Home»International»الحكومة الملتحية : أية علاقة مع الحراك الشعبي ، وأي تدبير للمرحلة

الحكومة الملتحية : أية علاقة مع الحراك الشعبي ، وأي تدبير للمرحلة

0
Shares
PinterestGoogle+

       تضخيم الخطاب حول الحكومة منذ  نشأتها له أهدافه

 
أحيانا نستعمل مفاهيم ومصطلحات وتعابير أصبحت متداولة ، دون أن نخضعها للعقل ودون أن نعي سياق وأهداف تمريرها ، خاصة وأن النظام السياسي المغربي  بنخبه وفاعليه بارع في إنتاج المفاهيم السياسية وتحويلها إلى صيغ سريعة التداول (1)، وقد نساهم بهذا في إنتاج وإعادة إنتاج أخطاء تترسخ وتتجذر كما يراد لها  ، لسلاستها الشكلية الخادعة  ، ونزعتها التبسيطية التي تجنبنا لكسلنا ، أعباء إخضاعها لسلطة العقل ونزعته العلمية والنقدية ،أو فقط لأننا ننساق نحو الرأي السائد ونخشى التميز والانفراد بالرأي.

ويتداول الآن ، ما روجت له بعض الآراء ووسائل الإعلام من أن الحكومة الملتحية  جاء بها الربيع العربي ، أو أن  الفضل في ظهورها يعود  لحركة 20 فبراير .
قد يفهم البعض في بلادنا أو الغرباء عنها ، عن خطإ ، من هذا التضخيم المقصود  ، أن هذه الحكومة  ستحدث ثورة أو انقلابا على الأوضاع القائمة ، وستغير مجرى التاريخ ومعه حياتنا  ، وقد يفهم من هذا أن  الحزب الذي يترأسها هو حزب ليس كغيره من الأحزاب المغربية ،وموجة الربيع العربي ، والحراك الجماهيري وضمنه حركة 20 فبراير هي التي فرضته  فرضا هو بالذات على النظام ، أوكأنه هو القادر على تفكيك البنيات المخزنية  وتحقيق التغيير المنشود.
ودفع هذا الرأي المغلوط الحكومة الملتحية  في شخص بعض عناصرها، في بداية مشوارها ،  إلى الزهو وجر ذيلها كالطاووس وهي  تمشي مشية الخيلاء، و الواقع أنها جاءت في إطار التناوب على الأدوار خاصة وأن المخزن برع لحد الآن  في التحديد ، بهذا القدر أو ذاك  ، لترتيبات  وأولويات وأدوار وأدوات كل مرحلة تمر منها البلاد ، واستغلها لصالحه .
لإعطاء قيمة لراتبه الشهري الهزيل ، كما تروي نكتة مغربية  ، أجاب أحد الأشخاص  ، أن  راتبه إذا أضيف  لراتب  وزير يصبح  ستة ملايين . بنفس المعنى ، يوحي إقحام الربيع العربي والحراك الشعبي وحركة 20 فبراير في ظهور هذه الحكومة أيضا،  بكون النظام المغربي ، قدم تنازلات جبارة  أوصلت حزب العدالة والتنمية  (الإسلامي ، المعارض الشرس) بالذات إلى دفة المسؤولية ، وقيادة  الحكومة  ،أو يظهر هذا الحزب وكأنه كان راضيا على الحراك الشعبي وكان في صلبه   ،وانبثقت هذه الحكومة من إرادته (الحراك الشعبي) .

   وصول الحزب إلى الحكم جاء عبر مسار سلكه وأبان خلاله عن قابليته  للتكيف ، والاندماج في اللعبة السياسية

لا أنوي هنا النبش في التاريخ والمرجعية المتحكمة في مسارحزب العدالة والتنمية ، ولا في ممارساته عبر تاريخه على أهميتها، ولا في نواياه بعد التمكن  من السلطة بشكل يعزز مكانته أكثر ، إذا تحقق له ذلك ، ولكني أتطرق لتدبيره العملي لمرحلة دخوله معترك اللعبة السياسية  وما قدمه من تنازلات مقابل ذلك  ، لمعرفة مدى جرأته واستقلاليته في اتخاذ القرارات، وقدرته من عدمها على النهوض بمهام التغيير .
في الواقع  حزب العدالة والتنمية ومند فترة طويلة قدم التنازلات تلو الأخرى من أجل التكيف والاندماج والضفر  برضى  المخزن ، للدخول إلى اللعبة السياسية ،  والوصول إلى المؤسسات والحكم  ، وبنى تحليلاته على ثوابت لاتجعله في تناقض كبير مع  المخزن ،  وكانت أحداث 16 ماي فرصة لمجموعة من التيارات للتركيز عليه ، بل يوجد ضمن القيادات الحزبية من دعى إلى حله  ، إلا أنه بادر يوم 17 ماي بإصدار بيان  ليبين حسن نيته وعدم جنوحه نحو العنف ، وكونه حزبا سياسيا عاديا . وفي  الولاية التشريعية 1997 ـ 2002  وصل الحد ببعض ممثليه في البرلمان  لإظهار مرونتهم  وانفتاحهم  إلى تأييد حكومة اليوسفي  . و لم يعد يلقي اللوم في عدم تطبيق الشريعة الإسلامية على النظام ، كما كان يفعل في السابق ، بل على الأحزاب السياسية (2). واضطر الحزب ،على خلاف ما حدث في الانتخابات التشريعية  ، ليظهر قابليته للتكيف مع قواعد اللعبة السياسية  ، إلى  تقليص مشاركته في الانتخابات  وجعلها في حدود 60% من الدوائر المتنافس عليها ، وعاد في النهاية  ليقلص هذه النسبة إلى  19 %  عند اقتراب موعد  إيداع الترشيحات مما فسره البعض بالتدبدب والتردد ، والضبابية في المواقف .
ولا ننسى أيضا قبوله استقالة أحمد الريسوني سنة 2003 ، من حركة التوحيد والإصلاح ، على خلفية ما صرح به بخصوص إمارة المومنين ، عندما غضبت وزارة الداخلية  واستدعت  الأمين العام للحزب وطالبته بتصحيح الموقف ونفذ رغبتها وأعلن الريسوني  أن موقفه شخصي لا يلزم الحركة .

و قبل أيضا استقالة السيد مصطفي الرميد من  رئاسة  الفريق النيابي لحزب العدالة  التي قدمها لرئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي ،   رغم أنه انتخب للمرة الثانية وبشكل ديمقراطي  وبمصادقة الأمانة العامة ، ارضاء لوزارة الداخلية أيضا  .
وصوت على قانون الإرهاب سنة 2004 بعد اعتراضه عليه في البداية ، وصوت أيضا على مدونة الأسرة بعد محاربة مشروعها .

هذا بالإضافة إلى التهليل والتطبيل للدستور الأخير…..
خارجيا  قام  بعض مسؤولي الحزب بزيارة أمريكا خاصة، من بينهم  أمينه العام السابق الأستاذ العثماني ، ودول أخرى ليظهروا مرونته وحسن نيته وقابليته للتكيف والتعايش .

وغير هذه التنازلات كثيرة ، مما يجعل وصوله  في إطار التناوب على الأدوار وبشروط المخزن أمرا عاديا ، لا يعترض عليه .

ويقول الصحافي والكاتب رشيد شريت   » أنه في الوقت الذي سمح فيه لحزب العدالة والتنمية بالفوز كان القصر يوسع من دائرة مستشاريه الذي وصل عددهم إلى إحدى عشر مستشارا وعلى رأسهم فؤاد علي الهمة « ، مما يؤكد أن فوز العدالة والتنمية كان عاديا ، ويكشف عن وجود حكومة ظل مقابل الحكومة الملتحية  تحقق التوازن أو تخل به حسب الأحوال .
هذا بالإضافة إلى أن المخزن كان مطمئنا ويعي جيدا دور صمام الأمان الذي يلعبه التقطيع الانتخابي  ، و التعددية الحزبية ، التي لا تتناسب مع التعددية السياسية ،بحيث تحول المشهد السياسي إلى شبه فسيفساء يمكنه من تحويل الأغلبية إلى هذا الاتجاه أو ذاك  ، وتجهض إمكانية فوز أي حزب بأغلبية مريحة ، وتسهل الإطاحة بالحكومة .
وإذا كانت هناك من إجراءات  هامة قدمت نتيجة الحراك الشعبي وحركة 20 فبراير فهي خطاب 9 مارس ، ودستور 2011 هذا الأخير الذي لا دخل لحزب العدالة والتنمية فيه سوى تأييده له  ، وإبدائه كعادته لبعض الملاحظات الأخلاقية بخصوصه ليس إلا ، حتى صرح بعض المفكرين أن الهم الدستوري لا يدخل ضمن اهتمامات هذا الحزب .
هذا الدستور الذي اعتبر كغيره من الدساتير ، وجاء للالتفاف على مطالب حركة 20 فبراير

     من التفاؤل الحذر إلى التعبير عن اليأس

وصل حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ،إلى عنق الزجاجة ، ولم تحصد الحكومة التي يترأسها   لحد الآن،  وبشهادة أحزاب مشاركة فيها  سوى غضب الجماهير الكادحة من الغلاء الفاحش للمعيشة ، وتفشي البطالة ،وتدني الخدمات الطبية واستمرار أزمة التعليم والسكن والقضاء .
وتراجع الحريات العامة وحقوق الإنسان من خلال مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقمع الوحشي والاعتقالات التعسفية ، والمحاكمات الصورية ، وتزوير  المحاضر .ويتم تسديد فاتورة الأزمة الاقتصادية على حساب الجماهير الفقيرة والطبقة الكادحة .
.
والأغرب في المشهد السياسي الحالي هو أن أطراف اللعبة السياسية الواضحة والخفية  ، تضع أحيانا سرها في أضعف خلقها ، كما وضعته مؤخرا في الأمين العام  لحزب الاستقلال : الحزب العتيق الذي له  دور فيما وصلت إليه البلاد، وشارك في جل حكوماتها، ليخلق الحدث ، ويعهد له بتدبير سياسة حزبه  في دهاليز الحكومة .ويساهم بخرجاته  في تحويل الأنظار عما يقع في بلادنا ، ويزيد في تيه  وزراء العدالة والتنمية الذين خصصوا له حيزا هاما من اهتمامهم و نقدهم اللاذع .

ألم يصل بعد حزب العدالة والتنمية الذي يدعي الإصلاح من الداخل ، إلى ما فطنت إليه بعض الأحزاب مند فجر (الاستقلال) ، وهو أنه في ظل سيادة الاستبداد  والفساد ، وغياب الديمقراطية الحقيقية في شموليتها وبجميع مقوماتها  ،وتغييب إرادة الشعب ، لا يتم  التغيير إلا في الحدود الدنيا التي تسمح  بها البنيات المخزنية  العتيقة والحديثة   ، ومتى شاء المخزن  بحواشيه  المستفيدة من الوضع القائم  توريط حزب مع الجماهير،  حتى وإن توافق معه وواجه الحراك الشعبي  ، لا يعدم وسيلة لذلك  ؟؟  ، وهذا ما تكرر مع مجموعة من الأحزاب التي تعاقبت على الحكومات ودخلت اللعبة  بشروطه   ،  حتى أصبح المشهد الحزبي والسياسي على ما هو عليه ، وجاء اليوم دور العدالة والتنمية .  .

بدأت عيوب التعاقد  بين حزب العدالة والتنمية  والمخزن تظهر ،ولم تسمح له شبكات هذا الأخير الاقتصادية والسياسية ، رغم التنازلات  التي قدمها  بالقيام  ولو  بحد أدنى  ضروري من الإصلاحات،  كما كان يرغب ، لتلميع صورته مع الجماهير  ، إلى درجة أن بعض الوزراء في  تصريحاتهم يقرون تحت ضغط الواقع ومطالب الشارع ، بالوضع الحرج والغير مريح الذي تعيشه الحكومة ومعها حزبهم  ، ويعبرون ضمنيا عن العجز عن تحقيق و قيادة  التغيير  .
فالوزير أفتاتي على سبيل المثال أشار إلى المضايقات  التي تتعرض لها الحكومة  ، ولمح في سياق الحديث ، وتبريرا للعجز   ،إلى تشابه  ما يتعرض له عبد الاله  بنكيران ، و المؤامرة التي تعرض لها رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم  في ماي 1960 مما زج بالمغرب في متاهات لعدة سنوات حسب قوله ، والعراقيل والألغام التي زرعت  في طريق حكومة اليوسفي . (3)
واعترف مصطفى الخلفي وزير الاتصال ، بأن مقاومة  واعتراض الإصلاحات التي تنهجها الحكومة برئاسة الوزير الأول عبد الاله بنكيران ، قوية جدا، وسببها تغليب المصالح الشخصية على الصالح العام  ، ووصف السياسيين بالفلول والانقلابيين (4)

واعتبر نبيل الشيحي الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية  في تبرير لعجز الحكومة أن المنطق السائد هو منطق  (التهراس ) نظرا لغياب أحزاب حقيقية تتنافس بالمنهجية الديمقراطية (5)
وهدد رئيس الحكومة في موقف لا يليق بمهمته ، في العديد من المناسبات بالعودة إلى الشارع خاصة أن حركة 20 فبراير لم تخمد نارها تحت الرماد  لحد الآن حسب قوله .
هل تكشف تصريحات وزراء العدالة والتنمية النارية والممزوجة باليأس والعصبية ، ومواقفهم التبريرية  في الآونة الأخيرة ، عن عدم استعدادهم أصلا لمواجهة تحديات المرحلة  وضعف تجربتهم وجرأتهم ، كما يفسر ذالك الكاتب والصحفي رشيد شريت  ، الذي يضيف أيضا أن هذا الحزب يتصف بضبابية التصور السياسي ، ولا يوجد لذيه مشكل دستوري ، ولا أي تناقض مع المخزن ، ويركن إلى ثقافة الأمر الواقع،  وينعت  مشاركته السياسية وسقفها بالتنشيط السياسي فقط أي أنها لا ترقى إلى التغيير المطلوب  (6) ؟؟
ومما لاشك فيه أن هذه الحكومة هي الأسوأ في الحكومات التي عرفتها البلاد ، ولم تعرف طريقها لحد الآن نحو تحقيق ولو الحد الأدنى من  انتظارات الشارع الذي تحصد سخطه يوما بعد يوم .

المراجع :
1 ـ .مجلة وجهة نظر العدد 23  خريف 2004 الصفحة 13 نص لعبد الرحيم المنار اسليمي  بعنوان  » متاهات الانتقال في المجتمع السياسي. » تجربة التناوب في المغرب.

2 ـ  عبد الحكيم أبو اللوز،  وهو باحث سياسي في نص له بعنوان  » حزب العدالة والتنمية وآليات الرقابة الذاتية  » .المرجع السابق.

3 ـ فيديو نشر على اليوتوب للقاء تواصلي نظمته الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بآسفي
4 ـ جريدة االأخبار العدد 194 ليوم الثلاثاء 2 يوليوز 2013 الصفحة 4

5ـ المرجع السابق بنفس الصفحة .
6ـ  مقال عن  حزب العدالة والتنمية  للصحفي والكاتب المغربي رشيد شريت تحت عنوان « بين الضبابية في التدبير والديماغوجية في التبرير »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *