كوفيد 19 بين الفيروس السياسي والفيروس الحقيقي
في ظل معاناة العالم من جائحة كورونا المستجد و الجهود المبذولة لإنقاذ الارواح البشرية من موت محقق بتجنيد الاطر الطبية والسلطات العمومية لاتخاذ الاجراءات المستوجبة , تستعر حربا كلامية اعلامية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين بشان الفيروس كوفيد 19 , فالأولى تتهم الثانية بالتسبب في انتشار الفيروس عبر العالم , والثانية تنفي ذلك وتوجه تهمة الاستغلال السياسي لواشنطن لإبعاد الانظار عن تقصيرها في محاصرة الداء والتقليل من خطورته في البداية رغم التحذيرات المتتالية لمنظمة الصحة العالمية .
هجوم امريكي على الصين
كاتب الدولة في الخارجية الامريكية مارك بومبيو والذي سبق له ان شغل منصب المدير العام لوكالة الاستخبارات ببلاده صرح بما يلي » لدينا ادلة « غير يقينية » بتسرب كورونا من مختبر ووهان « .
كما صرح بان للصين تاريخا في نقل العدوى الى العالم وتشغيل مختبرات غير مستوفية المعايير , مطالبا اياها بالسماح للمفتشين بالدخول الى مختبراتها الحساسة , ويذكرنا هذا بما حصل مع العراق في عهد صدام حسين والتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل التي لم يتم الوصول اليها ومع ذلك تم غزو بلاد الرافدين وما تبع ذلك من خراب ودمار لا زالت اثاره بادية للعيان .
الرئيس الامريكي دونالد ترمب – صاحب مصطلح الفيروس الصيني -صرح في ندوة صحفية بأنه ينوي فرض عقوبات جمركية على بكين بعد اطلاعه على ادلة ضدها في موضوع الفيروس المستجد حسب ادعائه ,ولم يفصح عن المزيد من التوضيحات في هذا الشأن , كما وجه اصابع الاتهام لمنظمة الصحة العالمية بكونها اعطته توصيات خاطئة , فرغم ان تمويلها في معظمه ات من الولايات المتحدة الامريكية إلا أن تركيزها منصب على الصين حسب زعمه .
الصين تنهج اسلوبا دفاعيا
لم تتأخر الصين في الرد على الهجوم الامريكي فبالنسبة لها بومبيو ينفث السموم وينشر الاكاذيب , وان الاولوية بالنسبة لها هي التركيز على مكافحة الوباء حتى الانتصار عليه نهائيا , وأي معركة خارجة عن هذا السياق ما هي إلا محاولات لإخفاء الشمس بالغربال , وقد صرح السفير الصيني لدى هيئة الامم المتحدة بأنه » لا يمكن لنا ان نسمح بتفشي هذا الفيروس السياسي بحرية في وقت يجب ان تتركز فيه كل الجهود على محاربة الفيروس الحقيقي » .
فالفيروس مستمر في حصد الارواح والفتك بالعباد ويقول هل من مزيد , وكمثال على حجم الضرر بالولايات المتحدة الامريكية وحدها , رغم ان رئيسها صرح يومه بأنه يأمل ان يكون عدد ضحايا كورونا ببلاده اقل من 100 الف , بينما أحصيت يوم الخميس 07/05/2020 مساءا 2400 وفاة خلال 24 ساعة ليبلغ المجموع 75500 ( احصاء رسمي ) , وحسب جامعة جونز هوبكنز مجموع الوفيات هو 75543 , فالوضعية كارثية بكل المقاييس . اذا اضفنا لذلك اعداد الوفيات والمصابين عبر العالم والتي تختلف من بلد لأخر حسب الامكانيات والتدابير الاستباقية المتخذة , و توفير البنيات الصحية والاستشفائية في ظروف قياسية , وتوفير المعدات من معقمات وكمامات وأدوية كما هو جار في المغرب الذي اصبح مضرب الامثال ببلدان من الدول المتقدمة , فبعد تحقيقه الاكتفاء الذاتي من الكمامات هاهو يصدرها شرقا وغربا .
دخول المخابرات على الخط
أفاد تقرير للمخابرات الالمانية – حسب مجلة دير شبيغل – بان هناك ظلالا من الشك على المزاعم الامريكية بكون كوفيد 19 نشأ في مختبر صيني , وبان هذه الاتهامات هي مجرد محاولة لتحويل الانتباه عن اخفاق واشنطن في السيطرة على المرض .
فالتقرير الالماني الذي اعد بإشراف من وزارة الدفاع للبلد نفسه يخلص الى ان المزاعم الامريكية هي محاولة للتغطية على اخفاقات الرئيس ترمب .
وطلبت المخابرات الالمانية من تحالف المختبرات (العيون الخمس) الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية ويضم الى جانبها كل من .. بريطانيا , كندا , استراليا ونيوزلندا , تقديم ادلة تنهض حجة وتدعم الاتهام الامريكي .
وقد سبق هذا التقرير تقريرا اخر لوكالة المخابرات الامريكية ملخصه انها لم تتمكن حتى الان من اثبات ما اذا كان الوباء نتيجة حادث مختبر ووهان .
كما صرح أنطونيو فاوتشي , كبير اطباء البيت الابيض الامريكي بان الفيروس تطور في الطبيعة قبل ان ينتقل الى البشر .
اذن لحد الان لم يثبت علميا ولا استخباراتيا بان فيروس كورونا المستجد خرج من مختبرات الصين , والى ان يثبت العكس تبقى الحرب الكلامية مستمرة وتزيد نارها اشتعالا بتصريحات مصلحية متضاربة ومتناقضة لحكومات وهيئات , يستغلها كل حسب هواه ومآربه ,في ظرفية حساسة كهاته , كاقتراح اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي إطلاق اسم الطبيب الصيني الذي عوقب في بلاده لأنه اول من اطلق انذارا عن خطر انتشار الفيروس المسبب لمرض كوفيد 19 , على الشارع الذي تقع به السفارة الصينية بواشنطن ليصبح » شارع لي ونليانغ » الذي توفي في شهر فبراير 2020 , وذلك من باب اسمعي وإياك اعني يا جارة وان كانت غير مجاورة لها في القارة .
خلاصة ..
بين السياسة والحقيقة يبقى كوفيد 19 مستعصيا عن العلاج في الوقت الراهن , والى ان تتم السيطرة عليه ولو بشكل نسبي لان من العلماء من يرى بان مداه سيطول والتعايش معه هو الحل الانسب على غرار باقي الفيروسات المعروفة , واللقاح قد يصبح متاحا في القادم من الايام او الشهور اذا تكاثفت الجهود ودخل المعركة جنود الخفاء من اطباء وعلماء بالمختبرات واضعين نصب اعينهم مصلحة البشرية قبل كل شيء .
الوقت لا مكان فيه لتبادل الاتهامات بل الأمر يقتضي تضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن انقاذه , وكل سجال بعيد عن ايجاد الدواء لهذا الوباء من خلال الدراسات والأبحاث , هو سجال عقيم لا خير يرجى منه .
فالتكافل شيء واجب والاستعداد لمعركة ما بعد كورونا يتطلب النفس الطويل والتخطيط يبدأ الان , فالقطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدماتية المتضررة تتطلب اعادة الاقلاع بمحركات جديدة تضمن لها النجاعة لتعويض ما فات , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
Aucun commentaire