كانت الغبطة والفرحة تكبر في نفوس اطفال الدوار,كلما اقتربت العطل المدرسية,وخاصة تلك العطل التي يقارب عدد ايامها الخمسة عشر يوما,كنا نسميها انذاك بالعطلة الربيعية,لانها كانت في شهر مارس وهو شهر من شهور فصل الربيع,ولعل حبنا لهذه العطلة هو انها تاتي في ايام تتزين فيها مروج الدوار بالوان زاهية,الوان حمراء منتشرة هنا وهناك,وليست الا ازهار شقائق النعمان والوان بيضاء مصدرها نبتات الجرجير,كما تنتشر في تلك المروج نبتات التالمة والتافغة وغيرها من النبات الذي يزين اراضي الحرث,ولازلت اذكر ان كل طفل منا كان يجد بين الحشائش عشا به بيض لطيور القبرات,ولكنه يخفي مكان تواجده عن زملائه خوفا من سرقة بيضه او اتلافها,وكل واحد منا يتعهد هذا العش بالعناية الفائقة الى غاية تفريخ القبرة بيضها ليتملى بمنظر الفراخ وهي تفتح افواهها كلما احست باقتراب شخص منها لانها تظن انها القبرة صاحبة العش والتي تزق فراخها بما حملت لهم من طعام من جنبات جبل غيران الفيجل,او من غابة الصنوبر ذات الاشجار الوارفة.

 ولا زلت اذكر اننا كنا نتوجه الى سفح الجبل المتاخم,لغابة الصنوبر,لنظل هناك بحثا عن اعشاش طيور الحجل,وغالبا ما كنا نجد تلك الاعشاش تحت اشجار قصيرة ومنها اشجار الضرو والحلحال,وكم كانت الغبطة تزداد في نفوسنا كلما وجد احدنا عشا لهذه الطيور,لان بيضها يؤكل حيث يكبر بيض القبرات,ويقارب بيض الدجاج,كما ان العش ان وجد يكون به عدد كبير من البيض يصل في بعض الاحيان الى 15 بيضة.

كنا نتمنى ان تدوم هذه الايام,بين تلك المروج,بحث عن الاعشاش والنبتات,سباحة في كلتة سيدي لخضر,العاب شيقة في النهار والليل,ولازلت اذكر انني كنت ارافق والدتي باتجاه جدي منها,وكنت ارافقها مرغما,لانني كنت متعلقا بالصحاب والخلان,وهناك على مقربة من الدوار,كان بيت جدي,والذي لا تفصله عن الدوار سوى بضع كيلومترات لكنني كنت اتصورها وكانها الاف الكيلومترات لصغر سني,وبعدي عن ابناء الدوار,ولانني ساترك العابي وبحثي عن الاعشاش بمعيتهم.

كان بيت جدي يتموقع بين جبال صغيرة,جبل يسمى المرغادي,واخر يدعى جبل العابد,لان هذا الجبل كانت به مغارة يتواجد بها رجل يتنسك هناك,كان اهل الدوار يسمونه بالعابد,وقد انتقل الى جبل اخر متاخم لقرية تويسيت وهو جبل المحصر,ولا زال هذا الشخص هناك الى يومنا هذا.

ومن ذكرياتي وانا في بيت جدي انني كنت ارافق اصغر اخوالي,الى بحيرة تسمى كلتة العطاطيش,ويحكى انها سميت بهذا الاسم لانها ابتلعت حسب الروايات جملا على ظهره هودج لعروس,والجمل الذي يحمل العروس في هودج يسمى بلغة الدوار:العطوش.

ما اجمل ايام الصبا ,الحافلة بالذكريات التي لا تبلى ولا تنسى,ما اجمل قرية تويسيت التي تربى بين احضانها رجال ونساء,كانوا بالامس صغارا يبحثون عن اعشاش القبرات والحجل,ذكريات من الصعب نسيانها,