Home»International»خروق في سفينة المجتمع 30 ـ هجران القرآن

خروق في سفينة المجتمع 30 ـ هجران القرآن

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

خروق في سفينة المجتمع

30 ـ هجران القرآن

المفروض في سفينة المجتمع المسلم أن لا تخطو خطوة في جريها أو إبحارها  إلا على هدى من خريطة الإبحار الخاصة بها، وذلك بموجب العهد المفترض إبرامه مع الله جل جلاله الذي أنزل تلك الخريطة على أهل تلك السفينة الحساسة لكل الذبذبات، مكتوبا عليها بخط مضيء: » وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » )الأنعام: 153( فالعهد المبرم التزام عقدي وأخلاقي، يدخل الإخلال به ـ في أي جزئية من جزئياته ـ أصحابه في تناقضات صارخة، تتصاعد فداحتها بحسب اتساع  مساحة البنود التي ينالها الإخلال أو التنكر والانسلاخ، تحت أي دافع من الدوافع، أو ذريعة من الذرائع.

 وما خريطة سفينة المجتمع المسلم إلا القرآن الكريم الذي هو مأدبة الله التي تضمن الغذاء النافع والمتكامل لكل من أقبل عليها بصدق وإخلاص، وحسن أخذه منها، أو تعريضه لها، وفق القواعد والأصول، التي يرجع في تمثلها وفهمها إلى العلماء الراسخين في العلم، مع ملاحظة أن تلك المأدبة الربانية تبذل عطاءها وخيراتها لمجموع السفينة، باعتبارها كيانا متفردا يفترض فيه التلاحم الجسدي الذي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم خصائصه في حديث الجسد، وللأفراد باعتبارهم أفرادا يسأل كل واحد منهم يوم القيامة عن نفسه باعتباره فردا أولا، وباعتباره مسئولا عن مجرى السفينة ومصيرها ثانيا. ولا تزال السفينة تجري في خضم الحياة محفوفة بالبركة والأمان ما لزمت منهج السير وترسمت خريطة الإبحار، بحيث إن كل اهتزاز تتعرض له يكون ترجمة لخلل طارئ أو متغلغل في أجهزتها ودواليبها، يستلزم أمنها البحث الفوري في أسبابه الظاهرة والخفية، لمعالجته واستئصاله قبل التفاقم والاستفحال. وليس ذلك الخلل في تعبير من تعابير القرآن الكريم إلا اتخاذ كتاب الله مهجورا، والذي اشتكى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه شكوى تفيض بالرحمة، وبالحرص على الأمة من أن ينالها السوء والبوار جراء سقوطها فيه. يقول الله عز وجل: » وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا« .

إنه خرق رهيب هذا الذي اشتكى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه سبب كل ضعف وبوار، وكل تصدع وانهيار، فما ظنك بمن يلقي وراء ظهره بخارطة السير التي تحدد المسالك والمهالك في خضم البحار، ثم يمضي كالأعمى في الليل الدامس البهيم؟ إنه خرق تعاني منه السفينة التي تشكو من الآفات والأعطاب، التي تعرضها للتأرجح والجنوح، فلا تكاد عينك تقع على حال من أحوال الأمة في أي شأن من شؤونها، حتى تطالعك مناظر البؤس والكآبة، والتآكل والاندحار، بؤس في التربية والتعليم، وبؤس في الثقافة والإعلام، وبؤس في الاجتماع والاقتصاد، وبؤس في السياسة والتدبير، وبؤس في العلاقة بين الرجال والنساء، وبؤس على صعيد الأسر والعائلات، وهلم مآسي ونكبات، ومرد كل ذلك إلى هذا الهجران المريع، لمادة هي الروح لكل الأجسام، والبلسم لكل الجراح، وهي النور الهادي إلى بر الأمان ومرافئ النجاة.

إن هجران القرآن في حياة سفينة المجتمع يحولها إلى مشروع  » تيتانيك » مرشحة لأن تهوي إلى القاع، فتبتلع أهلها الحيتان، وتتفرق ألواحها في ظلمات البحر ومجاهل الصحراء.

إن أسئلة جدية وحاسمة ينبغي أن تطرح على صعيد سفينتنا المعطوبة والمتصدعة: ما حظ ركاب السفينة من تلاوة القرآن وتدبر آياته البينات آناء الليل وأطراف النهار؟ وما حظ من نكبوا بآفة الأمية المقيتة من الاستماع والإنصات إليه عبر القنوات والوسائط المتعددة؟ وما نسبة ذلك الحظ إلى حظهم من الاستماع إلى الأغاني المائعة التي تبلد الإحساس وتميت القلوب؟ وإلى ما يعرض من الأفلام الموبوءة التي تقتل الحياء، وتجهز على المروءة ، ثم على الأسر والبيوت؟

وما حظ أجيال « منظومتنا » التعليمية المنكوبة من كتاب الله حفظا وتدبرا، وتخلقا وتهذيبا؟ وما حظ الحركة الثقافية عندنا من روح القرآن وهدي القرآن، وقيم القرآن؟ وما حظ نظمنا الجنائية من ترسم حدود الله التي أمر بها في كتابه العزيز؟ لتكون سدا منيعا أمام التسيب والفوضى، وإطفاء لنيران الإجرام المستعرة التي تحصد الأرواح، وتحرق الأعراض، وتغتصب الفرحة من عيون الكبار والصغار؟

ولن تنتهي الأسئلة في هذا المقام حتى تأتي على كل ملمح من ملامح حياتنا التي تشكو الجدب والإمحال، فالهجران لكتاب الله يكاد يشمل كل قطاع، ومن ثم فلا غرابة أن نرى ـ والأسى يملأ قلوبنا ـ سفينة مجتمعنا تزداد إمعانا في الجنوح نحو الهاوية، بسبب ما يقترفه أصحابها من ذنوب وآثام، جراء افتقادهم لماء القرآن الذي يحيي النفوس، ويدرأ عنها الغفلة، ويزودها بصمام الأمان، وميزان الرؤية والسلوك.

إن رجعة صادقة وخالصة إلى كتاب الله العزيز، باتت ملحة أشد ما يكون الإلحاح، للشروع في عملية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من سفينة محفوفة بالأخطار، فلن تقوم لهذه السفينة قائمة، إلا باسترجاع بوصلة الاتجاه وخارطة الإبحار، للدخول في السلم كافة استجابة لأمر الله جلت قدرته: » « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ » صدق الله العظيم

                                   وجدة بتاريخ 6 ـ 04 ـ 2013

              

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. د. محمد دخيسي
    23/04/2013 at 10:57

    أهلا بأستاذنا عبد المجيد
    فعلا فسفينة المجتمع الإسلامي تسير القهقهر تنجو من عاصفة لتواجه أخرى وتنزل إلأى قعر الظلام، نتمنى من العلي القدير أن ينير قلوبنا ويهدينا إلى سبيل الرشاد

  2. عبد الحفيظ كورجيت
    23/04/2013 at 18:30

    بارك الله فيك .تناول مميز للموضوع

    اللهم قيّض لهذه الأمة من يرتق خروق سفينتها

  3. عبد المجيد بنمسعود
    24/04/2013 at 19:17

    آمين بارك الله فيكما الأخ محمد دخيسي، والأخ عبد الحفيظ كورجيت
    وكثر من أمثالكما ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *