Home»Régional»سلام عليك يا تويسيت 18

سلام عليك يا تويسيت 18

2
Shares
PinterestGoogle+

كان نجاحي في امتحان نيل الشهادة الابتدائية,يحتم علي مغادرة قرية تويسيت باتجاه مدينة وجدة لاتابع دراستي باعدادية الجاحظ,وقد نزامنت هذه المغادرة لبلدة الاجداد مع رجوع والدي من الديار الالمانية بعد رحلة عمل هناك دامت ما يقارب السنة والنصف,وكان افراد العائلة يظنون انه سيشتري منزلا بمدينة وجدة لتمكيني من متابعة دروسي بين اخواني ومع والدتي,الا ان هذا الظن تبخر,لان والدي قد قرر ارسال والدته الى مناسك الحج,وبالفعل تم ذلك في فرحة عارمة,بين مروج وخمائل الدوار,وغمرت جدتي فرحة لا تضاهيها فرحة,لان ذاك مبتغى كل انسان مؤمن,اضافة الى انها لم تكن تحلم بالوصول الى تلك الديار المقدسة بفعل الفقر والحاجة.

ذهبت الحاجة,وبعد سفرها بايام غادر والدي دواره باتجاه المانيا,لان مدة الرخصة قد انتهت,واثناء عودتها لم تجد من كان سببا في حجها,ورغم ذلك وجدتنا في انتظارها,فذبحت الذبائح,وهيأت النسوة  الكسكس لاستقبال الضيوف والزوار,ومرت مراسيم الاستقبال والاحتفال بحج جدتي في افراح غامرة.

ذهبت الى مدينة وجدة,وقضيت موسما دراسيا ناجحا,رغم انني تذمرت كثيرا من معاملات من وكلهم والدي امري,واثناء عودتي عاد والدي ايضا من رحلته,فكان قراره هذه المرة شراء منزل بمدينة وجدة,ومغادرة جميع افراد الاسرة لقرية تويسيت للدخول في عالم اخر,عالم يختلف عن مروج وخمائل الدوار.

ذهبنا الى مدينة وجدة,ورافقتنا في هذه الرحلة جدتي وعمتي واصغر اعمامي,ولم تدم تلك العشرة الا شهورا,حتى قرر والدي ارجاع جدتي وابنتها الى الديار في دوارنا,نظرا لمشاكل عدة لا يخلو منها مجتمعنا المغربي.

وفي نهاية السبعينيات,دخلت عالم الوظيفة,واستفدت من تدريب بمركز تكوين المعلمين والمعلمات بحي بودير,ثم شددت الرحال الى جماعة بنيابة الناظور تسمى جماعة بويافر,لادرس هناك موسما دراسيا كاملا,ثم انتقلت في الموسم الموالي الى مدينة زايو,واثناء تواجدي هناك بمعية اسرتي الصغيرة,بلغني خبر انتقلت بعد سماعه على وجه السرعة باتجاه مدينة تويسيت,في دوار غيران الفيجل,هذا الخبر مفاده ان جدتي تحتضر,وصلت فوجدت الجدة تكابد سكرات الموت,تغيب تارة وتستفيق تارة اخرى,يحيط بها ابناؤها وبناتها وحفدتها,فكنت اسمع اعمامي ينادونها ,طالبين منها الرضا,ولكنني كنت اسمعها تئن وتطالب باحضار كبدها وقلبها,وكان احد اعمامي يسألها,من يا والدتي؟فتجيب بصوت خافت:لخضر لخضر لخضر ….

لم يكن لخضر هذا سوى اسم والدي,ورغبة من احد اعمامي لتخفيف نيران الشوق عنها قال لها ها هو ابنه بجانبك يا اماه,ولا زلت اذكر انها استطاعت الجلوس لما سمعت ذلك,وعانقتني بحرارة,وعينها دامعة,ثم فارقت الحياة رحمها الله.عاد والدي بعدموتها لما سنحت له الضروف,واستقبل قضاء الله وقدره بقلب مؤمن,وكنت اعلم ان نيران الشوق يدسها بين جوانحه,لانه كان يحب امه حبا لا استطيع التعبير عنه بالقلم او اللسان .

هنيئا لهذا الابن البار,فقد شهد له برضا والدته جميع اهل الدوار,وهم يسمعون نداءها وهي تصارع الموت,تبتغي رؤيته وتوديعه,لكن صروف الحياة كانت عكس ما ارادت.

ولعل خاتمته كانت من افضل الخواتيم التي يتمناها كل المؤمنين,فقد لقي ربه في الديار المقدسة,في اليوم الاخير من مناسك الحج,في سنة 1999 ,يحفه رضا والدته التي انفق في سبيل حجها ما جمعه في كهوف مناجم الفحم بالمانيا,ودعوات مجموعة من ابناء اخوته الايتام الذين رباهم في حضنه بين اولاده,ينفق عليهم من امواله,التي جناها من اعمال شاقة,في كهوف الفحم والمخاطر,دمرت جهازه التنفسي حسب شهادة سلمت لوالدتي من مستشفى الملك فيصل تثبت ان سبب الموت كان ضيقا في التنفس.

رحم الله جدتي.ورحم الله والدي,ورحم جميع اموات المسلمين.

انها ذكريات لا تنسى في جنبات تلك القرية الخالدة,قرية يسكن حبها في الافئدة,وفراقها مر لا يستطيعه من يحب هذه القرية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. كتابي محمد
    08/03/2017 at 16:57

    الاستاذ حيمري سلام عليك انت كذلك على هذه الروائع والحفريات الخالدة في الذاكرة عن منطقة تويسيت انها فعلا ذكريات جميلة مؤثرة نتابعها باهتمام بالغ لانها تذكرنا نحن ايضا بالماضي المجيد والزمن الجميل الطفولي الرائع الذي قضيناه ببلدة تالسينت والتي لاتختلف كثيرا عن تويسيت حتى في الاسم لك خالص التحيات من ربوع مدينة تازة الى لقاء قريب

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *