Home»International»الهزات الارتدادية للثورة المصرية

الهزات الارتدادية للثورة المصرية

0
Shares
PinterestGoogle+

عاد ميدان التحرير وسط قاهرة المعز ليشد الأنظار من جديد,  لما يشهده من اعتصامات و مظاهرات اختلط فيها الحابل بالنابل جراء تدخل أمني عنيف استعملت فيه القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي ليسقط ضحايا , يزداد عددهم يوما بعد يوم ليضافوا لقافلة شهداء الثورة التي زلزلت أركان النظام السابق , فأسقطت رئيسا جثم على صدور المصريين لمدة ثلاثة عقود, وأبناء منهم من كان يمني النفس بوراثة الحكم, و منهم من سعى لتكديس الثروة بأساليب شتى لا مجال فيها لشرعية  ولا منافسة شريفة , فضخت الأموال في حسابات  بنكية في الخارج تحسبا لدوائر الزمان ,وعاث أزلامهم في ارض الكنانة جورا وفسادا وطغيانا, محصنين في المناصب  الوزارية ,ومواقع المسؤولية ,وتمثيلية برلمانية تمنح كجزاء للولاء والإخلاص لأصحاب القرار  من الحزب الحاكم ومن يدور في فلكه .

وظل الشعب يندد ويستنكر ويردد « كفاية  ,كفاية  » لقد بلغ السيل الزبى , لكن لا حياة لمن تنادي ,فقد استطاب الحكام الكراسي وألفوها ولم يعد لهم عليها فراقا ,وليشرب الشعب مياه نهر النيل أو يلقي نفسه في البحر الميت  ,أما هم فإنهم هناك لقاعدون .

ومع هبوب نسائم الربيع العربي بثورة الياسمين التي كانت تونس الخضراء مهدها, حيث أطاحت رياح التغيير بنظام بنعلي الذي حكم البلاد بالحديد والنار واتى على الأخضر واليابس. فمن سيدي بوزيد انطلقت شرارة ثورة أشعلها البوعزيزي لتتطاير شظاياها شرقا وغربا لتخرج الرئيس الدائم عن صمته ليخاطب الشعب بأنه « لا رياسة مدى الحياة » ,وانه « قدم التضحيات « ,وتوالت الخطب » البتراء » ليصل للخلاصة في خطابه الشهير  » أنا فهمتكم » , لكن فهمه هذا جاء متأخرا ,و كلامه  صب الزيت على النار فأمسكت بتلابيبه مما جعله يفر بجلده في  طائرة حملته وعائلته خارج الحدود ,وخرج الشعب التونسي للشوارع فرحا مبتهجا بانجازه العظيم مرددا « بنعلي هرب ,بنعلي هرب  » . وبدأت مسيرة الإصلاح بانتخابات ديمقراطية ولازال المسلسل متواصلا .

ومع تهاوي نظام بنعلي ازدادت حرارة ثورة الفل بمصر لتعم كافة المدن والميادين التي تحولت إلى ساحات تحرير  واشتد الخناق على مبارك  الذي حاول إسكات الأصوات المنادية بإسقاط نظامه  بالتهديد والوعيد ,قبل أن يمر لأساليب الاختطافات والاغتيالات والبلطجة في موقعة الجمل وغيرها,لكن صمود الشعب  وإصراره على التغيير رغم سقوط شهداء برصاص قوات الأمن قبل أن تختفي من الساحة تاركة المجال للمجرمين والمليشيات المسلحة لترويع المواطنين وترهيبهم ,وساد جو من الفوضى وعدم الاستقرار أضرت بالاقتصاد الوطني الذي أصيب بشلل تام  تسبب في أزمة خانقة   لا سابق لها  ,وأمام هذه الوضعية ورغم الحلول الترقيعية التي حاول النظام اللجوء إليها لامتصاص  غضب الشارع كإقالة الحكومة وإسناد تسيير البلاد لنائب للرئيس والذي  لم يكن إلا رئيس مخابراته , وغيرها من المسكنات  التي لم تؤت أكلها  فازدادت الاضطرابات والمسيرات المليونية وتحولت ساحة التحرير إلى منابر خطابية ومسرحا لأشكال نضالية متنوعة أبطالها شباب ثائر تواق للحرية و الانعتاق من الاستبداد والدكتاتورية ,ومناضلون مناهضون لسياسة الحكم في بلادهم ,ونخبة من المفكرين والأدباء والمبدعين من أبناء مصر ذات الحضارة العريقة والريادة في الفكر والإبداع والعبقرية فهي الأرض التي أنجبت طه حسين والعقاد وشوقي وتوفيق الحكيم والسنهوري واحمد أمين وسعد زغلول ومحمد عبده ….الخ

فبلاد هي أم الدنيا كما يسمونها لا  يمكن إلا أن تكون رائدة في ثورتها التي أدت إلى سقوط مبارك ومن معه وجرهم للمحاكمات التاريخية التي ظهر فيها الرئيس وأبناءه ووزراءه في قفص الاتهام صاغرين نادمين على ما فعلت أيديهم بمصائر البلاد والعباد ,فقد دقت ساعة الحقيقة وجاء وقت الحساب ,فإلى أين المفر ؟ ,ها هو حبيب العادلي وصفوت الشريف وغيرهما من أزلام النظام المنهار يرتدون بذلة السجناء ويتكدسون في عنابر سجن طره تحت صياح المساجين الذين هم من ضحاياهم ,فدوام الحال من المحال ,وسبحان مبدل الأحوال .

كان للجيش المصري موقفا مشرفا إذ انحاز إلى الشعب ورفض إطلاق النار على مواطنين عزل يتظاهرون سلميا ضد الظلم والطغيان ويطالبون بإسقاط الفساد ,وكان للمجلس العسكري دورا كبيرا في استتباب الأمن ورجوع المياه لمجاريها بعد تنحي الرئيس الفرعون وتنصيب حكومة ائتلاف وطني ضمت في صفوفها شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة ستقود البلاد  في مرحلة انتقالية لبناء دولة المؤسسات بطريقة ديمقراطية تقطع مع أساليب الماضي وتتطلع لمستقبل عصري حداثي حيث السيادة للقانون الضامن للحريات الفردية والجماعية والحقوق والواجبات . وكان بإمكان هذا المسلسل أن يسير في الطريق الصحيح ويرسم معالم ومنهجية حكامة جيدة تكون قدوة لباقي الأقطار السائرة في طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان ,إلا أن الرياح تجري بما لاتشتهيه السفن ,فكان لتدخل عوامل شتى منها الداخلي والخارجي أن تقف حجر عثرة في وجه الإصلاحات المتوخاة لان للتغيير أعداء  يحاولون وضع العصا في عجلة التقدم إلى الأمام لأسباب مختلفة لا تضع المصلحة العامة في أجندتها .

فالأحزاب  السياسية تتصارع من اجل الوصول للحكم بجميع الطرق شعارها الغاية تبرر الوسيلة ,كما هو الشأن بالنسبة للإخوان المسلمين الذين يسعون لنفس الغاية مستغلين    الدين لأهداف سياسة بلازمتهم  » الإسلام هو الحل  » . وفي خضم هذا الصراع الحزبي من اجل السلطة  ,

.

يحاول الجيش إفراغ المشاريع الإصلاحية من محتواها كخطوة لإطالة الفراغ المؤسساتي و الالتفاف على مكاسب الثورة –حسب رأي نسبة كبيرة من المصريين – ومن ثم محاولة

الانقلاب على الشرعية بالإمساك بزمام الأمور,  تخوفا مما قد تحمله الاستحقاقات القادمة من مفاجئات من شانها قلب الموازين أو فتح الباب على المجهول .

وأمام هذه الحالة  الغير واضحة المعالم ,نفذ صبر فئات هامة من الشعب  المصري الذي قرر النزول للشارع من جديد لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين والعودة لثكناته, وتحديد تاريخ إجراء انتخابات راسية في اقرب الآجال , وتسريع مسلسل الإصلاحات الدستورية والقانونية للقطع مع الماضي وضمان حياد مؤسسة الجيش ,ونقل السلطة بطرق ديمقراطية .

أنها الهزات الارتدادية للثورة, فهل سيتم التعامل معها بايجابية ؟ أم ستقابل بمزيد من الضغط الذي لا يولد إلا الانفجار ,وقد بينت التجربة بان العنف لا يزيد الأمور إلا استفحالا وتأزما .فالشعب عاقد العزم على استكمال ثورته ,وان اقتضى ذلك تقديم شهداء آخرين في سبيل الوطن .

ورغم الاعتذار الذي قدمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر لسقوط شهداء بميدان التحرير خلال الأحداث التي تشهدها البلاد منذ أسبوع تقريبا , وتعهده بمحاكمة المسئولين عن ذلك , فان الشك يبقى سيد الموقف  لدى المحتجين الذين يرفضون إخلاء ميدان التحرير حتى تحقيق مطالبهم .مع الإشارة لوقوع اشتباكات مع قوات الأمن بمدن الإسكندرية ,بور سعيد ,السويس ,أسيوط وأسوان.

فالمتظاهرون لا يصدقون كلام المشير حسين طانطوي ,ويعتبرونه نسخة طبق الأصل لمبارك لكن بزي عسكري ,وبالتالي فان التزامه بتنظيم انتخابات راسية قبل صيف 2012 واستعداده للتنازل فورا عن السلطة إذا تقرر ذلك في استفتاء شعبي ,لا يجد أذانا صاغية .فطول الفترة الانتقالية سيؤدي حتما إلى تعميق أزمة الثقة بين الأطراف المعنية ,

والأيام القادمة كفيلة بتوضيح الرؤيا, حفظ  الله مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

                                    جمال مصباح

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *