Home»Correspondants»قراءة في كتاب  » أزمة الوعي الديني » – إسهاما في محاربة الفكر المتطرف لدى المتدينين – الحلقة الأولى

قراءة في كتاب  » أزمة الوعي الديني » – إسهاما في محاربة الفكر المتطرف لدى المتدينين – الحلقة الأولى

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
من الذين تأثروا بفكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله كثيرون، لأن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مدرسة  من أعظم مدارس القرن العشرين في الفقه الإسلامي المعاصر والاجتهاد العقلاني المتميز ، مدرسة تركت أثرها في عقل كل مفكر وعالم ومسلم واع بالواقع واع بالتنزيل، مدرسة تتقاطع مع التقليد والبلادة والقراءات السطحية الهجينة.
من هؤلاء المتأثرين بهذه المدرسة العريقة، نجد الأستاذ فهمي هويدي، هذا الصحفي والمفكر الإسلامي المتميز بفكره الحاد، وجرأته المعهودة، وغيرته على  ما يعانيه الخطاب الديني من هزال وضعف، ومن المتصدين للفرقة العربية الإسلامية وذلك بتدشينه لما اسماه بالحوار الإسلامي العلماني، والمناضل الشرس من مناضلي القضية الفلسطينية العادلة.
لقد نحا الأستاذ فهمي هويدي، في كتابيه أزمة الوعي الديني والتدين المنقوص، نفس الأسلوب والطرح الذي دأب عليه الشيخ محمد الغزالي صارخا محاضرا أو كاتبا معبئا ومؤطرا حتى يعود المسلمون إلى الفهم الصحيح للدين، وقد كتب، رحمه الله، أزيد من مائة كتاب تكاد كلها تكون تحذيرا وإنذارا من الانفلات عن الفهم السليم للدين وداعيا إلى العقل والتعقل ونبذ الغباء والتقليد، وهذا التوجه قد جلب عليه رحمه الله العديد من الأعداء الجاهلين من ذوي الفكر القاصر والنظرة الضيقة، كما جعله محطة هجوم كاسح من طرف الغلاة والتكفيريين في الوطن العربي.
إن كتاب أزمة الوعي الديني، بمجرد قراءته، يتمنى الإنسان أن يقرأه كل مسلم على وجه الأرض، نظرا لكونه يتقاطع مع العديد من الفهومات الخاطئة والسلوكات المشوهة التي نقوم بها باسم الدين والدين منها بريء، ولهذا ارتأينا وضع قراءة لهذا الكتاب طيا للمسافات، واختصارا على القراء فعمدنا إلى قراءته قراءة تحمل في متنها نوعا من التحليل لمظاهر التطرف والغلو في مجتمعاتنا العربية المسلمة، ومنها المغربية على الخصوص.
إن تصحيح المفاهيم المغلوطة، الذي هو ديدن هذا الكتاب، لا يترك خيارا لصاحبه من أن يبدأ التصحيح من أول باب، وهو باب  سماه « قلة العقل لا قلة الدين »، حيث يتحدث عن شاب مهندس طلق زوجته لأنها رفضت أن ترتضي الحجاب. فقال له كاتبنا: إن الأمر  أهون من أن يهدم بسببه بيت، وإن تشريد أسرة  أبغض إلى الله من سفور الزوجة، ومن جميل تعقيباته على هذا الفهم الناقص للدين  نجد قوله: فعلاج منقصة بمفسدة أكبر، أشبه بارتكاب جناية لتصحيح مخالفة، وهو منطق يوحي بأن القضية ليست في حجاب الرأس، ولكنها في حجاب العقل.
ويستطرد مؤكدا: إن هذا الشاب، وأكيد أمثاله كثيرون، بادي الصلاح والذكاء..حار العاطفة، لكن وعيه الديني  كان محدودا للغاية، كان قارئا ولم يكن فاهما، من تلاميذ أهل الرواية الذين قل حظهم من الدراية. أي إن مشكلته وأمثاله لم تكن في قلة الدين بل في قلة العقل.
إن هذا الشاب أنموذج من نماذج كثيرة صنعها قلة الفقه في الدين ، وقلة الفهم الصحيح له، قرؤوا الدين بالدموع فأجهشوا بالبكاء، ولا حظ للعقل في ذلك، فوقع الطلاق بين العلم والفقه وبين الحفظ والوعي.
يضيف صاحب الكتاب معلقا:  » فصاحبنا هذا، الذي طلق زوجته وشرد طفليه بسبب الحجاب، رغم أن الزوجة حسب قوله (محتشمة ومحافظة، وعلى خلق كريم)، يقف معه في الطابور خلق كثير من المتدينين، الذين حسنت نواياهم وساءت تصرفاتهم. فأخلصوا النية فيما أقدموا عليه، لكنهم لم يضعوا شيئا في موضعه الصحيح، ولا قدروه قدره الصحيح، بميزان الشرع أو ميزان العقل.
ومن هذا المثال الفردي في التردي في الفهم وعدم حسن استعمال العقل، يتحول الكاتب ، في سرعة البرق، إلى عملية ربط بينه وبين العديد من التنظيمات الإسلامية، على اعتبار أن هذا الفرد ما هو إلا طفل قد رضع من ثدي أمه (التنظيم)التي غذته بالعديد من المفاهيم والقيم، حتى غدت هذه الأم هي الأم الوحيدة الطاهرة النقية في كل أنحاء العالم، وما دونها من أمهات ما هن إلا مومسات ساقطات جاهلات لا يعرفن شيئا عن الدين ولا عن تعاليمه ومبادئه وقيمه، ومن تداعيات هذا الفهم التفسيخي الإقصائي التعصبي الشوفيني ابتليت الأمة بأناس، باسم الدين، يستخدمون الخناجر والمعاول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبدون كما يقول السيد هويدي استعدادا للاستشهاد في سبيل منع حفل غنائي، أو تحطيم صندوق بيرة، أو يقطعون أرحامهم لما يتصورونه غضبا لله، وأمثال هذه التصرفات كثيرة يكاد يخطئها العد، وكلها راجعة لسبب واحد هو الدين بدون فهم والتدين بدون فقه.
وحتى لا نقع ضحايا التطرف العلماني في التعامل مع مثل هؤلاء، وحتى لا نسقط في تطرف مقابل تطرف مضاد ونأتي على إحراق البلاد وإدخالها في مطبة الصراعات التي لا تنتهي إلا بكوارث، نرى أن الأمر يحتاج أولا وقبل كل شيء إلى تفعيل القانون مع كل مخالف له أو مسيء للناس ومتسلط عليهم، كما يحتاج إلى تفعيل البرامج الدينية ودور المساجد والمؤسسات الدينية والمدنية وتوجيه القنوات التلفزية لتلعب دورها في التعبئة الدينية وتصحيح المفاهيم المغلوطة عوض أن تتجه هي الأخرى إلى شحذ السكين لذبح كل اعتدال ووسطية وفهم صحيح للدين، إن البرامج والدروس الدينية والفتاوى والحلقات الدراسية واللقاءات الحوارية التي يطلع عليها المواطن المغربي في قنوات أجنبية تكفيرية متطرفة ليعد من أخطر معاول الهدم للفكر الوسطي والاعتدال والفهم الصحيح للدين، ولا انفكاك من هذا السيل العرم من الأفكار المتطرفة الدخيلة إلا إذا كانت لدينا قنوات قوية في مقدورها أن تلبي حاجيات المواطن المغربي، وأن تحترف الصناعة الفنية في كل شيء باحترافية عالية، وتصنع برامج جادة قوية تحظى بكامل العناية والاحترام وبالتالي بأكثر نسبة من المشاهدة بل وتكون حديث العوام في الساحات، أو على الأقل إذا لم نستطع أن نوجد قنوات بهكذا مواصفات، على القنوات الحالية أن تكف عن تغذية التطرف والحقد والكراهية ونشر كل ما يمس الدين والشعائر الدينية أو ما يقوم بتحريفه وتقديمه في أشكال كاريكاتورية هزلية وممسوخة، وهي أفعال تصنع معادين للدين وللوطن وتعطي فرصا ثمينة للهروب من كل منتوج محلي والترحال إلى قنوات الخزي والعار التي تنفق ملايير الدولارات فقط من أجل شحن أذهان الناس بفكر إرهابي تكفيري يستهدف تشويه صورة الإنسان المسلم الذي هو رحمة للعالمين، ولم يكن في يوم من الأيام لا عذابا ولا سيفا مسلطا على رقاب الناس.
يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *