Home»International»أزمة تنشئة النشء العربي الإسلامي بين أسر مفرطة وشوارع موبوء ة ومدارس عاجزة ووسائل إعلام فاسدة ومؤسسات دينية مهجورة

أزمة تنشئة النشء العربي الإسلامي بين أسر مفرطة وشوارع موبوء ة ومدارس عاجزة ووسائل إعلام فاسدة ومؤسسات دينية مهجورة

0
Shares
PinterestGoogle+

أزمة تنشئة النشء العربي الإسلامي بين أسر مفرطة وشوارع موبوء ة ومدارس عاجزة ووسائل إعلام فاسدة ومؤسسات دينية مهجورة

محمد شركي

من أدبيات التربية أن تنشئة النشء تضطلع بها مؤسسات مختلفة بدءا بأصغر مؤسسة وهي الأسرة ومرورا بمؤسسات مختلفة شغلها التربية الروحية كالمساجد أو شغلها التعليم والتأديب كالمدارس ، أو شغلها التثقيف كالمؤسسات الإعلامية وجمعيات المجتمع المدني ، وانتهاء بأكبر مؤسسة وهي المجتمع الذي تنصهر فيه كل هذه المؤسسات المسؤولة عن تنشئة النشء في كل مراحل عمره .ومن المعلوم أن معرفة فعالية عملية تنشئة النشء تكون من خلال المنتوج الذي هو النشء. ونحن عندما نتأمل هذا المنتوج نصاب بخيبة أمل كبرى بحيث يعكس هذا المنتوج درجة التنشئة الرديئة بكل صراحة وصدق مع الذات.

فالنشء كمادة خام يعرض على مختلف المؤسسات الساهرة على تنشئته وهو على الفطرة كما جاء في الحديث النبوي الشريف :  » كل ابن آدم يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه  » فالحديث تعرض للتنشئة على مستوى الأسرة من أجل التنبيه إلى الآثار السلبية لتنشئة الأسرة على فطرة النشء ، ذلك أن النشء يتخلى عن فطرته بسبب تنشئته الأسرية المنحرفة. وإذا ما انطلقنا من تنشئة الأسرة قبل غيرها من المؤسسات المسؤولة عن التنشئة لا بد أن نسجل أولا ملاحظاتنا حول مصداقية هذه المؤسسة من حيث دورها في صيانة فطرة النشء. فإذا كانت مؤسسة الأسرة متملصة كليا أو جزئيا من التدين ، أو تمارس التدين الشكلي الذي لا يتجاوز ممارسة الطقوس دون ربطها بالحياة الربط المطلوب شرعا ، أو تعيش انفصاما بين العبادات والمعاملات فأنى لها أن تصون فطرة النشء ؟ فواقع الحال أن الأسر عندنا غائبة أو شبه غائبة أو بتعبير آخر مفرطة في واجب التنشئة لأنها فاقدة لمؤهلات التنشئة من خلال رقة التدين المسجلة عليها بكل وضوح.ومجرد مقارنة بسيطة بين النشء كمنتوج للتنشئة الأسرية وبين المسؤولين عن هذه التنشئة نلاحظ فرقا شاسعا بينهما إن لم نقل هوة سحيقة تفصل بينهما شكلا ومضمونا إذ تبدو أشكال النشء في البلاد العربية والإسلامية مخالفة لأشكال الآباء من حيث الألبسة والزينة التي لا تخلو من دلالات . ففي الوقت الذي نلاحظ على العموم وبغض الطرف عن الحالات الاستثنائية الأشكال المحافظة للآباء نجد أشكال النشء متمردة على محافظة الآباء مما يعني وجود انفصام واضح بين النشء المنتوج و الآباء والأولياء أصحاب الإنتاج. ولما كانت الأشكال المتمثلة في الأزياء والزينة تعكس القناعات والمعتقدات فإن اختلافها بين الطرفين يعكس اختلاف القناعات والمعتقدات بينهما. ولا يمكن الجزم بسلامة دور الأسر عندنا في صيانة فطرة النشء مع ملاحظة الفرق بين الطرفين شكلا ومضمونا . فالنشء عندنا انسلخ جملة وتفصيلا من أشكال الآباء و الأولياء ، وهو انسلاخ صاحبه انسلاخ مماثل في المضامين . فالنشء عندنا تلقف الأشكال الغريبة عن ثقافته وتحديدا الثقافة الغربية عبر مؤسسات التنشئة الأخرى وخصوصا وسائل الإعلام فصارت أشكاله غربية تقابلها المضامين الغربية أيضا. وحدثت مفارقة غريبة وهي انصياع مؤسسة الأسرة لرغبات النشء في اختيار أشكال الهوية و مضامينها مما يعني تنازل هذه المؤسسة عن دور التنشئة المتمثل في صيانة فطرة النشء لصالح المؤسسة الإعلامية التي غيرت من شكل ومضمون المنتوج الذي صار غربيا بامتياز. ولا يمكن إلا أن نحكم على مؤسسة الأسرة بالغياب أو بالتفريط في القيام بواجب التنشئة على الوجه المطلوب. وأمام هذا الموقف السلبي تزداد سلبية مؤسسة الأسرة من خلال التباكي على فساد المنتوج ، والإنحاء باللائمة على مؤسسات التنشئة الأخرى وعلى رأسها المدرسة التي تقف عاجزة أمام منتوج فوق السيطرة والضبط خصوصا وأن هذا المنتوج ينصهر في بوتقة المدرسة انصهارا يكرس مع الأسف الشديد كل السلبيات المقتبسة عبر مؤسسات التنشئة الطاغية ، وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية الكاسحة حيث تنتقل التنشئة الموبوءة من المدرسة إلى الأسرة عن طريق فيروس التقليد الأعمى الذي يعتقد مع الأسف الشديد أنه ظاهرة صحية وأنه السلوك الصائب لمسايرة الركب الحضاري . فما يكاد النشء يحتك ببعضه البعض مع بداية كل موسم دراسي حتى يبدأ المنتوج في التغير السريع من حيث أشكاله ومضامينه . وتقف مؤسسة الأسرة ذاهلة أمام تغيير منتوجها في أحسن الحالات ، وفي أسوأ الحالات تصير مستسلمة للأمر الواقع ، ومسايرة لما يحصل في منتوجها من تغيير قسري . ولم تسجل حالات اتصال مؤسسة الأسرة بالمدرسة من أجل الاحتجاج على تغيير المنتوج بسبب فيروس التقليد الأعمى بل تسهم مؤسسة الأسرة في توفير وسائل تغيير المنتوج عن طريق التهالك على الاقتناء غير المضبوط لوسائل التنشئة الإعلامية تحت تأثير رغبات النشء. ومن المفارقات الغريبة أن تشتكي المدرسة بدورها من مؤسسة الأسرة ، وتنكر عليها الغياب أو شبه الغياب أو التفريط في دور التنشئة ، بل أكثر من ذلك ترى المدرسة أن غياب مؤسسة الأسرة أو تفريطها في دور التنشئة تسبب في الإجهاز على دور المدرسة في التنشئة . وتحول الجدل بين المؤسستين إلى جدل بيزنطي عقيم لا نهاية له بخصوص اللوم والعتاب وتراشق التهم حتى يتم الفصل في صراع الأسبقية بين الدجاجة وبيضتها أو يلج الجمل في سم الخياط كما يقال .

ومن المفارقات العجيبة أيضا أن تتفق مؤسسة الأسرة والمدرسة على تحميل الشارع مسؤولية انحراف تنشئة النشء. والحقيقة أن الشارع عبارة عن بوتقة أكبر من المدرسة ينصهر فيها النشء ولكن انصهارا يختلف عن انصهاره في المدرسة ذلك أن انصهار النشء في المدرسة هو انصهار أقران فيما بينتهم ،بينما انصاره في الشارع هو انصهار غير متكافىء بين النشء والراشدين. ويمكن اعتبار الشارع مجالا موبوءا بالنسبة للنشء حيث يصاب هذا النشء بسهولة بكل الانحرافات الاجتماعية نظرا لضعف مناعته الأخلاقية بعد تعثر التنشئة الأسرية الفردية ، والتنشئة المدرسية الجماعية.وهكذا يصير انتقال الآفات الأخلاقية السيئة عبر الشارع إلى النشء سهلا ،بحيث يسهم الراشدون المنحرفون في تسويق انحرافهم للنشء المؤهل بحكم غياب التنشئة الأسرية والمدرسية لتلقف كل أشكال الانحراف من المنحرفين الكبار الذين تلقفوا بدورهم هذا الانحراف من المؤسسات الإعلامية المسوقة للنماذج الغريبة السيئة وتحديدا الغربية. ولقد صارت مؤسسات الإعلام هي المصدر الوحيد لتنشئة نشئنا ، ولكن في اتجاه سلبي وخطير للغاية. ومع تطور وسائل الإعلام يزداد تأثيرها في نشئنا حيث ساهمت وسائل الإعلام الانفرادية التي تمكن النشء من الاختلاء بها وتحديدا الإعلام العنكبوتي في تنشئة سلبية خطيرة.ولقد زالت بعض شروط الرقابة التي كانت تطبق في أماكن التعاطي الإعلامي العمومية كما هو الحال بالنسبة قاعات السينما حيث كان قانون الرقابة يمنع تسويق بعض المنتوجات الإعلامية الضارة للنشء القاصر الغر، ولكن الشبكة العنكبوتية ضربت عرض الحائط كل قانون يصون التنشئة الفطرية للنشء حيث صار هذا النشء دون رقابة فيلج من المواقع ما يريد وما يتاح له بدون وازع ديني أو أخلاقي ، وهنا الطامة الكبرى حيث بنفرد الإعلام العنكبوتي بالتنشئة إلى جانب الفضائيات علما بأن المنتوج الإعلامي الغالب على الشبكة العنكبوتية والفضائيات هو منتوج النموذج الغربي السيء الذي لا يقيم وزنا للقيم والأخلاق مع سيادة ثقافة الاستهلاك والاستمتاع التي خلقتها الطفرة التكنولوجيا النوعية في عصرنا. وأمام هيمنة المؤسسات الإعلامية على تنشئة النشء بطريقة خاطئة نجد المؤسسة الدينية عندنا قد أقصيت من التنشئة إذ لا يرتادها النشء.

ويمكن للملاحظ أن يقوم بمقارنة بسيطة بين رواد المساجد يوميا ، وأسبوعيا خلال يوم الجمعة ليتحقق من أن النشء لا يرتاد المساجد إلا بنسب ضئيلة جدا مما يفوت الفرصة على التنشئة الدينية خصوصا من خلال خطب الجمعة ، وبهذا يتعطل دور المؤسسة الدينية في تنشئة النشء ، وهي مؤسسة صارت مهجورة خصوصا عندما تغيب شروط توفير الظروف المناسبة للتنشئة الدينية من خلال اتخاذ صبيحة الجمعة مثلا صبيحة دراسة إلى آخر دقيقة قبل انطلاق العبادة في بيوت الله مما يفوت الفرصة على النشء لحضور حصص التنشئة الدينية التي تهدف إلى إعادة النشء إلى فطرته قبل أن تفعل فيه مؤسسات التنشئة فعلتها إما بتفريطها أو غيابها التام أو الجزئي أو عجزها أو وبائها كما أشرنا من قبل . وأخيرا نقول إن وضعية منتوجنا أي نشئنا سيئة للغاية مما يعني عطل التنشئة على عدة مستويات وبالنسبة لمختلف مؤسسات تنشئة النشء ، ومما يعني ضرورة البحث عن سبل استرداد مصداقية التنشئة واستعادة عافيتها قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات بالفعل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *