Home»National»جرادة : قيم وإرث الطبقة العاملة بين التمجيد والنسيان

جرادة : قيم وإرث الطبقة العاملة بين التمجيد والنسيان

0
Shares
PinterestGoogle+

تساءل Josef Lépine وهو كاتب فرنسي عاش ويعيش في المغرب الشرقي في رواية له حول جرادة والطبقة العاملة ، تحت عنوان   » Lumière du noir  » ألم يكن صمت شركة مفاحم جرادة استراحة من أجل التفكير والتأمل ؟ (1)   » . وقال أيضا  »  إذا كان لون الفحم الحجري وغباره يخفيان معالم وجوه العمال فإن أدمغتهم ظلت يقظة تطرح القضايا وتفتح آفاق جديدة كانت تنبثق من أعماق معارك الطبقة العاملة ، ويرى أيضا أن بصيص النور انبثق من الثقب الأسود أي من أنفاق الفحم (2).

وقد جسد الطبقة العاملة في بطل روايته العامل عبد القادر بن العيد ،  كما جسد أبناءهم وخلفهم في شخص لخضر معروف بن عبد القادر، ابن بطل قصته ، وقد استوحى أبطال روايته من شخصيات حقيقية عاشت بجرادة ، نسج حولها أحداث ووقائع هذه الرواية .

لم يكن جوزيف ليبين الذي لمست في روايته هذه بوادر تمرير ما يسمى بالرسالة الحضارية  للاستعمار الفرنسي في المغرب ، وحده الأجنبي الذي جسد في روايته وإنتاجاته الفكرية ،   الإنجازات التي حققتها الطبقة العاملة بفعل نضالاتها الطويلة والمريرة ، والتنشئة الاجتماعية ،  والتربية التي خصت بها أبناءها وخلفها ، واستخلصوا منها  الدروس والعبر   ، وتعلقوا بها إلى حد  نسج علاقات دائمة  مع جرادة  المدينة،  وجرادة التاريخ ، بل غيره كثيرون ممن ارتبطوا وتعلقوا بمدينة جرادة ، وما الزيارات التي تقوم بها وفودهم سنويا إلا دليل على ذلك .
إذا كان هذا هو باختصار شديد،  حال بعض الأجانب  ووفائهم للعمال بجرادة  ، فماهو  موقف خلف الطبقة العاملة من أبناء المدينة ، و الوافدين من جهات أخرى من المغرب ،  وكل الذين يكسبون لقمة عيشهم في أحضانها ؟؟

يشيد أبناء مدينة جرادة بتاريخ المدينة النضالي ويتباهون به ،  وتفننوا ويتفننون في تسميتها ، منهم من سماها بالجوهرة السوداء والغادة الحسناء ، وآخرون نعتوها بالأم الحنون ، وتغنى فنانو المدينة وشعرائها بشموخها وكبريائها ،  وعزتها وعنادها .ولا أشك في صدق ومصداقية الكثيرين منهم .

ولكن ليس للإشادة بتاريخ المدينة والتباهي بالانتماء إليها وبأسمائها أي معنى،  إذا لم نكن خير خلف لخير سلف ، وإذا لم نعتبر المدينة وتاريخها  أمانة  في أعناقنا وإرثا طوقتنا به الطبقة العاملة عبر أجيالها المتعاقبة التي بدلت التضحيات الجسام ،من أجل توفير الطاقة للوطن  ، و من أجل إعمار المدينة ، والرقي بها ، وغرس القيم العمالية  والإنسانية النبيلة ، والنهوض بالجانب الاجتماعي من خلال التنشئة والتربية على التعاون والتضامن والتآزر اللتان  فرضهما العمل ألمنجمي ووحدة أهداف ومصير الطبقة العاملة  وأبنائها  .
حاليا في مدينتنا دب النسيان في القيم العمالية التي أشاد بها الأجانب قبل المغاربة ،   وخلدوها في إنتاجاتهم الأدبية  والفكرية  ، رغم أن تاريخ الطبقة العاملة لا زال  أقرب إلينا من حبل الوريد  ، ولم يمر عليه إلا وقتا وجيزا ، ولا زال العديد من رموزه أحياء  يرزقون  بيننا ، ولا زلنا نذكر  رموز الطبقة العاملة و الشخصيات النقابية والسياسية الوطنية والدولية التي زارت المدينة وتركت بها بصماتها ، وسأكتفي هنا بأمثلة قريبة من محيطنا اليسيط  وممن جالسناهم بالأمس القريب في مقرات النقابات ، والقاعات العمومية وعلى  مقاعد نفس المقاهي بالمدينة ، و لا زلنا نحتفظ بصورهم وذكرياتهم  .
من منا لا يذكر العامل  والمناضل الكبير حسناوي اعمر الذي  مارس قناعاته النقابية  وطرد بسببها ، وكان مقتنعا بضريبة النضال التي أداها ، والتي غير بسببها مصادر عيشه دون أن يمد يده لأي كان ، واشتغل في مهن وحرف أخرى منها حفر الآبار وغيرها من الأعمال  ، ولا زلت أذكر ما قاله لي عن كرهه لأحد العمال الذي لامه  بعد الطرد التعسفي الذي لحقه ، قائلا  « سقطت فيما كنت أنهاك  عنه وها أنت تجني نتائج عنادك  » ، وكان هذا الكلام بالنسبة إليه طعنة  كبيرة تلقاها واستخفافا بقناعاته ونضالاته .
ومن النساء ، من منا لا يعرف فاطنة التازية  أرملة  السي  لحسن وهو عامل سابق ، والتي حلت محل زوجها بعد وفاته  وهي في ريعان شبابها  في تحمل أعباء  تربية أبنائها وبناتها ، وعملت في قطاع النظافة بالشركة  ، من منا لم يراها تجوب المدينة راجلة  يوميا ، ومن أقصاها إلى أقصاها   ذهابا وإيابا ، وغيرها من الأمهات المكافحات والمعروفات بنكران الذات  واللواتي لم تستسلمن لليأس،   كثيرات .
لا أطيل ، وأظن أن ماكتبته  في حق الطبقة العاملة على قلته يفي بالمراد ، وما دفعني لكتابته هو أنني لاحظت مند ما يزيد عن سنتين أن السواد الأعظم  من شباب المدينة ، ومن هم في سن النضال والعطاء ،  أصبحت مصالحهم الضيقة  ،  تحجب عنهم الرؤية السليمة التي تعتبر المصلحة الخاصة  ضمن المصلحة العامة ، وتعطي الأولوية للأخيرة .
فالمظاهر  التي تلوح للمتتبع عن بعد ،وسمعة المدينة التاريخية  ، لا تعكس الواقع الفعلي  الذي تعيشه المدينة حاليا والذي يكرس الانتهازية المفرطة والكولسة المستشرية والأنانية وما ينتج عنها  من نفاق  وزيف .
دليلي على ذلك  هو ما أصبحت تعرفه المدينة من نكوص في مجموعة من المجالات  البيئية والاجتماعية والثقافية …..، وتهميش لملفاتها الكبرى التي أصبحت  محط مساومات يعرفها القاصي والداني في المدينة ، ولا يجرؤ من يصطادون في المياه العكرة   وما أكثرهم ،ويحلمون بقضاء مآربهم الخاصة في ظل الغفلة والفوضى والانتهازية ، على تحريكها  وإثارتها ، وما تكاد تظهر حتى تطمس من جديد  .
وهرولة مجموعة من الشباب وتسابقهم نحو بعض  الهيآت …..  التي أثبت التاريخ أنها طرف مهم في الأزمات التي عاشتها مدينتنا وتعيشها بلادنا عامة . ومحاولة بعث الروح في  أجساد هذه الهيآت  المتهالكة ، هي  بمثابة إعطائها حسن السيرة وإيهام  الناس وجرهم ليلدغوا من جحورها مرات أخرى  ، كما أسقط هذا التهافت مجموعة من الشباب في تناقضات خطيرة  ، لا قيمة  بعد ها  لما يتظاهرون به  من مصداقية نضالية  ويحملونه من شعارات  لم تعد تليق بهم .

1 ـ الصفحة 74  من الرواية المذكورة الفقرة االأولى
2 ـ   نفس المرجع الصفحة 67 الفقرة الثانية

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *