Home»Correspondants»مشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية .. تكريس لسلطة عمال الداخلية وإضعاف لسلطة المجالس الجماعية

مشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية .. تكريس لسلطة عمال الداخلية وإضعاف لسلطة المجالس الجماعية

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم : ذعبد الإله وهاب / النائب الأول لرئيس بلدية أحفير

من خلال قراءة متأنية لمشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية أو ما يصطلح عليه مشروع الميثاق الجماعي الجديد ، سنكتشف للوهلة الأولى أن هذا المشروع هو تقريبا نسخة طبق الأصل لمشروع القانون التنظيمي للجهة ، والفارق بينها هو التسمية فقط .
عموما ، هذا المشروع جاء بمقتضيات عملية هامة تستهدف تكريس مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشان المحلي ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، وإرساء آليات تشاركية للتشاور والحوار …
و تتجلى هاته المقتضيات على الخصوص فيما يلي :
أولا ،  انعقاد جلسة انتخاب رئيس مجلس الجماعة في جلسة مخصصة لهذه الغاية خلال الخمسة عشرة يوما الموالية لانتخاب المجلس ، مع وجوب إيداع الترشيحات لرئاسة المجلس لدى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه خمسة أيام على الأقل قبل تاريخ الاقتراع ، وكذلك انتخاب نواب الرئيس الذي يتم عن طريق اللائحة خلال الخمسة عشر يوما الموالية لانتخاب الرئيس ،
ثانيا ، إمكانية تقديم ثلث أعضاء المجلس المزاولين مهامهم طلب التصويت على مقرر يقضي بإقالة الرئيس من مهامه ، بعد مرور ثلاث سنوات على انتخابه ، أي عند منتصف الولاية ، ولا يعتبر الرئيس مقالا إلا إذا وافق على المقرر ثلثا الأعضاء المزاولين مهامهم،
ثالثا ،  اعتبار مقتضيات النظام الداخلي للمجلس ملزمة لأعضاء المجلس،
رابعا ، إلزامية عقد دورة استثنائية إذا قدم طلب بشأنها من طرف ثلثي اعضاء المجلس
خامسا ،  إلزامية ادراج نقطة تدخل في اختصاصات المجلس في جدول الأعمال إذا طلبت من طرف نصف اعضاء المجلس ،
سادسا ، التنصيص على حق المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في تقديم عرائض لمجلس الجماعة قصد إدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله،
سابعا ، منع كل عضو منتخب بمجلس الجماعة التخلي طيلة مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه لانتخاب المجلس المذكور،
ثامنا ،  اختصاص القضاء بعزل أعضاء المجلس ، وكذلك التصريح ببطلان مداولات مجلس الجماعة ، وكذا وقف تنفيذ المقررات التي قد تشوبها عيوب قانونية ، طبقا لمتقضيات المادة 81 بعده،
تاسعا ،  تنافى مهام رئيس مجلس الجماعة مع مهام رئيس مجلس جماعة ترابية أخرى أو مهام رئاسة غرفة مهنية ، وكذا تنافى مهمة رئيس مجلس الجماعة مع صفة عضو في مجلس النواب أوفي مجلس المستشارين او في الحكومة، وفي حالة الجمع بينهما يستقبل من احدهما.
وبمقابل هاته المقتضيات التسع الثورية ، وسع المشروع بشكل غير مسبوق نفوذ العمال ، اللذين سيصبحون ، في حال تواطأ و صادق البرلمان عليه بما فيه من علل وفخاخ ، ذوي سلطة أقوى على رؤساء الجماعات الترابية الواقعة في دائرة نفوذهم ، حيث خول لهم صلاحية توقيف اي رئيس لم يخضع لتعليماتهم في ظرف 24 ساعة ، ناهيك عن التحكم بسلاسة متناهية في مصير ميزانيات الجماعات عبر آلية التأشير عليها من جانبهم ، وكذا آلية المراقبة القبلية لشرعية قرارات ومقررات المجلس ، فضلا عن إمكانية إدراجهم كل مسالة يريدونها بجداول أعمال دورات مجالس الجماعات التابعة لهم ، وحقهم في الإعتراض على كل مسألة أدرجت بتلك الجداول ، سواء من قبل الرؤساء أو أعضاء المكاتب أو أعضاء المجالس !
ورغم أن الرقابة على شرعية مقررات وقرارات المجلس وعزل أعضائه تظل من اختصاص القضاء ، إلا أن هذا الإجراء لا يمثل حصانة ضد انحراف السلطة من جانب العمال ، سيما في ظل استمرار الحديث عن عدم استقلالية القضاء ببلادنا.

