Home»National»في حاجتنا إلى النقد

في حاجتنا إلى النقد

0
Shares
PinterestGoogle+

إن  ملاحظة ما يجري  في  الكثير من  البرامج  الحوارية  السياسية وغيرها  في  القنوات  الفضائية  وفي  مواقف  إجتماعية مختلفة تعطي  الإنطباع  أن المثقف  ما  تزال تفصله   مسافات  عن عالم  الثقافة ،فلا  يكفي  أبدا  أن ينهل  المرء من   صنوف  المعرفة  وتدغدغ أنامله  صفحات  أمهات  الكتب  بل  حتى لو  يترك  بصمات  في  مجال  الإبداع  الثقافي  ،فإن  ذلك  يظل  ناقصا   ومبتورا  إذا  لم  تؤدي  هذه  الثقافة أحد  أهم  وظائفها   وهي  تنويرالإنسان  وجعله ممتلكا  لقابلية الإثراء  المستمر وفتح ذهنه  للإستفادة من أفكار الاخرين   وتجاربهم…إن النقد هو جوهر الثقافة وإكسيرها ،فبدونه  تظل هذه الأخيرة عمياء وتتحول إلى عملية  استهلاك  فاقدة  القيمة ، إنه  شقيق التفكير وملازمه الذي  لا  يبرحه  ،وإن كان  التفكير هو شرط  الوجود  عند  ديكارت فإن  النقدهو أساس  التفكير  وأحد  أهم درجاته ،فهو تفكير في  الأفكار ذاتها وشك  في  صدقيتها بوضع  مسافة  بينها  وبين  الذات  والحد من النزعة  الشديدة لهذه الأخيرة   نحو  تملكها وتقديسها..
ما أصعب وأبهى  وأجمل تلك  اللحظة التي نراجع  فيها  ذواتنا ونقف  فيها  في  موقف مساءلة حقيقة للذات  وما  أندر_للأسف_ تلك  اللحظات التي  نعترف  فيها لمحاورينا  بقوة حججهم واستعدادنا   للتنازل  عن أفكارنا  الأقل  حجية أو تعديلها  وتكييفها…إنها  فعلا  القوة  الخارقة التي  تمنحنا  إياها  الثقافة ،التي  بواسطتها نقوم  بعمليات  تشذيب  وهدم  وبناء  مستمرين .وبواسطة هذه  القوة نكسب  قناعاتنا  الفكرية ومواقفنا  الكثير  من  المرونة ،وتمكننا  من الإستفادة من الدروس  الحياتية المختلفة ،بدل سجن  أنفسنا  في قوالب  فكرية  جامدة(الدوجما).
كلما تابعت   حلقات  برنامج  الإتجاه  المعاكس  الذي  تقدمه  قناة الجزيرةالفضائية إلا  وطرحت علامات استفهام و استغراب  كيف  يتحول  « مثقف » يتمتع  بثقل فكري  ويحظى بمكانة على  الأقل  داخل  المشهد  الثقافي أو  السياسي إلى مدافع  مجنون  عما يراه حقيقة وصوابا  ،ولا  يكف  عن استعمال  وتوظيف كل  الوسائل البذيئة من  سب وقذف  وربما ضرب  في سبيل تحقيق غايته وهو تحقيق  » الإنتصار » لأفكاره  والإيقاع  بمحاوره وهزمه وجعله يبدو في  أقصى درجات  الضعف  والذل .
عندما يسيطر  الإنفعال على المحاور  فهو دليل  على أن الوعي  يفقد  السيطرة على  هذا  اللاعقل  الذي يتحين  الفرصة  من أجل تدمير تعايشنا  وتفاهمنا .هو كذالك  علامة على أنه  يسلك طريقا  خاطئة  ،ولن  تجعله  أبدا  يقترب من الحقيقة ،ويجعل  الحوار  عقيما لا نتيجة ترجى من ورائه …الحوار  فضيلة    وهو أسلوب  رفيع  للحفاظ  على حالة  السلم والتعايش  بين الأفراد  والجماعات  والثقافات   والحضارات . الحوار  يجب أن يتسلح  بالنقد   ويتشبع   بالثقافة  النقدية التي  تلخصها   عبارة كارل  بوبر  الشهيرة »قد أكون  أنا  على  خطأ  وأنت على  على صواب  وبشيء من  بذل الجهد  قد نقترب  أكثر من الحقيقة »

إذا  كان  الحوار متخما  بكلمات  مثل  « نعم » و »نحن متفقون » و » كلامك صحيح »  منذ  بداية الحوار فمعنى ذلك أنه  ليس من الحوار في  شيء ،لأن  الحوار يفترض  وجود إطارين فكريين مختلفين ،ونجاح الحوار يجب أن يحتكم إلى الحجج والأدلة ،لاإلى  تطييب  الخواطر أو كسب الود أو أشياء أخرى …فكم  هم كثر أولئك الذين حاوروهم فلاسفة  اليونان القدماء بطريقة توحي  أن الحوار ليس  سوى  قالبا من أجل تمرير  الأفكار  الشخصية والرغبة  في  إعطائها مصداقية  أكثر ،ومحاوروهم  لم يكونوا أكثر من مجرد دمى يستعملونهم  لتحقيق  هدفهم .الحوار إذن هو  أداة  لتدبير الإختلاف وتقليص  المسافات بين المتحاورين  وعملية إقناع  متبادل وليس أبدا  إرغاما للاخر على  التفكير مثلنا.
يجب  نزع  القداسة  عن الأفكار  كي نتقدم ونتفاهم  ونتعايش  ،فالأفكار  متغيرات  وإن  اكتسب  بعضها قيمة في زمن ما فلا  يعني  أنها  ستحافظ عليها في زمن  اخر ،وللمفارقة  فكثير من الأفكار  التي  نقدسها ونجعلها  جزءا منا  ونرفض بشتى  الوسائل المساس بها هي  ليست  مطلقا وليدة مفكرتنا فكيف  ندافع  بهذه الطريقة  اللاعقلانية عما  أنتجته عقول  الاخرين؟
إنها  قمة الديكتاتورية _في نظري _تلك  التي  يمارسها المثقف  حين  يتحصن في  برجه العاجي ويعتقد أن  كلامه  لا  يأتيه الباطل مطلقا  ويسعى  بكل ما استطاع  فرض  الوصاية على الاخرين .حين  يصبح  المثقف  دكتاتورا يدفعني  أحيانا  إلى تفهم  دكتاتورية  القذافي  والأسد  ومبارك …لأنهم على  الأقل يملكون قوة فعلية مسيطرة على الأرض وعلى  ملايين الرؤوس  ،وإذا كان المثقف  الذي كان  من المفروض  أن  يشكل  نموذجه  المحتذى (باراديجم) يمارس إحدى  أبشع  صور  الديكتاتورية …

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *