Home»Correspondants»فرضية في بناء الدولة.(1)

فرضية في بناء الدولة.(1)

0
Shares
PinterestGoogle+

إستنزفنا الكثير من الوقت ، أضعنا كثيرا من محطات الإقلاع وما زلنا نستنزف أجيالا في السجال والتنكيل والوعيد.  أستنزفنا قوانا العقلية في تخوين بعضنا، إستنزفنا أجيالا نجتر عبارات حقب غابرة. ورث أبناؤنا السجال والهجاء والمدح  والقذف.  والضحية هو الإنسان أكبر رهانات الدولة. هذا الإنسان، هذا الكنز الثمين لا يعيش لوحده ، يُخلق في الجماعة ويعيش داخل الجماعة وينتهي مع الجماعة ملتزما بمراسيم الجماعة ومحتاطا من عقاب الجماعة. هذه الجماعة تنسج معالم عصبية خلدونية مؤسسة لمفهوم الدولة الحديث . فمنذ ابن  خلدون حتى الآن لم نطور مشروعا فكريا عن مفهوم الدولة. كل ما لدينا مجموع مقالات وكتب متناثرة  هنا وهناك عن الفكر السايسي الإسلامي. نقصد بذلك مشروعا فكريا إسلاميا قائما بذاته يحاكي اسئلة القرن الواحد والعشرين .

مشروع  يُمأسس النص القرآني ويجعله قادرا على الإجابة عن معضلات القرن، كجعل ركن الزكاة مؤسسة قائمة بذاتها تساهم في بناء دولة الرعاية. أخذ النص القرآني والإجتهاد فيه بغية جعله مؤسسة مدنية تُفحم كل التأويلات التي تُرجح فرضية أن الإسلام هو سبب الوعكة. تقليص الفوارق الطبقية عن طريق تشجيع للإقتصاد الجماعي التضامني وليس الإجتماعي حيث يصبح العامل مساهما ومقتسما لأرباح التعاونية. كيف نواجه سنوات الجفاف ونذرة القمح. مقولة الجفاف واستيراد الحبوب ماهي إلا ذريعة المنهزم الذي فقد بوصلته. هل نُعزيها لقلة تساقط الأمطار؟ كيف بإمكاننا تخزين الحبوب كما فعل النبي يوسف عليه السلام الذي لم يتلقى فنون إدارة الأزمات في المدرسة اللندنية، ولم يتأثرب « كينز » و لا ب » فريدمان ». أدار أزمة بتبصر وحنكة الإقتصادي الإستراتيجي . طالب أن يُترك القمح في سنبلته ، ونصح الجميع بترشيد الإستهلاك في السنوات السمان ، سنوات الخير. ليأتي « مينيارد كينز » عالم الإقتصاد البريطاني الذي جنب أزمة  1929  من إنهيار عالمي وشيك ويبني نظريته مماثلة للمدرسة اليوسفية . إضافة إلى تخفيفه حدة البطالة، طالب « كينز » تدخل الدولة في تنظيم السوق . ثم نصح المستهلك بعدم البذخ والإسراف حتى في سنوات النمو. فهاهي ثمان قرون مرت ونحن نشخص الحالة السياسية ونحلل بناء الدولة مركزين على تنظير « ماكس فيبر » ومفهومه للدولة داخل المجتمع الأوروبي. مفهوم كل من « أوزلاك » ، « كليرمو أودونيل » و  » ثيدا سكاشبول »  للدولة في دول أمريكا اللاتينية.

 نتقاذف  ونتنابز الأ لقاب، بل نعيد مشهد الغزالي وابن رشد. فأصبحت تُنعت المبادرات الفكرية بالإدارية، و »المخزنية » وأخرى توصف بالفاشية حينما تحاكي هم شريحة ما. واستقى الجميع مسلّمة « أنعتك بما يحلو لي ما دمت لا توافقني » فأنجب لنا الإعلام العربي بمحطاته  الفضائية أبطالا في السياسة، بل وزعت خلاله صكوك غفران لفئة واُعدمت فئة أخرى. سُلمت أوسمة المفكر القومي، والمحلل الإستراتيجي، والناشط السياسي مجانا . وهذا يقدم نفسه باحثا وآخر فُطحلا في جميع العلوم ، وكل من يبدي بداءة لوطنه فذلك رهان نجاح ذلك المنبر. فتميع مشروع المعرفة المجتمعية. سئم المتلقي من إعادة سرد لنفس الأسطوانة التي صاحبتنا منذ الإستقلال لكنها بأغلفة وألوان جديدة. فأصبح تحليل السياسة في العالم العربي إنطلاقا من هكذا مفاهيم. بعض من درس أو تأثر بالغرب يستعير بل يُسقط حمولة الدولة الديموقراطية التي تجعل من الفرد مركزية عملها في فردانية مطلقة، فيُلزم هذا المتتبع إتخاذ نفس الخطوات من أجل التقدم ناسيا بذلك مفهوم الجماعة كنظام ينسج العلاقات الإجتماعية. الدولة هي مجموع مؤسسات، من شرطة وجيش ، لديها جغرافية محدودة ومحددة. هي الوحيدة المالكة لاستعمال القوة المشروعة ولم أرد أن أستعمل « عنف » لآنها هي الواردة في تلك مفاهيم. إنه لمن الخطئ  الإستمرار في إلزامية عملية تدوير الفضلات السياسية من هنا وهناك وتحويلها نموذجا محليا.

 إن المقياس الذي نميز من خلاله بين مجتمع  وآخر، بين أمة وأخرى هو مؤشر النضج : كي يكون بإمكان مجتمع ما الرقي إلى درجة النضج  فلابد أن تستجيب مواصفاته « لدفتر تحملات » شرطه الأساسي امتلاك نظرة للواقع بعيدة عن العبث والإرتجالية. سورة يوسف عليه السلام من أحب السورالقرآنية  لدي. لم ينعت سيدنا يوسف عليه السلام الملك  الذي لم يكن مسلما بالفاسد والكافر. لم يرد لنفسه أن يُسهب في سرد الجور والظلم الذي لحق به، لم يرد لنفسه أن يكون ضحية وهاهي الفرصة امامه للقصاص. بل وفي عز أزمة مقبلة على البلاد تأتي الأخضر واليابس تطوع طالبا من الملك أن يجعله على خزائن الدنيا، فكان ذلك. حاجياتنا الملحة اليوم هي إنتاج يوسفيين  من داخل المدرسة المجتمعية المغربية قادرين على ترشيد الحكامة وتحسين عيش الأفراد. العلامة عبدالقادر الجيلاني حينما انعزل عن العمل السياسي وانكب على تأسيس مدارس هنا وهناك في الفترة العباسية، عُوتب لهذا القرار إلا أن النتيجة   بعد مائة سنة  وهبتنا  مدارس العلامة شخصية إسلامية غيرت مجرى الجغرافية السياسية آنذاك إنه صلاح الدين الأيوبي. ابن خلدون يُقر أن العصبية لوحدها غير قادرة على الصمود، بل في مجتمع جماعي يلزمها الصبغة الدينية تلك الدعامة التي تشد عضد العصبية ولا تجعلها تنكسر.  

مللنا الأستاذية والتشخيص الممل الذي لايختلف عن تشخيص عامل بمحطة « القامرة » أو حارس بسوق مليلية بوجدة أو بأستاذ من هنا أو هناك، الإختلاف الوحيد في التشخيص يكمن في أدوات تجميلية للجمل. هل نُعيد إجترار الحشو والإطناب ونهلك أجيالا قادمة. على من يملكون أدوات فقهية أن ينكبوا على تفكيك النصوص القرآنية والجلوس مع الإقتصادي والإعلامي والسياسي والفاعل الإجتماعي مبتعدين عن الإفتاء السطحي. وهنا يبدأ تنافس المتنافسين الحقيقي.

 

عبدالقادر فلالي

دوكتوراه في العلوم السياسية

تورنتو    كندا

www.utsc.utoronto.ca/acnames

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *