Home»Correspondants»الصارم المسلول على شاتم الرسول

الصارم المسلول على شاتم الرسول

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.

« الصارم المسلول على شاتم الرسول »

بقلم : عبد المجيد بنمسعود

هذا العنوان هو لكتاب  كتبه شيخ الإسلام الإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله 661)  ـ 728 هجرية(، فيما يناهز 600 صفحة،    يحلل ويناقش فيه باستفاضة العالم المتبحر قضية من أخطر القضايا العقدية التي يتوقف على الحسم فيها موقف الجماعة المسلمة والأمة المسلمة من كل من ساقته شقوته ورعونته وحماقته إلى اقتراف جريمة سب الرسول صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه، وذلك صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو ركن ركين من أركان الدين، من كل أفاك أثيم وحاقد زنيم، وكافر لئيم، وقد جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالبراهين الشرعية القاطعة والحجج العقلية الدامغة التي تصب في وجوب أشد العقوبات في حق كل من سولت له نفسه الخبيثة التطاول على شخص الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مستعرضا في ذلك آراء أصحاب المذاهب، مقلبا لها على أوجهها، منتصرا للاتجاه القائل بوجوب قتل شاتم الرسول، حتى ولو جاء تائبا، وأسوق هنا مقطعا من الكتاب يتضمن بعض حيثيات ذلك الحكم القاطع: » وأما إن أقر بالسب ثم تاب أو جاء تائبا منه، فمذهب المالكية أن يقتل أيضا، لأنه حد من الحدود لا يسقط عندهم بالتوبة قبل القدرة ولا بعدها، ولهم في الزنديق إذا جاء تائبا قولان، لكن قال القاضي عياض: مسألته أقوى لا يتصور فيها الخلاف، لأنه حق يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأمته بسببه، لا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين، وكذلك يقول من يرى أنه يقتله حدا كما يقوله الجمهور، ويرى أن التوبة لا تسقط الحد بحال، كأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، وأما على المشهور في المذهبين ـ من أن التوبة قبل القدرة تسقط الحد ـ فقد ذكرنا أنما ذلك في حدود الله، فأما حدود الآدميين من القود وحد القذف فلا تسقط بالتوبة »)  ص:511 ط دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان 1398 ـ 1978(.

يكتسب هذا النص المضيء لأحد عمالقة علماء ومفكري الإسلام  ـ وكذلك الكتاب جملة وتفصيلا ـ راهنيته في هذا الزمان الذي تفوق فيه سهام السخرية والقذف والسوء، من أعداء الإسلام ضد مقدسات الإسلام ورموزه، ومن ضمنها رسول الله، خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، ويتم تبادل الأدوار في هذه اللعبة القذرة بين المنافقين المعروفين في لحن القول، والزنادقة الذين تحللوا من كل تقية، وعربدوا في ديار المسلمين بهرطقاتهم وبذاءاتهم، متلفعين بثياب الأدب والفن، وبين الكفرة الصريحي الكفر من اليهود والنصارى الذين تجاوزوا طورهم، ولم يقدروا على الحفاظ على أحقادهم وعداوتهم للإسلام والمسلمين طي ضمائرهم الخبيثة، وأبى أكثرهم شقاء إلا أن يعلنوا عنها بكل تبجح، وصلف وصفاقة.

ولقد عرفت حركة التطاول البغيضة على الإسلام من خلال امتهان مقدساته أشد مراحلها سعارا وتأججا بعد صاعقة الحادي عشر من شتنبر2001، التي هشمت أنف أمريكا وحطمت كبرياءها الزائف، والتي ألصقت بالمسلمين بحجج ظنية بعيدة عن اليقين، وهكذا عبرت هذه الحركة المقيتة  عن نفسها عبر محطات تعكس انحطاط الغرب بزعامة أمريكا التائهة بقوتها وجبروتها الذي صاغته بعرق المغفلين والمستضعفين من بلاد المسلمين وغيرهم، فمن رسوم مسيئة تولى كبرها علوج الدانمارك الأشقياء، إلى تهديد القس الأمريكي الملعون بإحراق المصحف الشريف، إلى الفيلم الدنيء المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، والذي تحالف على صياغة مادته الشيطانية عتاة النصارى واليهود، وأصروا على نشره تحت مظلة حرية التعبير التي وفرها لهم نظام الاستكبار العالمي المتمثل في أمريكا التي عبر كبيرها في غير ما مناسبة عن زعمه الكاذب لاحترام المسلمين. وعلى غرار ما أثارته الإساءات السابقة من غضب عارم من قبل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تحركت الجماهير المسلمة بكل قوة، وغلت دماء الغيرة في نفوسهم بكل عنفوان، تعبيرا عن النصرة والفداء، وصاحب فورة الغاضبين ما لم يكن منه مفر، في ظل سياقات سياسية تتمثل باختلال موازين القوى بين النظام العولمي المستأسد والمتغطرس، وشتات الأنظمة المتخاذلة الصاغرة والمستصغرة، وانحسرت الغضبة عن خسائر في صفوف المسلمين، نتيجة الاحتكاك بينهم وبين القوى المكلفة بحراسة الأمن في ديار العرب والمسلمين، ولا حرج في ذلك مادام دم المسلمين رخيصا وهينا في هذا الزمان البائس النكد، ولكن الحرج كل الحرج، والطامة كل الطامة، هي أن يسيل الدم الأمريكي، وأن تخترق أسوار السفارات الحصينة، ومعها الأعراف والقوانين الناصة على صيانة حرمة السفارات المتبادلة بين الدول، وهذا هو الذي وقع عندما قتل سفير الولايات المتحدة الأمريكية في بنغازي بليبيا هو وبعض موظفي الهيئة الديبلوماسية، فكان أن ثارت ثائرة « البيت الأبيض » وهاج وماج، وسير في الحال بوارجه الحربية المدججة بالمارينز نحو شواطئ ليبيا لتدارك الموقف وحماية رعاياه، فضلا عن إيفاد خبراء أمنيين للتحقيق في هوية من كانوا وراء العملية التي أودت بموظفي السفارة.

وإن المتأمل في المشهد بكل تفاصيله وحيثياته لا يسعه إلا أن يطرح الأسئلة المشروعة التالية:

ـ من الظالم المعتدي ومن المظلوم المعتدى عليه؟

لا شك أن المراقبين المنصفين من أهل العدالة والإنصاف، سيدمغون النظام الأمريكي بالظلم والعدوان، لأن الذي تولى كبر الإساءة للمسلمين بالإساءة لنبيهم الكريم لو لم يكن يشعر أن ظهره محمي بقانون حرية السب والقذف والشتم والسخرية والافتراء على كتاب الله ونبيه ومقدساته تحت لافتة حرية التعبير ما وجد في نفسه الجرأة على اقتراف ما اقترف، ومن ثم فإن هؤلاء المراقبين لا يترددون في تحميل الأمريكان مسؤولية القتلى والجرحى الذين سقطوا من الطرفين: المسلمين والأمريكان.

ومعنى ذلك إذن أن المظلوم المعتدى عليه هم المسلمون الذين تداس كرامتهم صباح مساء، ولا يقيم لهم الغرب، بزعامة الأمريكان، وزنا، بدافع الأحقاد الصهيونية والصليبية، وبسبب الاستضعاف، فهو لا يفتأ يبحث باستمرار عن أساليب الإذلال والإفقار لكيان المسلمين المادي والمعنوي، حتى لا تقوم له قائمة.

غير أن الحقيقة لا تقف عند هذا الحد، فهناك جهة أخرى توصم بالظلم والعدوان، وتتحمل مسؤولية هذه الإساءة البغيضة التي اقترفت في حق سيد المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إنهم حكام العرب والمسلمين وأنظمتهم الخائرة المتخاذلة التي تشهد الإساءة تلو الإساءة توجه إلى نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، ولا تحرك ساكنا للذود عنه ونصرته، وكأنه لا يقع من وجدانها أي موقع، وإنه لعمري لأمر مريع وموقف وضيع، يصيب المسلمين الأحرار بالألم والأسى، وبالغضب والغليان، في نفس الآن.

أمن المعقول أن يسالم الحكام العرب والمسلمون أمريكا التي تحتضن البغاة الذين يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن كونهاخربت وتخرب أوطان المسلمين،  لمجرد أنها تملك البوارج والطائرات؟

أليست هذه الإساءة البغيضة والإساءات التي سبقتها بكافية لأن تزيل الغشاوة عن نفوس الحكام العرب والمسلمين، فيصنعوا ربيعهم الخاص في وجه عتاة الإجرام الغربيين بزعامة أمريكا؟ ألا يخشون أن يسألهم الله عز وجل في الموقف العصيب: لم تخاذلتم عن نصرة الرسول، وبعتم آخرتكم بدنيا اليهود والنصارى؟ لم يكون الغرب أشد رهبة في قلوبكم من الله؟

ألا يستحق منكم رسول الله، لو كنتم تعلمون، أن تقفوا وقفة رجل واحد في جامعتكم المسماة عربية، أو منظمتكم المسماة منظمة المؤتمر الإسلامي، وتعلنوها قاصمة عاصمة: لا للأمريكان، لا للذل لا للهوان؟ ثم تنطلقوا في جمع الشمل ورص الصفوف، وإعداد القوة المادية والمعنوية التي تملكون كل مقوماتها في أرضكم المعطاء، وشريعتكم الغراء.

أيكون سفير أمريكا في ليبيا أو في غيرها أعز وأشرف عندها من رسول الله عندكم أيها العربان؟ إنها إذن لإحدى الكبر.

إنه لمشهد مريع أن يضع الحكام العرب أصابعهم في آذانهم ويستغشوا ثياب الغفلة والكبر والخذلان، ويصروا ويستكبروا استكبارا، هل يعقل أن تسيل دماء الغاضبين احتجاجا على الإساءة للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، تحت عصي الأنظمة المتخاذلة، في الوقت الذي تبرم فيه هذه الأخيرة مع من تطاولوا على مقام رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام صفقات دنيوية جوفاء، وتستشعر إزاءه شعور الود والولاء؟

إذا كان النص الذي أوردناه « من الصارم المسلول على شاتم الرسول » لشيخ الإسلام ابن تيمية يتضمن وجوب إيقاع العقوبة على شاتم الرسول حتى وإن تاب، فماذا نقول فيمن أمعن في الإساءة والإجرام في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يصرح بكل صفاقة بأنه غير نادم على فعلته الشنعاء؟

لماذا لا يطالب الحكام العرب والمسلمون حكام أمريكا بأن يسلموا لهم من أجرم في حق الأمة المسلمة جمعاء، لمقاضاته وإيقاع حكم الإسلام العادل عليه؟

 أم أن الأمريكان هم وحدهم من يملكون حق ملاحقة من يعتبرونهم مجرمين في حقهم، ومهددين لأمنهم القومي، ويخوضون لأجل ذلك لجج البحار، ويهدون رواسي الجبال، ويلتقطون مطلوبيهم من أوطانهم كما تلتقط النسور طرائدها على مرأى ومسمع من الأهل والأحباب؟

أليس سب الرسول عليه الصلاة والسلام والتطاول على مقامه الشريف أعظم جريمة ضد الإنسانية جمعاء؟

أليس من حق رسول الرحمة على الإنسانية أن تهب هبة رجل واحد في وجه العابثين والسفهاء؟

ألا تستحق أمريكا لقاء جرائمها أن تقاطع بكل صرامة،  بدل أن تعقد معها الاتفاقات الاستراتيجية التي تقوي شوكتها وتزيد من عمرها؟

أسئلة عديدة ومتناسلة، لن تجد جوابها الفعلي إلا عندما تستوي الأمة المسلمة على عودها باكتمال ربيعها الذي لن يتم إلا باعتصامها بحبل ربها، استجابة لأمره تعالى: » واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا »

لتعلموا أيها العرب أن خريف أمريكا قد حان أوانه، وأن سفينتها توشك أن تغرق الغرق الأخير، فلتفصلوا مصيركم عن سفينة لا محالة غارقة، ولتركبوا سفينة الإسلام، فإن العاقبة لسفينة الإسلام، وليكن نصب أعينكم قول الله تعالى: » وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّه « )الرعد31(وقوله تعالى: »فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: من الآية63).     السبت في 14 ـ 09 ـ 2012

                      

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.