Home»Correspondants»لننخرط جميعا في بناء وتأهيل جماعاتنا المحلية..

لننخرط جميعا في بناء وتأهيل جماعاتنا المحلية..

0
Shares
PinterestGoogle+

     بمجرد إفراج رئيس الحكومة السيد: عبد الإله بنكيران، عن مواعد انطلاق مسلسل الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والجهوية المقبلة، سارعت وزارة الداخلية إلى دعوة المواطنات والمواطنين غير المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة، المتوفرين على الشروط القانونية، لتقديم طلب تسجيلهم لدى أقرب المكاتب الإدارية وعبر موقع إلكتروني خاص، بل هيأت مكاتب متنقلة في القرى النائية لنفس الغرض، ابتداء من: 20 دجنبر 2014 إلى غاية 19 فبراير 2015، رافقت ذلك حملة واسعة في مختلف وسائل الإعلام، وخرجت معظم الأحزاب السياسية في تسابق محموم نحو استقطاب أكبر عدد من المواطنين، ومنها من فتحت مقراتها في وجه العموم لجمع المعلومات، على أن تتكفل بتسجيل أصحابها مباشرة عبر الإنترنت، مقابل ضمان أصواتهم…
جميل أن ندعو المواطنين إلى التحلي بروح المواطنة الصادقة وممارسة حقوقهم الدستورية، للخروج من دائرة اليأس وفقدان الثقة في جدوى الانتخابات، باعتبار عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية مدخلا أساسيا للمشاركة في الاستحقاقات المقبلة، سعيا إلى تكريس الفعل السياسي وتعزيز الديمقراطية. والأجمل من ذلك ألا نقف عند حدود التسجيل وامتلاك بطاقة الناخب، بل أن نذهب إلى ما هو أعمق، وننخرط في بناء دولة الحق والقانون وتأهيل المؤسسات المنتخبة بالمشاركة في اختيار أجود المرشحين، وإخراج البلاد من دوامة الفساد، المتجلي في سوء التدبير وتبذير المال العام، والتصدي لكل أولئك الذين يرجحون حماية مصالحهم الذاتية والحفاظ على امتيازاتهم، وإفساد الانتخابات بالتدليس وشراء الذمم.
وفضلا عن الترسانة القانونية الجديدة، التي من شأنها التأسيس لمشهد سياسي مغاير، واعتمادا على التوجيهات الملكية السامية، الداعية إلى إقامة جهوية متقدمة، عبر ترسيخ أسس حكامة جيدة وديمقراطية محلية وجهوية، فإن المحطة القادمة/الانتخابات الجماعية، التي تأجل موعدها إلى شهر شتنبر بدل يونيو 2015، تعتبر تمرينا حقيقيا للشروع في تفعيل مقتضيات الدستور، بناء على ما اعتمده التقطيع الجهوي من معطيات جغرافية وتاريخية وثقافية، ومن مؤهلات اقتصادية واجتماعية وبيئية، لإفراز أقطاب جهوية قادرة على إحداث دينامية تنموية، تعود بالخير على الساكنة، وتساهم في بث روح المنافسة الشريفة بين الجهات…
ولإنجاح هذه المرحلة المفصلية في تاريخ البلاد، وجعلها منطلق إصلاحات عميقة تناسب روح العصر، يقتضي الواجب الوطني علاوة على الإقبال الكثيف للمواطنين واستخدام ضمائرهم، القطع مع الممارسات المشينة ومخلفات العهد البائد، الضرب بيد من حديد على من يمس بنزاهة الانتخابات، حتى نتمكن من فرز نخب سياسية مؤهلة لتدبير الشأن المحلي، وبث الأمل في النفوس والمراحل القادمة. ويتعين على الهيئات السياسية تجديد نخبها وتقديم مرشحين من ذوي الكفاءة والاستقامة، وأن يمتلك المرشح رؤية واضحة عن العمل الجماعي، يكون ملما بالقوانين، مستعدا للقيام بواجبه وواعيا بالتحديات التي تواجهها الجهة والإقليم والجماعة، وفي مستوى الالتزام بتعهداته وتحقيق تطلعات الساكنة.
ذلك أنه في إطار ترسيخ خيار اللامركزية الإدارية، جاءت تجربة الجماعات المحلية، بهدف توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية ومؤسسات محلية مستقلة، يخول لها القانون صلاحيات تدبير الشأن المحلي. وعملا على تعزيز هذا الخيار، أحدث نظام الجهات لتطوير آليات الاشتغال وحسن استغلال الموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة.
والجماعة المحلية وحدة ترابية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تنقسم إلى جماعات حضرية وأخرى قروية، وتنتخب ساكنتها مجلسا جماعيا يعنى بتدبير شؤونها ديمقراطيا وطبق القانون، كما أنها تعد شريكا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية داخل التراب الوطني، متى كانت الشروط الدستورية والقانونية والاقتصادية متوفرة لها، وتضافرت جهود الجميع للنهوض بأوضاع المواطنين. وبما أن دستور البلاد يؤسس للمقاربة التشاركية، فإن الأمر يقتضي إشراك كافة فعاليات المجتمع المدني، المؤسسات العمومية، الجمعيات والمنظمات النقابية، وأن يتم تداول المعلومات بين سائر المتدخلين للتشخيص الجيد والتخطيط المثمر، وخلق فضاءات للتشاور وتبادل الخبرات، والمساهمة في إعداد المشاريع والبرامج الحقيقية والسهر على تنفيذها.
وللجماعات المحلية اختصاصات اقتصادية واجتماعية عدة، يستلزم الاضطلاع بدورها التنموي في ظروف سليمة، عدم التدخل في شؤونها وعرقلة سير أعمالها، لأن الرهان الأكبر هو أن تتشكل مجالس جماعية قوية، بناء على انتخابات شفافة ونزيهة حسب إرادة الناخبين، تشرف على التنظيم والتسيير، وتعمل بتنسيق مع مختلف المجالس الإقليمية والجهوية من أجل الحفاظ الفعلي على ممتلكاتها، ضبط وترشيد الموارد المتوفرة لديها، السهر على تنميتها بعناية فائقة، البحث عن أخرى جديدة، وحسن استثمارها بما يكفل تحقيق إقلاع اقتصادي متكامل، ويخدم مصالح الساكنة في مجالات عدة: تعليم، صحة، سكن… توفير البنيات التحتية الأساسية، الحد من البطالة، وإحداث مشاريع سوسيو ثقافية ورياضية: دور شباب، أندية ثقافية وفنية، مكتبات عمومية وملاعب رياضية… إعفاء المواطنين من كثرة الضرائب المختلفة، تخليق الحياة العامة، القضاء على مظاهر الانحراف، معالجة الأمراض الاجتماعية ودعم الجمعيات والمؤسسات التعليمية…
إننا اليوم نقف في مفترق الطرق أمام حدث تاريخي بارز، ولم يعد مسموحا لنا الاستمرار في الانزواء في العتمة بعيدين عن مجريات الأحداث، بدعوى وجود « تماسيح وعفاريت » متغطرسة تصعب مواجهتها ومحاربتها، في غياب المراقبة الصارمة، ربط المسؤولية بالمحاسبة والمناخ الديمقراطي المحفز على الانخراط في الحياة السياسية. فنحن الذين نصنع ديمقراطيتنا ونحمي ثرواتنا، وكل تهاون أو تخاذل منا سيؤدي إلى إخلاف موعد التغيير الذي طالما انتظرنا حلوله بشوق، ونعطي بذلك الفرصة من جديد لعودة نفس الوجوه البالية من المفسدين ومحترفي الانتخابات، للعبث بمصالحنا واختلاس وتهريب أموالنا، ما قد يساهم في تعطيل عجلة التنمية وإجهاض آمال وأحلام الشعب في العيش الكريم، ويجعل مجالس جماعاتنا المحلية تعيش تحت رحمة رؤساء متسلطين وأدوات طيعة في يد السلطة الوصية، منغلقة على نفسها وغير متفاعلة مع المواطنين ومكونات الرأي العام المحلي والمجتمع المدني، فتتحول بذلك إلى إدارات بيروقراطية فاسدة، فاقدة للتمثيلية والشرعية السياسية.
علينا أن نسارع إلى الوقوف ضد مظاهر الفساد الانتخابي، والقطع مع جميع السلبيات التي تجرنا إلى الخلف، فالمغرب مقارنة مع الكثير من الدول في محيطه الإقليمي، يملك من المقومات التاريخية والسياسية ما يؤهله لإحراز التقدم والرخاء، بيد أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والوطنية رهين بمدى نجاح التنمية المحلية، مما يدعو إلى الاهتمام بالجماعات المحلية، وحرص الجهات الترابية على مساعدة الفقيرة منها وتطوير أدائها وإرساء ثقافة المواطنة الصادقة.
وإذا كنا نروم فعلا بناء جماعات محلية وتأهيل مواردها البشرية وفق منظور حديث، حتى تكون قوة اقتراحية ودعامة حقيقية للسياسات العمومية وترسيخ الحكامة المحلية، فإن الضرورة تستدعي عدم التلاعب بالانتخابات ورسم خرائط سياسية حسب المقاس، تكوين مجالسها بأطر ذات مؤهلات فكرية عالية وأخلاق رفيعة، وأن تحرص السلطة الوصية على احترام بنود الميثاق الجماعي، لضمان استقلالية قراراتها وتثمين دورها التنموي إلى جانب باقي المؤسسات الجهوية والإقليمية والمحلية…
اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *