رئيس الحكومة مخير أم مسير

الصدقي يوسف: باحت بمركز الدكتوراه

جامعة محمد الأول وجدة

استوقفني حوار السيد ابن كيران بقناة الجزيرة يوم لأربعاء 13 ماي 2015 في برنامج بلا حدود، وخامرت مخيلتي بعضا من نوستالجا حديث الرجل، وشتانا بين الماضي والحاضر، أتذكر خطب الرجل وهو مقطب الحاجبين متوعدا حد التهور واضعا شعبيته وشعبية حزبه في كفة وما يقدم عليه في كفة أخرى، واعدا العفاريت والتماسيح ان يخرجها من جحورها، متوعدا بالتنحي لو فرض عليه ما لا يحب ولا تطيقه مبادئه.

اليوم وقبيلة سنة على فراق السلطة، يجري حوارا بقناة الجزيرة اعتقد انه تعويضا للرجل عما فاته خلال جلسة المساءلة البرلمانية والتي انتهت بشكل كارتي، حوار ابن كيران حملة دعائية للإنجازات الحكومة، والغريب أن الرجل سقط في تناقض خطر وغير مفهوم: فهو من جهة يعدد إنجازات الحكومة وينسبها لحقبته وتدبير وزرائه، ومن جهة أخرى لم يتردد في الاعتراف انه ليس سوى موظف سامي تحت امرة جلالة الملك!

والحالة هذه، يجب أن نوضح ان ما قدمه من تبرير يهم الوثيقة الدستورية خال من الصحة فالدستور المغربي حدد صلاحيات كل من المؤسسة الملكية والسلطة التنظيمية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وعليه ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يمكن التهرب من المسائلة بدعوى أن السلط حسب زعم رئيس الحكومة بين يدي جلالته!

أكثر من هذا فالتصريح الحكومي الذي أصبح ركنا جوهريا في تنصيب الحكومة يحدد سياسة الحكومة خلال فترة حكمها وطريقة تدبير قطاعاتها وسياساتها المزمع اتباعها، وذلك بعد تعيينها من طرف جلالته:

فالفصل 88 في فقرته الأولى يشير لما يلي:

 » بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية ».

نفس الفصل88  في فقرته الثانية والثالثة يوضح أن الحكومة مسؤولة امام البرلمان ولا تنصب بدون ثقته:

« يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب.

تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي ».

السيد رئيس الحكومة تعمد خلط أوراق الوثيقة الدستورية من خلال قراءة خطيرة خصوصا عند سؤاله عن طبيعة الحكومة المغربية ومن يحكم بالفعل.

الجواب على هذا السؤال والذي لم يشر له السيد رئيس الحكومة هو في الفصل 92 من الدستور، والذي جاء واضحا حيت فرق الفصل بين السياسة العامة للملكة والتي يطلع بصلاحيتها مجلس الوزراء برئاسة جلالته، وبين السياسات العمومية والقطاعية ووضع مراسم القوانين والقوانين التنظيمية، التعينات في بعض المناصب السامية الفصل 91، حيث تناقش داخل مجلس الحكومة والذي يطلع السيد ابن كران برئاسته، أكثر من هذا فكل الوزراء بمختلف قطاعاتهم مسؤولون أمام رئيس الحكومة الفصل 93.

لقد جاءت الوثيقة الدستورية 2011 بصلاحيات واسعة لرئيس الحكومة للأسف لم يستعمل أغلبها، ولعل هذا بالضبط ما جعل المؤسسة الملكية صاحبة المبادرة في المواقف التي تحتاج جرأة وصرامة حقيقية، وحتى لا نبخس الرجل حقه، فالإجراءات العادية والسياسات العمومية والقطاعية مسألة قد تكون الحكومة قد توفقت فيها بشكل كبير، لكن فشل الحكومة يكمن في القضايا الكبرى والأحداث الفجائية التي تتطلب تحركا ذكيا وقراءة سريعة، فقد احتاجت الحكومة لأوامر ملكية للتحرك عوض المبادرة.

في الآونة الأخيرة تعددت خرجات السيد ابن كيران والتي تعيد أسطوانة انه مسير وليس بالمخير!  وإذا كان الحال كما يصرح به فمنطقي أن ما ينسبه لحكومته فهو مسير فيه، ويصبح السؤال ما دور رئيس الحكومة؟

الملك هو ملك الجميع وسلطته تحكيمية، وصلاحية المؤسسة الملكية محددة دستوريا حيث يعين الملك رئيس الحكومة وجرى العرف الدستوري أن يكون من الحزب الغالب، ولأول مرة يشارك رئيس الحكومة في تعيين الموظفين السامين، كما أنه لأول مرة ووفقا للفصل 93 يكون الوزراء مسؤولين مباشرة أمام رئيس الحكومة في إطار التضامن الحكومي.

هناك ورقتين تخرجهما خطب وحوارات السيد ابن كيران، ورقة الشعبية والصعود من صناديق الاقتراح، وورقت ان الحكومة هي حكومة جلالة الملك، أسف سيدي ابن كيران لم أجد عبارة واحدة في الوثيقة الدستورية تشير أن « الحكومة هي حكومة جلالة الملك »، لهذا وإلى حين كتابة العبارة فوحدها المسؤولية الحكومية ثابتة بعيدا عن التكتيكات السياسية.