واضح إذن أن  وزارة الداخلية تتجه عبر هذا المشروع  إلى تقوية سلطة  عمالها على المجالس البلدية والقروية ، إذ أسندت إليهم اختصاصات واسعة وهامة ، بالإضافة إلى الإختصاصات التي لوزريها بمقتضى الميثاق الجماعي الحالي ، و أحاطتها كلها بضمانات قانونية زجرية  للحيلولة دون خرقها ، في حين قلصت من السلطات الممنوحة للرؤساء والمجالس معا ، وأضافت لها مهاما طالما شكلت حملا ثقيلا على كاهل السلطة الإدارية المحلية ، من قبيل تنظيم ومراقبة نشاط الباعة كاختصاص صرف لها طبقا للمادة 49 من الميثاق الجماعي.

إلى ذلك ،  وفي الوقت الذي كان الكثيرون ينتظرون من وزارة الداخلية أن تشترط ضرورة التوفرعلى مستوى نهاية الدروس الثانوية على الأقل في كل من يتولى منصب الرئيس من أجل قطع الطريق على الأميين والجهلة .. ، تجاهل المشروع بالمرة الإشارة إلى الموضوع فاتحا بذلك باب الرئاسة على مصراعية في وجه كل من هب ودب. والأمر نفسه ينسحب على الحساب الإداري الذي يدرسه ويصوت عليه المجلس شهر فبراير من كل سنة ، والذي تمثل دورة فبراير المخصصة للتداول بشأنه فرصة سنوية سانحة للأعضاء من أجل محاسبة الرئيس على تدبيره المالي والجبائي طيلة السنة المالية المختتمة ، حيث ألغى أيضا المشروع بالمرة جلسة الحساب الإداري ليحرر الرئيس من المراقبة والمحاسبة الداخلية للمجلس ، ما يعد ردة صارخة عما تحقق وما يزال بهذين الشأنين بل تنكبا عن التنزيل السليم للدستور فيما يخص المبادئ العامة للحكامة الجيدة.

طبعا ، إن ما يثير أكثر من علامات استفهام هو أن صيغة المواد التي تتضمن اختصاصات العمال تختلف تماما عن تلك االمشتملة على اختصاصات رؤساء المجالس أو اختصاصات المجالس ، حيث نجد عنصر الجزاء حاضرا بقوة في الأولى ، وشبه مغيب في الثانية ، مع العلم أن عنصر الجزاء هو الذي يعطي القاعدة القانونية روحا ومعنى ، وهو الذي يفرض على الجميع الخضوع لأحكامها ، ملكا وحكومة وشعبا ، وتجاهل التنصيص على الجزاء في العديد من مواد هذا القانون يجعل منها مجرد قواعد للمجاملات أو قواعد للأخلاق تؤثث و تجمل هذا المشروع ، الذي يتضمن 252 مادة موزعة على عدة اقسام وابواب وفصول ، منها مواد مأخوذة من قانون المالية المحلية وقانون الجبايات المحلية وقانون أملاك الجماعات المحلية .. .

لقد  تعمدت كالعادة وزارة الداخلية إغراق معظم المواد الأساسية للمشروع بعبارات تعلق تنزيل مقتضياتها إلى إشعار غير مسمى ، من قبيل  » تنفيذ اجراءات تسليم السلط وفق الشكليات التي تحدد بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. » ، و  » يحدد بنص تنظيمي شكل العريضة وطبيعة الوثائق الاثباتية التي يجب ارفاقها بها حسب كل حالة.  » ، و » يتقاضي رئيس مجلس الجماعة ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجن الدائمة ونوابهم تعويضات عن التمثيل والتنقل. تحدد شروطها ومقاديرها بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.  » ، و  » دراسة الهيكلة الإدارية للجماعة طبقا للشروط المحددة بقرار السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والمواقفة عليه.  » ، و  » وضع نظام العنونة المتعلق بالجماعة، ويحدد مضمونه وكيفية إعداده وتحيينه بموجب قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.  » ، و « يمكن في الجماعات ذات نظام المقاطعات إحداث وكالة محلية لتنفيذ المشاريع، بمثابة مؤسسة عمومية محلية يحدد كيفية إنشائها ونظام اشتغالها وتسييرها وقواعد المالية والمحاسبية بقانون. » ، و « تحدث بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية الأتاوى والأجور عن الخدمات المقدمة المشار إليها في المادة 141 أعلاه.  » ، و » تخضع عمليات الاقتراضات التي تقوم بها الجماعة لقواعد تحدد بنص تنظيمي يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية. » و » وتحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية كيفية تطبيق مقتضيات هذه المادة.  » . وهو ما يستلزم وضع آجالا محددة لصدور تلك المراسيم والقرارات والقوانين المشار إليها في هذا المشروع جتى لا تبقى أحكاما وتدابير هامة منه مجرد حبر على ورق ، وقد تمر سنوات بل عقود دون أن ترى النور تلك المراسيم والقرارات والقوانين ، وخير دليل على هذا عدم صدور المرسوم الذي يحدد مقادير التعويضات عن المهام والتنقل لفائدة نائب كاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجن الدائمة ونوابهم بالرغم من مرور ست سنوات على ترسيمه في الميثاق الجماعي !

وعلاوة على ذلك ، هناك مواد بحاجة إلى توضيح وتدقيق لإزالة ما يكتنفها من لبس وغموض ، فمثلا تنص المادة  المادة  70 على أنه   » إذا تغيب الرئيس أو عاقه عائق لمدة من شأنها أن تلحق ضررا بسير شؤون الجماعة، أو بمصالحها خلفه مؤقتا وبحكم القانون، في جميع مهامه أحد النواب حسب الترتيب.  »  ، لكنها لم تحدد مدة التغيب أونوع الإعاقة التي من شأنها أن تلحق ضررا ، وهنا تطرح إشكالية الرؤساء اللذين يتغيبون دوما عن جماعاتهم ، ويكتفون بتسييرها عن بعد بالهاتف . كما تنص المادة 64 على أنه  » إذا وقع حل مجلس الجماعة، وجب تعيين لجنة خاصة للقيام بمهامه.. » ، غير أنها لم توضح بدقة هويات الأشخاص العموميين الخمسة المكوننين لها باستثناء العامل والمدير !! فهل يعقل ألا يعرف ساكنة الجماعة سلفا من سيسهرعلى تدبير شؤونهم في حال تم حل مجلسهم المنتخب ؟؟

هذا ، وإذا كان مشروع القانون التنظيمي للجماعات الترابية قد أتى بمستجدات متقدمة نسبيا ، فإنه  يشتمل نقائص نأمل أن يتم تداركها اثناء جلسات المناقشة داخل اللجن المختصة بالبرلمان ، لا سيما ما يتعلق منها بضرورة منح اختصاصات محددة لنواب رئيس المجلس ، بغض النظر عن المهام الممنوحة لهم بمقتضى التفويض ،  ووجوب الإستجابة لطلب ثلث الأعضاء عقد دورة استثنائية ، تأطير و تدقيق العلاقة بين نواب الرئيس والموظفين، وتبسيط مسطرة تقديم العرائض ، مع التنصيص على إلزام رئيس المجلس بإدراج العريضة المستوفية لجميع الشروط في جدول أعمال أول دورة تلي إيداعها لدى كتابة الضبط ، زد على ذلك أهمية  رفع الحضر الكلي على كل عضو من المجلس أن يزاول خارج دوره التداولي، أي اختصاص من اختصاصات المجلس أو الرئيس أو المهام الإدارية للجماعة المتعلقة بالتوقيع على الوثائق الإدارية أو تدبير مصالح الجماعة، لأن الممارسة اثبتت أن حجم هذه الإختصاصات والمهام أكبر بكثير من أن يضطلع بها أعضاء المكتب وحدهم ، فلا يستقيم أن ندعو المجلس إلى إشراك الجمعيات في التسيير ، و نقصي في الوقت نفسه أعضاءه من التسيير بقوة المادة 55 :  » يمنع منعا كليا على كل عضو من المجلس، باستثناء الرئيس والنواب، أن يزاول خارج دوره التداولي، أي اختصاص من اختصاصات المجلس أو الرئيس أو المهام الإدارية للجماعة المتعلقة بالتوقيع على الوثائق الإدارية أو تدبير مصالح الجماعة، وتعتبر هذه الأفعال أخطاء جسيمة تطبق بشأنها مقتضيات المادة 53 أعلاه. »

وخلاصة القول أنه ثمة ، للأسف الشديد ، ثغرات وعيوب دقيقة وعميقة  ما زالت تعتري مواد كثيرة من هذا المشروع  ، تنافي مبادئ الحكامة الجيدة ، وتكرس الإستبداد ، وتحصن الفساد ، وبالتالي تفرغ نظام اللامركزية برمته من معناه ، ما يفرض على  الجميع  التحرك قصد الضغط بكل الوسائل السلمية من أجل إزالة الألغام القانونية المزروعة بعناية فائقة في مواد الميثاق الجماعي الحالي ، و التي تأبى الدولة العميقة و جيوب مقاومة التغيير داخل الحكومة والبرلمان  إلا أن تحتفظ بها بين ثنايا هذا المشروع لغرض في أنفسهم ،  رغم أنه  بسببها تحولت الكثير من الجماعات الترابية إلى حلبة للصراعات والإستقطابات وتصفية الحسابات.. ،  وأداة للإستبداد والفساد والنهب الممنهج للمال والملك العامين  .. ، عوض أن تكون رافعة للتنمية المحلية المستديمة والمندمجة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *