعية على ممارسة معينة كما كان الشأن بالنسبة لنفس الشخص المشار إليه في بداية المقال عندما توجَّه إلى المجلس العلمي الأعلى برسالة يطالبه من خلالها بالإفتاء لصالح الإجهاض.

   المدخل التاريخي:

  إن احتكار العلمانيين للحداثة ورميهم كل من اشتمت منه رائحة المرجعية الإسلامية بالرجعي والماضوي أمر فيه نظر، ذلك أنه ليس هناك أقدم من تلك الممارسات التي يحاولون بكل ما أوتوا من قوة  فرضها على المجتمع، وعلى من يريد التأكد مما أقول، أن يبحث في من هو أقدم، أهو شيوع الجنس وحريته أم الإسلام، أهو الزنا واللواط أم الإسلام، أهو إرغام الفتيات على ممارسة البغاء أم الإسلام… ألم يأت الإسلام لمعالجة هذه الظواهر الحاطة من كرامة الإنسان؟ أليس هو الذي حرم وأد البنات؟ أليس هو الذي أقر حقوقهن في الإرث؟  أليس هو الذي حرم الزنا؟…فإذا كان لا بد من إطلاق مصطلح الماضوية على تيار معين فلا يمكن إلا أن يطلق على هؤلاء المدافعين على هذا النوع من الحقوق التي ارتبط وجودها بعصور جهل الأمم وانحطاطها، وهي حقوق لا يقبل بها عقل سليم ولا أخلاق سوية حتى بالنسبة لعدد من المجتمعات الغير مسلمة. كما أن تبرير الإقرار بالحقوق المسماة كونية، وما هي بكونية، إلى الحد الذي راسل فيه صاحبنا المجلس الأعلى ليفتي لصالح الإجهاض لا لشيء سوى أن هذا الوباء منتشر في الواقع، لا يختلف كثيرا عن تبرير الأعراب عندما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما استنفر أهل المدينة ليخرجوا معه ليُرهِب مشركي قريش ولا يصدوه عن عمرته، حيث أعزوا تخلفهم عنه لواقعهم المتمثل في الانشغال بالأموال والأولاد وهو ما قرره سبحانه وتعالى في سورة الفتح حيث قال: » سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13).

  في الختام أقول لهؤلاء العلمانيين، قد سبقتكم مجموعة من المتهورين خلال السبعينات والثمانينات عندما تأثروا بالفكر الإلحادي الشيوعي وعاثوا في الأرض فسادا لا من حيث إباحة الجنس فيما بينهم ولا من حيث الإفطار في رمضان وما إلى ذلك من الممارسات التي أُدرجت بعد ذلك ضمن الحقوق العالمية للإنسان، إلا أن عددا كبيرا منهم تراجع عن تلك الترهات لتجده يتصدر الصفوف الأولى في المساجد، ولا أريد في هذا المقام أن أستدل بأسماء مرموقة إن على المستوى الوطني أو على مستوى العالم العربي وحتى العالمي، لذا أدعو لهؤلاء بالهداية والرجوع إلى طريق الصواب كما رجع من سبقوهم، حتى يتمكنوا من التخلص من بعض أوزارهم قبل حلول الساعة وينطبق عليهم قول الله عز وجل إذ يقول: » قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (الآية31 من سورة الأنعام) صدق الله العظيم.

الحسن جروديِ

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *