Home»International»المقامة الزيدانية

المقامة الزيدانية

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامة الزيدانية

إلى الأخ عبد الوهاب الذي كان ملهما

حدثني صاحبي بحسرة وألم قال:

لم نعد نحلم بل لم  نعد نفكر إطلاقا في ذلك لهول ما نتعرض له من اللكمات والصدمات ،أحلامنا كانت كبيرة بحجم الجبال فذابت شيئا فشيئا إلى أن صارت لا شيء ونحن نعلم أن الحلم مثل الوهم أحيانا بل دائما ومع ذلك كنا نحلم فلولاه لمتنا ،واليوم ها نحن نحمل الراية البيضاء ونطلق الآمال والأحلام ما دامت قد استعصت علينا لقمة العيش، ولم يعد بإمكاننا شرب ماء زلال لنا ولأبنائنا وإنارة نرى بها ما حوالينا ، لأننا لم نعد قادرين على سداد فاتورات أثقلت كاهلنا ،ومزقت جيوبنا المثقوبة والممزقة أصلا، فصرنا نفكر  في طرق أخرى حتى لو كانت بدائية إن وجدت تحفظ لنا البقاء أمام هذه الديناصورات التي أتت على الأخضر واليابس، ولم يبق أمامها إلا أن تخرج فاتورة أخرى ضريبة أخرى سمها ما شئت مثلا الضريبة على البقاء أو الضريبة على قيد الحياة ،ما دمت ستشتغل من المهد إلى اللحد وليس بوسعك أن تأخذ نفسا من هذه الحياة  كإنسان ،ليس بوسعهم الآن إلا أن يحدثوا هذه الضريبة لأنك يا صاحبي تعمر طويلا وكلما عمرت أثقلت عليهم صار بودهم لو تخلصوا منك إلى الأبد حينذاك سوف لن يفكروا لا في الستين ولا في السبعين ولا في المنزلة بين المنزلتين، بل حتى أنت لن تفكر في الآتي ولا في ما ستفعله ،لما أحسست بصاحبي أن الحسرة  قد أخذت منه قاطعته بلطف : لا عليك بعد حين سوف يزفون إليك النبأ السار السعيد فما عليك إلا أن تتابع التلفاز ، استبشر خيرا وإن في حذر شديد فهو يعرف أن  » اللي ما يجي مع العروس ما يجي مع مها أو خالتها  » مع ذلك كانت عينه على التلفاز  ،حتى وهو يهم بالذهاب إلى الصلاة وقد أخذ التيمم ،بطبيعة الحال هو يعرف القاعدة(( وجود الماء يبطل التيمم ))،لكن مغلوب على أمره ومن أين له به فليتيمم ليؤدي الفرض والإثم على صاحب اللحية المصففة الذي منع الماء والكهرباء، صار يفكر أن يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم ،من يدري فتسعيرة الكهرباء طالتها هي الأخرى الزيادة الصاروخية ولربما فكر  صاحبنا وترشيدا للنفقات في قطع الإنارة العمومية سيروا ليلا انتشروا  » شنو فيها شنو كاين آش غادي يوقع  » وبالتالي حتى صلاة الفجر لا بأس أن يصليها في المنزل فالأزقة غير آمنة والإنارة العمومية متوفرة أما في الظلام الدامس فلعله يبحث عن  » جوا منجل  » جال في خاطره وهو الذي تعود  أن ينهض باكرا  أخذا بوصية أبيه  » الفياق بكري من الذهب مشري «  » اللي بغى الدنبا يبكر واللي بغى الآخرة يبكر  » صحيح يا أبتي وأنت الذي ربيتني أن أكون وفيا لوصاياك لكن في هذه فلتسمح لي وليغفر لي ربي فإن الأمور قد تبدلت وتغيرت كنا نظن أنها ستتغير إلى الأحسن لكن ما باليد حيلة، فهؤلاء باعونا جملة خوردة، صرنا نصلي بالتيمم، وفي منازلنا ،كانت في حلق صاحبي غصة عميقة لا لشيء سوى  أنه وثق فيهم ،كان مريدا لهم ،ونحن نراوح الحديث بين الماء والكهرباء والخبز ،إذا بصاحب اللحية يطل علينا من التلفاز، وأنا أراقب صاحبي في  حركاته سكناته وهو يتابع كلمات الشيخ باهتمام : إننا نعدكم بالحور العين المقصورات في الخيام  وبفاكهة مما تتخيرون وبلحم طير مما تشتهون وبأباريق وكأس من معين وب………وهو يعدد وعوده للسامعين والمشاهدين ليختم قوله : كل ذلك في جنات النعيم أما الحياة الدنيا فزائلة فانية  وأنتم تعلمون أن الدنيا ما هي إلا متاع الغرور ، استشاط صاحبي غضبا مما كان يقول فصاح :إن كنت تملك مفاتيح جنات النعيم فأغلقها نحن نريد حليبا لأبنائنا لا نريد معيشة ضنكا أكلنا الشعير ونحن نعلم أنه علف الحمير والآن تريد أن تمنع عنا الماء ،فذاك خط أحمر، ففرشخ التلفاز بتيممه الذي في يده.

                                                   السهلي عويشي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *