اين هدير المعامل,اين سواعد الشباب التي اخرجت الكنوز من غياهب المناجم في ارضك الطيبة؟اين ابناؤك الذين سكنوا احياءك قانعين بما اسديت لهم من خير,رغم كدحهم المتواصل في الكهوف لاخراج كنوز مختلفة من المعادن؟فياخذ النصيب الاكبر اصحاب البطون المتدلية,والسيارات الفارهة,والسكنيات المسيجة بشجيرات الورد؟بينما يأخذ ابناؤك الفتات ليسدوا به رمق الفؤاد؟ورغم الفوارق كنت ساكنة بحبك في افئدتهم؟وظل ابناؤك الصغار,يتعلمون في مدرستك الوحيدة,ويتناولون وجبات الشاي البارد والارغفة اليابسة على جبل النفايات التي اخرجت من باطنك بسواعد شبابك.

اين تلك البسمة التي رسمت على ثغور صبيتك,في مروج الدوار وخمائله؟اين العرق المنساب من مسام ابدانهم وهم يركضون من طلوع الشمس الى غروبها ,وبين ارجلهم قصبة شد احد اطرافها بخرقة كانها اللجام؟اين التراب الذي لطخ جباههم وكسوتهم وهم ينثرونه في الجو كانه البارود الذي يخرج من فوهات المكاحل؟

اين ذاك الوادي وخرير مياهه المنسابة حول شجيرات الدفله والعرعار,يروي قطعان الشياه والماعز ,؟ويلطف حرارة ابدان صبيتك في ايام الحر,بالقرب من السلاحف وتحت نغمات نقيق الضفادع؟

اين شموخ جبل غيران الفيجل؟اين اشجار الطاكة والبلوط والعرعار؟اين الارانب الصغيرة التي ظلت تسكن في اخاديد شكلت من صخورك المترامية هنا وهناك؟ اين نبتة فلييو التي تعطر الجو بروائحها الزكية؟

سكن هدير المعادن,وصارت كدنة السواعد تتمدد,لتدخل في عالم الشيخوخة,واصبحت مخلفات الكهوف والمناجم قبلة لشباب اليوم,بحثا عن الكنوز التي ملات البطون المتدلية,ولكنها لا تدس لشبابك اليوم الا موتا محققا كلما انهارت هاته الغيران,وانت شاهدة على شبابك الذي يقاد الى المقابر بين الفينة والاخرى.

ذهبت العاب صبيتك,ولم تعد سوى خيالا,وقد تغيرت العاب الصبية اليوم بفعل التحضر.بل اصبحت العاب صبيتك في ذاك الزمان الغابراضحوكة,وكان ابناءك عاشوا في كوكب غير كوكب الارض.

جف الوادي,ورسمت على قاعه اخاديد من الطين اليابس,وكانها تريد ان تقول:هاهنا كان الماء العذب,هاهنا كانت الخراف ترتع وترتوي,هاهنا كان الصبية يسبحون,هاهنا كانت اشجار البلوط البري تجود على الكائنات بثمار حلوة رغم مرارتها,حلوة لان الكل في الدوار تربى على القناعة.

لا زال جبل غيران الفيجل شامخا كما عهدناه,لكن خلت من اهلها الدار كما يقال,يبست اشجار الطاكة والعرعار,ورحلت الارانب والقنافذ الى حيث يطيب لها العيش,ومن حقها ان ترحل,حزنا على بيوت تهدمت,وزنك اصابه الصدأ,ونبتات لم تعد تظهر في الوجود,وقطعان من الخراف والماعز رحلت بغير رجعة.

ورغم تغير الاحوال بك يا قرية الاجداد,ستظل تويسيت شامخة وهي تحتضر,شامخة بمن بقي على ارضها الطيبة,وشامخة بمن غادرها مرغما,لانه يحمل بين ثنايا جوارحه حبا منقطع النظير,

اقول فيك ما قال احد الشعراء:

أحن الى بلدتي مهد طفولتي//وموئل اجدادي وخير صحابي

قضيت بها شطرا من العمر زاهيا//مع الاهل والخلان والاحباب

فكم لي بها من ذكريات جميلة//وكم لي بها من موقف جذاب

اذا ذكرت بلدتي زاد تشوقي//اليها لاهليها زاد عذابي