Home»Correspondants»الهجرة التي نعيشها ١

الهجرة التي نعيشها ١

0
Shares
PinterestGoogle+

الهجرة كما نعيشها-(١)

 

يعتبر الغوص في التجارب الإنسانية من أصعب التحديات التي تقف سدا منيعا اتجاه فهم أعمق وأدق للظاهرة وتجلياتها. فالتعاطي مع الأحداث ومسبباتها وتبعاتها يختلف تبسيطه حسب الموقع والأرضية التي ينهل منها أو ينطلق منها  الباحث في سعيه عن « الحقيقة ». وتختلف مستويات التحليل باختلاف أو تنوع أدوات تفكيك الظواهر. فالسؤال الجوهري الذي يصدم كل من يحمل هم الكتابة هو التالي »أي أدوات نقدية أستطيع من خلالها النفاذ إلى جوهر القضية..؟ » بعبارة أخرى هل » العدةالمعرفية التي أملكها قادرة على فك لغز الظواهر..؟ ». إن جدية هذه الأسئلة هي التي تجنبنا الوقوع في فخ القصة المعهودة عن الذي ومنذ نعومته استيقظ و مطرقة بيده، فصاحبته طول حياته معتقدا أن كل ما يراه هم مجموع مسامير هنا وهناك… صندوق العدة المعرفية كلما تنوع، كلما جنبنا قصة امتلاك المطرقة.

 

تأتي هذه التوطأة تمهيدا لموضوع شائك يتجسد في تجربة إنسانية خالصة تهم هجرة الإنسان التي صاحبته منذ ترحاله بحثا عن الأمن الذاتي والغذائي. الهجرة لم تعد حقلا يحوم حول المسببات الإقتصادية والسياسية لعملية حزم الحقائب ثم المغادرة. الهجرة اليوم أصبح ينظر إليها من منظور أمني. ولعل ما تقدمه مدرسة « كوبنهاكن » للدراسات الأمنية النقدية حول مفوم « الأمن » تندرج في تفكيك الإستعمال السياسي للهجرة وجعلها أولوية أمنية. نفس التوجه الأمني ركزت عليه كل من مدارس فرانكفورت، بلاد الغال، وباريس. هذه الأخيرة أي مدرسة باريس للأمن تكشف النقاب عن عملية بناء و »اختراع » للخبراء في الأمن حيث تعتبر في حد ذاتها مساهمة لفهم كيفية تلاعب صناعة الخبراء للتهديد والعدو.

 

رصيد هجرة امتدت من دول المشرق العربي إلى دول أمريكا الشمالية مكننا أن نلج عوالم التمحيص في الظواهر الإجتماعية هنا وهناك. مستعملين أدوات المقارنة، مصارعين مع  أنفسنا حتى تكون أحكامنا أكثر موضوعية على الرغم من علمنا أن الذاتية تنفلت وتتسرب عبر ثغرات معتقدين أن ما نحن بصصده هو موضوعية محصنة.

 الخلاصة المتواضعة التي قد نجزم بمدى صحتها ا هي أن آبناء الجنوب تم استقدامهم ليخدموا أبناء الشمال وليسدوا ثغرات غير محبدة في دول المركز. ارتحل أبناء الجنوب متكبدين عناء التهميش والإحتقار ليجدوا أنفسهم في هوامش « ناعمة ».حينما تقع « انزلاقات » لبعض أبناء الجنوب في ولوج نادي المركز يطلق على هذه الإنفلاتات بالإندماج الناجح.

 

 قبل ربط الأمتعة وشد الرحال إلى ماوراء المحيطات كان همنا هو الرحيل،  المهم هو الرحيل. راودتنا أحلام الرفاهية والتباهي على الآخرين المستضعفين،  ثم عجزنا عن الإجابة بمجرد وطأة أقدامنا يابس أرض تم تصويرها في أذهاننا  أنها الجنة، وأن عملية التأقلم مسألة وقت لأن حصيلتنا المعرفية وتخرجنا من مدرسة الحياة ببلدي المغرب كافية أن تجعل من التجربة هينة.

 تتهاطل أسئلة تلو الأخرى عن طرق الإندماج وسلك المنهج الصحيح داخل مجتمع يتحرك بميكانزمات إقتصاد السوق، ويدخل حياتك في حسابات العرض والطلب. تتأكد أن من هندس وخطط لسياسات الهجرة تجاوز ذكاؤه عملية إستقدام المهاجرين ودمجهم داخل المجتمعات، حيث أصبح الرمز البريدي لكل شخص هو المؤشر الذي تربط به كل حياة المهاجر. الرمز البريدي ببساطة هو رقم الحي المؤلف من حروف أبجدية وأرقام حسابية. الصحة والتعليم والنقل والمرافق العمومية كلها مرتبطة بالحي الذي تقطن به. بعيارة أدق الدخل الفردي هوالمؤشر الذي تحوم حوله حياة الفرد بالغرب. الدخل الفردي هو من  يجعل من الأبناء ولوج المدارس المعروفة بالجودة، نوعية الأنشطة الممارسة فيها. ذوي الدخل المحدود يبعثون أبناءهم نحو مراكز إجتماعية يجتمع فيها كل أطفال الجنوب حيث الصخب وقلة الجودة.  أمثلة كثر لا نود الإسترسال في سردها.

 المهم في هذه المرحلة من التحليل أن كل هذه المفارقات تدور في كنف شعار عريض إسمه الديموقراطية الغربية.

 هل كتب على المهاجر أن يعيش داخل تصنيف الطبقة العاملة المحدودة الآفاق، هل سوف يكتب على أبنائه ربط توقعاتهم بمآل والدهم ؟ وفي ظل هذا الصخب  تصم أذانك عبارات الإستحقاق والمساواة والعدل كل أرجاء المدينة.

 

 » ليس المهم ماذا تعرف ولكم المهم من تعرف » هذا أول درس يلقن للطاقات المؤهلة القادمة من دول الجنوب. لكن سؤال » من نعرف » مرتبط بالزبونية والمحسوبية  التي عهدناها في بلداننا الأصلية، وهي أمور يحشد لها الجهد من أجل محاربتها. لكن هنا لا يعتبرونها زبونية بل هي الحظ السعيد واللباقة. فلا أحد يسأل عن هذا السلوك مع العلم أن ما معدله ثمانين بالمائة من الوظائف تتم عن طريق المعارف والوساطات. وتبقى عشرون بالمائة هي مجموع وظائف يعلن عنها في وسائل الإعلام المقروءة.

أول جريمة قتل وقعت قرب الحي الذي أقطن به كانت رصاصة طائشة من سيارة أصابت أبا كان ينتظر ابنته عند موقف الحافلات. الدهشة أن الإعلام لم يتحدث عن التسيب أو « السيبة » كما نتداولها بالمغرب بل نزلت مقالة في أول صفحات تلك اليومية تحت العنوان العريض  » أب يقتل: كان في المكان الخاطئ، في الوقت الخاطئ! ». ثم تتوالى تلك الصدمات « الثقافية » تلو الأخرى حتى تصبح جزءا ممأسسا داخل نسق مجتمعي لم تكن لفترة تعتقد سكونيته.

في  مدارس الأولاد تجد بعض الصفوف الإظافية الجاهزة لتخفيف اكتضاض الفصول. هذه الفصول الجاهزة عبارة عن حجرات تشبه تلك الحجرات التي درسنا بها في إعدادية النجود العليا قبل أن تصير مدرسة. كنا نسميها أنذاك ببيوت « الدجاج ». لم أجد أحدا انتقد هذا الفصل الطائر.

 

 تجدر الإشارة هنا أننا في المدينة الإقتصادية لدول أمريكا الشمالية.

 

تستيقظ  باكرا في اليوم  الموالي وتجد تلك الوجوه الشاحبة داخل خافلات المدينة أنهكها عمل وضيفتين لسد ضرائب وحاجيات البيت.  لتجد أسعار المواد الغذائية ارتفعت ولا أحد يناقش ولاأحد يسأل. تنتشر المخدرات في صفوف المراحل الإعدادية والثانوية. بل الأذهى من ذلك هو السماح للمواطنين غرس وإنتاج كمية من « مخدر شبيه بالحشيش » في حدائق بيوتهم شرط أن لا تتعدى الكمية كيلوغراما واحدا. فيغرق الشباب في الإستهلاك والإدمان. ثم تتوالى الصدمات وتتعود على الفوارق الصارخة.

قد يتساءل سائل عن قوة القانون ونجاعة تطبيقه. إلا أن الخوض فيه يكشف حقيقة محورية حيث تمت هندسة القوانين وجعلت تطبيقها ينحصر بالأساس على البسطاء لأن الأثرياء لديهم قنواتهم الخاصة وآبوابهم السرية. إن الإصطفاف في الطوابير والوقوف عند الإشارات الحمراء ليس مقياسا حقيقيا لمدى تطبيق القانون ونعت أصحابها بالمتحضرين. المقيلس الحقيقي هوإلقاء نظرة مثلا في الشارع الرئيسي داخل العاصمة الفدرالية حيث يعج بالمتسولين والمدمنين. كل هذا يقع في دولة تصنف ضمن الدول الخمس الأكثر غنى في العالم.

     

لست بصدد الحديث عن هجرة اقتناء العقار في البلد الأم وقيادة سيارة فخمة. إنني أتحدث عن أكبر عملية غسيل لأدمغة الأفراد  يكتشفها المهاجر داخل « الديموقراطيات الغربية »  ومع مرور الزمن يصبح بل يمأسس هذا المهاجر ويصبح جزءا من منظومة أعدت سلفا لاستغلاله،  ويوهم أبناء جلدته من الذين تركهم وتقاسم معهم الآهات أنه في الجنة ينعم.

 

عبدالقادر فلالي. أوتاوا- كندا

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *