Home»National»جرادة : منطق الاستهلاك وتعميق الأزمة

جرادة : منطق الاستهلاك وتعميق الأزمة

0
Shares
PinterestGoogle+

محمد بونيف جرادة

جرادة : ) منطقالاستهلاك  وتعميق الأزمة .         

تفكرا ليوم بعض الدول المتقدمة ومعها منظمات حقوق الإنسان بالإضافة إلى  حقوق شعوبها ،  في حقوق  الأجيال القادمة أي التي لم تأت  بعد إلى  الوجود  ، وفيما سيترك لها من إرث  ثقافي وحضاري وتاريخي ، و ما سيتاح لها من موارد تكفل لها العيش الكريم ، وتفكر في  مستقبل الإرث المشترك بين الشعوب وضمنه الماء والهواء والبيئة بصفة عامة  ، وقد جندت الدول من أجل مستقبل شعوبها الحالية والمستقبلية مجموعة من الوسائل المادية والمعنوية ، وخصصت ميزانيات هامة للبحث العلمي ، وكل ما هو متاح  من كفاءات وخبرات في هذا الاتجاه .

كل هذا الاهتمام وما يرافقه من إجراءات يترجم في هذه البلدان ، احترام الإنسان للإنسان ،والتعامل معه بما تمليه إنسانيته المطلقة بغض النظر عن  جنسه وثروته ولونه ودينه  ،من احترام لحياته وخصوصياته ومقومات عيشه وقيمه .

يأتي سرد هذه المعطيات  في سياق  ما تعرفه مدينة جرادة ، في ظل الأزمات التي تعيشها ، من مظاهر ازدراء الإنسان  ، والاستخفاف بحاضره ومستقبله ، وما ينهال عليها  من معاول الهدم  التي  تقوض كل توجه نحو تنمية حقيقية وشاملة تستفيد منها ساكنة المدينة  ، ونتيجة لانسداد الأفق أصبح كل شيء فيها مباحا للاستهلاك ،والبيع والشراء ، حتى القيم الإنسانية النبيلة زحفت عليها سخافة عفوا « ثقافة  » الاستهلاك .  

 حتى لا يساء فهمي ،لا أتناول هنا إغلاق مناجم جرادة رغبة في العودة إلى الماضي رغم أهميته ، ولا حنينا إلى  عهد الطبقة العاملة رغم أنه أحسن من حال المدينة الآن  ، ولكن لأوضح  أن ما تم طرحه من طرف المخزن كآفات وأمراض عضوية واجتماعية ناجمة عن  اشتغال المنجم ، وأسباب وجيهة لإغلاقه ، يتم الآن  بعد أن فرض واقع الأزمة الاستمرار في إنتاج الفحم ، وبعد تعميقها  ،واستفحال عواقبها وخطورتها و وامتداداتها إلى الأجيال اللاحقة  ، وارتفاع عدد ضحاياها  التغاضي عنها وعدم الاكتراث بها.  

نجد من بين الذرائع التي أغلقت مفاحم جرادة  بسببها ، انتشار التلوث والداء المهني السيليكوز ، ويكذب واقع المدينة الحالي  وما آلت وستؤول إليه الأوضاع بها هذا الإدعاء، وعلى العكس أدى الإغلاق واشتداد الأزمة ، إلى استمرار الإنتاج وتكثيف الاستغلال العشوائي لما يزيد عن ألفي شاب  في استخراج الفحم أو بقاياه ،  دون تمتيعهم ولو  بالحد الأدنى  مما كان يتمتع به أسلافهم خلال فترة استقرار العمل ،أي العمل  المنظم بالمنجم ، من حقوق طيلة عمرهم،  مما سيضاعف  نسبة المصابين بالداء المهني  ومن مشاكل وأعباء المدينة خاصة وأن عددا كبيرا من الشباب دفع حياته ثمنا مقابل هذا الاستغلال.

ولم يقلص هذا الإغلاق أيضا من انتشار التلوث بل أدى إلى استفحاله بشكل لم يعد   وضعه الحالي يقبل الانتظار أو المزايدة به من حين لآخر، بحيث رافقته  كارثة كبيرة وجريمة في حق الساكنة  ، متمثلة في قطع الأشجار بشكل غير مسبوق ، فالغابة التي كانت إلى عهد قريب تشكل رئة إضافية للمدينة بحيث تقلل من التلوث وتزيد من كمية الأكسجين ، وتوقف الغبار وتقلل من زحف التصحر والحث ، وتزيد من رطوبة الجو وتشكل على الخصوص وسطا طبيعيا ومأوى لوحيش المنطقة وعاملا هاما من عوامل التوازن البيئي والتنوع ، خاصة وأن الأبحاث جارية في العديد من بقاع العالم وعلى قدم وساق كما يقال، للحفاظ على تنوع الكائنات الحية ، منها  الأبحاث  الجارية مند مدة حول التنوع في حوض ملوية من طرف خبرات أجنبية ووطنية .

هذا فضلا على أن هذه الغابة كانت أصلا المورد الأول  قبل  ظهور الفحم  ، وتشكل حاليا  رأسمال المدينة ، وأصبحت الآن مصدر قلق كبير لارتفاع عدد حفر الموت  وحاضنات السيليكوز  (أنفاق الفحم ) بها بشكل كبير خلف ضحايا من الحيوانات والبشر،  وانتشار نفايات الفحم  والأزبال  .

والمشكل أن بعض الأجيال وكذلك جل المسؤولين  والموظفين خاصة أولائك الذين قدموا مؤخرا من مناطق أخرى  غير جرادة  ، لا يقدرون هول الأزمة البيئية التي عرفتها وتعرفها  المدينة ، ولا إيقاع  وسرعة انتشارها لأنهم لم يعيشوا فترة ازدهار الغابة  وما كانت عليه من تنوع  في  الوحيش والنباتات أي:  الفلورة  والفونة.    

هذا  كله جزء من الدلائل الدامغة على الازدراء  و التهميش واللا مبالات التي يعامل بها الإنسان في جرادة  ، فاحترام الإنسان يتطلب حتما فرض احترام صحته و بيئته وخاصة الغابة التي هي ملك عمومي ورافد من روافد الاقتصاد محليا ووطنيا ،  فالإنسان هو جزء  لا يتجزأ من البيئة ، ومصيره وسلامته مرهونان بسلامتها .

فارتجال إغلاق مناجم جرادة دون التفكير فيما ستكون عليه أوضاع الساكنة ،  والعجز عن خلق بدائل ناجعة للتخفيف من حدة البطالة والفقر، وعدم الالتزام بالوعود المعسولة التي طرحت تمهيدا للإغلاق ، وعدم التعامل مع المدينة كحالة استثنائية تعرضت لفطام خاص ، رافقه تخبط كبير في تدبير شؤون حوالي 70 ألف نسمة ، رغم بيع ما فوق الأرض وما تحتها ،  وتعيش المدينة حاليا في ظل أزمة مركبة من أهم تجلياتها أن كل ما فيها من موارد ومؤهلات وطاقات وفرص وقيم ،  يتعامل معها بمنطق الاستهلاك ،والبيع والشراء والاحتكار، والتسابق نحو المنفعة الخاصة المادية الآنية، باعتماد جميع   الوسائل  ، ولم تستثن  من هذا المنطق حتى البيئة ، وبدأت المدينة  تقطع  مع القيم التي رسختها الطبقة العاملة خلال عقود من  حياتها كمبدأ الحوار، والتضامن، والتآزر والشعور بوحدة المصير…. ، في ظل هذا التيه والتشرذم  حتى القيم الإنسانية التي تتبناها مجموعة من الجمعيات ذات النفع العام والتي من المفروض أن تقوي مناعة المدينة ،خضعت لمنطق الاستهلاك ، ساوم بها ويساوم بعض من أشباه المناضلين مقابل مكتسبات محدودة وأحيانا مقابل وعود قد لا ترى النور، مما أدى إلى اختناق الوضع السياسي والنقابي والحقوقي  بالمدينة  وركوده  ، ولم تبق إلا بعض الشمعات  التي تنير سماءها .

وتطرح مجموعة من التساؤلات نفسها مثل   :

 

 بعد الفشل في تدبير مرحلة ما بعد الإغلاق بشكل إنساني ،وفرض واقع الاستغلال على الساكنة  بخصوص استخراج الفحم، هل  يفكر المسؤولون في مرحلة نضوب بقايا الفحم التي  تغني  مجموعة كبيرة من العائلات مؤقتا عن التسول رغم ما تسببه من عواقب خطيرة على المدينة برمتها  ، أم سيتعاملون معها كسابقتها   ؟

وهل يتم التفكير في ترميم الوضع البيئي الذي لم يعد يحتمل التأخير، كتعويض على الأقل الكم الهائل من الأشجار التي قطعت ؟

وهل سيعمل المسؤولون محليا ووطنيا  والمقيمون على الشأن المحلي بتدبير ملف  التشغيل وغيره من الملفات المستعجلة وما هو متاح من موارد للتقليص من حجم الفقر والتهميش وتدارك ما يمكن تداركه   ؟

hamd_ali6174@yahoo.fr   

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *