Home»Enseignement»دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث التربوي: المعوقات و مداخل الإصلاح

دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث التربوي: المعوقات و مداخل الإصلاح

0
Shares
PinterestGoogle+

دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث التربوي: المعوقات و مداخل الإصلاح

ذ.محمد الخالدي

رئيس الجمعية المغربية لخريجي مركز تكوين مفتشي التعليم

 

يعتبر البحث التربوي من المهام الأصيلة التي تضطلع بها هيئة التأطير و المراقبة التربوية، وفق ما ينص عليه النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطني(المادة4 بالنسبة لمفتشي التعليم الابتدائي،المادة8 المكررة مرتين بالنسبة لمفتشي التعليم الثانوي الإعدادي،المادة 10 بالنسبة لمفتشي التعليم الثانوي التأهيلي،كما أن المجلس الأعلى للتعليم(رأي المجلس الأعلى للتعليم في موضوع تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي، يوليوز2009) اعتبر تنمية البحث التربوي من المبادئ الأساسية التي ينبغي أن يستند إليها مشروع تطوير مهنة التفتيش التربوي إلى جانب التأهيل و التكوين المهني المستمر، الشيء الذي يستدعي وجود آليات تنظيمية و مؤسسية تمكن أطر التفتيش من ممارسة البحث التربوي بشكل فعال و ناجع، و ذلك حتى لا يبقى رهينا بالمبادرة الفردية للمفتش(ة) أو باكراهات التدبير اليومي للمنظومة التربوية. من أجل تفادي الاختلالات التي يمكن أن تترتب عن ذلك، أكد المجلس الأعلى التعليم(2009) على الاستقلالية الوظيفية في المبادرات البيداغوجية، بالنظر لما ينبغي أن يتمتع به الباحث من مسافة تمكنه من ممارسة حق السؤال الذي يعتبر من بديهيات البحث العلمي الرصين.

إن ممارسة المفتش التربوي لمهمة البحث التربوي بحاجة إذن لدعامتين أساسيتين حتى يمارس دوره التطويري المنوط به:

·    الدعامة الأولى : بنية مؤسسية تمكن من احتضان البحث العلمي في قضايا التربية و التكوين و استثمارها في مجالات تطوير المنظومة التربوية.

·    الدعامة الثانية:استقلالية وظيفية تمكن الباحث التربوي من ممارسة حق السؤال و استثماره في سبر الواقع و معالجة اختلالاته.

 

1.      الوضع المؤسسي للبحث التربوي لوزارة التربية الوطنية

إن واقع البحث التربوي ببلادنا يكشف غياب آية بنية مؤسسية تسمح بممارسة المفتش التربوي للبحث العلمي في مجالات تدخله، فحتى مشروع الوحدة المركزية للبحث التربوي الذي راهن على تشجيع و تثمين البحث التربوي، دخل في مرحلة كمون بقدوم الوزير السابق محمد الوفا بعدما عمد إلى توجيه رسالة للباحثين يدعوهم فيها لإرسال أبحاثهم عبر البريد لمصالح وزارته، دون أي توضيح للمبادرة أو لأبعادها أو آليات اشتغالها، مما يعد استهتارا بقيمة الباحث و البحث على السواء و محاولة لإقبار مشروع طموح، كما فعل مع مشروع إرساء الجودة.

إن ربط البحث بالمصالح الادارية للوزارة لا يسهم إلا في تعميق أزمة البحث العلمي في مجالات التربية و التكوين، لأن مكانه الطبيعي هو مؤسسات البحث العلمي، خصوصا تلك التي تجمع بين التكوين و البحث، بالنظر للتكامل الموجود بين الاثنين، الشيء الذي تجسده المؤسسات الجامعية للتعليم العالي أو مؤسسات التعليم العالي التي تتمتع بنفس الامكانيات التنظيمية التي تسمح لها بالجمع ما بين البحث و التكوين لكنها تتبع لقطاعات وزارية غير وزارة التعليم العالي،و التي يصطلح عليها بمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة.

إذن كيف يمكن للمؤسسة التي تسهر على تكوين اطر التفتيش التربوي أن تؤدي الدور المؤسسي المنشود من أجل الارتقاء بممارسة البحث التربوي؟

إن استقراء مجموعة من التجارب الوطنية المتعلقة بتأهيل مؤسسات تكوين الأطر العليا لبعض القطاعات الوزارية يخلص بنا إلى التمييز بين مجموعة من الحالات:

·   المؤسسات التي اعتمدت نظام (LMD) بشكل واضح و كامل،مثل المدرسة الوطنية للصحة العمومية،حيث أصبحت التكوينات التي تقدمها منسجمة مع مسار(إجازة-ماستر-دكتوراه)

·   المؤسسات التي دمجت ما بين تكويناتها المهنية و نظام(LMD)، مثل المعهد الملكي لأطر الشبيبة و الرياضة

·   المؤسسات التي احتفظت بنمط تكويناتها المهنية لكن فتحت أمام خريجيها آفاق البحث و التكوين بالمؤسسات الجامعية، مثل المدرسة الوطنية للإدارة(سابقا)،حيث أن دبلوم سلكها العادي يسمح بالتسجيل بمسلك الماستر أما دبلوم سلكها العالي فيسمح بالتسجيل في تكوينات الدكتوراه.

لكن فيما يتعلق بمركز تكوين مفتشي التعليم فقد اقتضت إرادة وزارة التربية الوطنية موقعته في نظام هجين يتعسف في إبعاد خريجيه عن الجامعة و البحث العلمي الجامعي، وللإشارة فكل المؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية تتبع نفس النهج مع أطرها، حيث أن الأستاذ المبرز الذي قضى سنتين في الأقسام التحضيرية و ثلاث سنوات في سلك التبريز لا يحق له التسجيل في سلك الدكتوراه، الشيء الذي فرض على الكثير من المبرزين إعادة الدراسات الجامعية من الفصل الأول من مسلك الإجازة، بكل ما يمثله ذلك من تضييع للوقت و الجهد و تعميق لأزمة التكوين الجامعي و ما تعانيه مدرجاته من اكتظاظ، خصوصا و أن الكثير من الأطر الحاصلة على دبلومات وطنية عالية تجد نفسها في نفس الموقف، طالما أن نظام التكوين العالي في بلادنا ما زال متخلفا على مستوى الاعتراف بالمسارات العلمية و المهنية للراغبين في تعميق تكوينهم الأكاديمي.

هذا العبث نجده بشكل واضح على مستوى مركز تكوين مفتشي التعليم، فخريجوه الذين أناط بهم القانون مهمة البحث لا يحق لهم التسجيل في سلك الدكتوراه رغم أن المركز مؤسسة لتكوين الأطر العليا التي يتخرج منها أطر مرتبون في السلم الإداري(11)، و التي يشترط في ولوجها شروط أكثر صرامة من السلك العالي للإدارة التي يسمح لحامليه من التقدم للتسجيل في الدكتوراه، الشيء الذي يدفع الكثير من أطر التفتيش التربوي إلى الانخراط في مسارات جامعية بعيدة عن مجالات تخصصهم، طالما أن أبواب البحث العلمي المؤسسي في مجال تكوينهم موصدة أمامهم بسبب الوضع القانوني التي يتمتع به مركز تكوين مفتشي التعليم، رغم توفره على الامكانيات العلمية و التكوينية الضرورية، و  هو ما لا يمكن تفسيره إلا برغبة الوزارة الوصية في إبعاده عن دائرة  الإمكانيات البحثية و الأكاديمية التي  تتمتع بها المؤسسات الجامعية و مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، خصوصا عندما نجد أن المركز يخضع للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي لكن فقط فيما يتعلق بالمقضيات الخاصة بتعيين المدير و نوابه و كذا أجهزة المؤسسة(مجلس المؤسسة،اللجنة العلمية،اللجان الدائمة،مجلس التنسيق)،و هي نفس وضعية كل مؤسسات تكوين اطر وزارة التربية الوطنية،لكن ما سر هذه التبعية الجزئية لقانون01.00 المنظم للتعليم العالي؟

إن ملاحظة بسيطة لهذه المقتضيات تكشف عن إرادة الوزارة الوصية  تمكين إدارة المؤسسة و أطر تدريسها من نفس الامتيازات الإدارية التي يحظى بها زملائهم في التعليم العالي، و هي مسألة محمودة لكن ينقصها الانخراط الكامل في منظومة التعليم العالي بالخضوع لكل مقتضيات القانون01.00، و ذلك من أجل تمكين المركز من كل الآليات التنظيمية التي تسمح بتطوير البحث العلمي و استثماره من طرف هيئة التدريس و الطلبة الباحثين على السواء، ذلك أن هذا الوضع القانوني الهجين ساهم في حالة الركود التي يعيشه المركز منذ سنوات رغم مئات الأبحاث التي ينجزها خريجوه و يشرف عليها أساتذته، مما يستدعي إعادة النظر في المرسوم المنظم لمركز تكوين مفتشي التعليم فيكون مؤسسة للتعليم العالي غير التابعة للجامعة، مما سيعزز الجسور بينه و بين الجامعة،كما سيفتح آفاق التأطير و البحث أمام هيئته التدريسية بخلق مختبرات للبحث و فتح تكوينات لسلك الدكتوراه وفق ما ينص عليه دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الخاص بتكوينات الدكتوراه، أو ببلورة دفتر ضوابط بيداغوجية يراعي خصوصية المركز و رسالته التكوينية.

 

2.     الاستقلالية  :

يعتبر هذا المبدأ من أهم مداخل تكريس الحرية الأكاديمية التي ينبغي أن يستند إليها البحث العلمي،تلك الحرية التي يمكن ضمانها عن طريق:

·        الاستقلال الداخلي للامكانات و المؤسسات القانونية التي تستخدم باحثين علميين

·        التأمين المأمون بطريقة معقولة لهؤلاء الباحثين في وظائفهم

·        تعدد مصادر تمويل البحوث العلمية و خصوصا بحوث احتمالات المخاطرة العالية

·        وجود هيئة مهنية مختصة تتولى تمثيل الباحثين و الدفاع عنهم بصورة جماعية و فردية أيضا عند الاقتضاء

و لتفصيل هذه العناصر نقول إن يتعين بقدر الإمكان على المؤسسات التي تستخدم الباحثين أن تكون هيئات مستقلة و هذا يعني انه فيما يتعلق بالسياسة و التنظيم الداخليين يجب أن يتولاه أعضاء هذه المؤسسات و أجهزتها الإدارية(د.عبد القادر الشيخلي،البحث العلمي بين الحرية و المؤسسية،دار مجدلاوي للنشر و التوزيع،عمان،2001،ص44).

و تجدر الإشارة إلى أن حرية البحث العلمي تحظى بحماية دستورية في كثير من الدول، من بينها المغرب حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 25 من  الدستور المغربي الجديد على أن حرية الإبداع و النشر و العرض في مجالات الأدب و الفن و البحث العلمي و التقني مضمونة. لكن كيف يمكن لهيئة التأطير و المراقبة التربوية أن تقوم بأدوارها في البحث التربوي و الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية لم تحسم بعد في خيار الاستقلالية الوظيفية الذي لا تفرضه فقط ممارسة المفتش التربوي للبحث التربوي، بل هو ضرورة وظيفية لا مناص منها بالنسبة إليه بالنظر لمهمتي الرقابة و التقويم المنوطتين به، الشيء الذي يسمح بفهم الاختلالات التي تعاني هذه المجالات(البحث،الرقابة،التقويم) على مستوى وزارة التربية الوطنية.إذ كيف لجهاز التفتيش أن يقوم بأدواره كاملة في ظل هيمنة الاختيارات السياسوية الضيقة أو التقنية المحدودة في تدبير قطاع يشكل فيه البعد التربوي منطق وجوده؟!

إن فشل نظامنا التربوي بشهادات أهم التقارير الدولية و الوطنية يرجع بشكل كبير لغياب سياسة تربوية واضحة المعالم و محددة الأهداف و المنطلقات، و لكي تكون السياسة التربوية بهذه المواصفات لا بد من وجود مؤسسات بحثية تعمل على البحث عن أكثر الآليات نجاعة لمعالجة الاختلالات الكبرى التي تعاني منها منظومة التربية و التكوين،و العمل على تعزيز الحوار المجتمعي بخصوص الاختبارات الكبرى للمدرسة المغربية و ذلك بتشجيع كل المبادرات الجدية.

و بالنظر للدور الذي يقوم به جهاز التفتيش التربوي على مستوى ممارسة البحث التربوي و القيادة التربوية على مختلف مستويات (المقاطعة التربوية،المنطقة التربية،التنسيق الاقليمي للتفتيش، التنسيق الجهوي للتفتش، التنسيق المركزي للتفتيش)، فلا بد إذن من التصدي لمواطن الخلل التي يعاني منها الجهاز فيما يتعلق بمهمة البحث المنوطة به،و ذلك من خلال ثلاثة مداخل أساسية:

المدخل الأول:تأهيل مركز تكوين مفتشي التعليم،باعتباره مؤسسة لتكوين الأطر العليا لوزارة التربية الوطنية تجمع ما بين التكوين و البحث العلمي، و ذلك بتمكينه من وضع قانوني يلاءم الأدوار التي يقوم بها، و ذلك بمنحه وضع مؤسسة التعليم العالي غير التابعة للجامعة و إخضاعه لكل مقتضيات قانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، بشكل ينعكس بشكل إيجابي على نمط التكوين المعتمد و على آفاق الدبلومات الوطنية التي يسلمها،مع تشجيع خلق وحدات للبحث و التكوين و مركز لتكوينات الدكتوراه، مع ربط المركز بمختلف الجهات المعنية بالبحث التربوي(الوحدة المركزية للبحث التربوي على مستوى قطاع التربية الوطنية، البنيات الاقليمية و الجهوية و المركزية لجهاز التفتيش بقطاع التربية الوطنية، الجامعات، المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين..).

إن تمكين مركز تكوين مفتشي التعليم من نفس الآليات القانونية و التنظيمية التي تتمتع بها مؤسسات التعليم العالي سيفتح أمام أطره و طلبته و خريجيه آفاق المساهمة المؤسسية في تطوير البحث العلمي في قضايا التربية و التكوين مما سيمكن المنظومة التربوية ببلادنا من امتلاك بوصلة توجه مسارات إصلاحها نحو الجودة المنشودة، كما أن المجهودات التي يبذلها الكثير من أطر وزارة التربية الوطنية في متابعة الدراسات العليا بتخصصات متعددة و الانخراط في مشاريع بحثية مختلفة، سيتم الاستفادة منها بتوجيهها لخدمة أكثر القضايا راهنية بالنسبة للمدرسة المغربية طالما أن هناك إمكانية للبحث بمؤسسة وجدت أساسا للمساهمة في تطوير المنظومة التربوية و الارتقاء بفعالية أدائها.

المدخل الثاني: اعتماد  خيار الاستقلالية الوظيفية على مستوى تنظيم  جهاز التفتيش، بحيث يتمكن أطر هذا الجهاز من أداء مهام البحث التربوي بشكل مستقل غير خاضع لاكراهات التدبير اليومي ، في ظل احترام التوجيهات العامة لمنظومة التربية الوطنية، بحيث يحرص الوزير المسؤول على القطاع على تبليغها للمفتشية العامة حتى تكون خارطة طريق لجهاز التفتيش بمختلف مستوياته المحلية و الاقليمية و الجهوية و المركزية، و هو ما يجعل من الاستقلالية الوظيفية أداة فعالة في تنزيل مقتضيات السياسة التربوية الوطنية و تطوير أدائها، خصوصا إذا تم تعزيزها ببنية تنظيمية و لوجيستيكية ناجعة.

المدخل الثالث: خلق قنوات مؤسسية تمكن أطر التفتيش التربوي من المساهمة في الأبحاث التربوية المنجزة بمختلف المؤسسات المعنية بالبحث  العلمي في مجالات التربية و التكوين(مركز تكوين مفتشي التعليم، المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، الجامعات،….)

 

 

 دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث التربوي: المعوقات و مداخل الإصلاح

 

ذ.محمد الخالدي

مفتش تربوي

رئيس الجمعية المغربية لخريجي مركز تكوين مفتشي التعليم

 

يعتبر البحث التربوي من المهام الأصيلة التي تضطلع بها هيئة التأطير و المراقبة التربوية، وفق ما ينص عليه النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطني(المادة4 بالنسبة لمفتشي التعليم الابتدائي،المادة8 المكررة مرتين بالنسبة لمفتشي التعليم الثانوي الإعدادي،المادة 10 بالنسبة لمفتشي التعليم الثانوي التأهيلي،كما أن المجلس الأعلى للتعليم(رأي المجلس الأعلى للتعليم في موضوع تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي، يوليوز2009) اعتبر تنمية البحث التربوي من المبادئ الأساسية التي ينبغي أن يستند إليها مشروع تطوير مهنة التفتيش التربوي إلى جانب التأهيل و التكوين المهني المستمر، الشيء الذي يستدعي وجود آليات تنظيمية و مؤسسية تمكن أطر التفتيش من ممارسة البحث التربوي بشكل فعال و ناجع، و ذلك حتى لا يبقى رهينا بالمبادرة الفردية للمفتش(ة) أو باكراهات التدبير اليومي للمنظومة التربوية. من أجل تفادي الاختلالات التي يمكن أن تترتب عن ذلك، أكد المجلس الأعلى التعليم(2009) على الاستقلالية الوظيفية في المبادرات البيداغوجية، بالنظر لما ينبغي أن يتمتع به الباحث من مسافة تمكنه من ممارسة حق السؤال الذي يعتبر من بديهيات البحث العلمي الرصين.

إن ممارسة المفتش التربوي لمهمة البحث التربوي بحاجة إذن لدعامتين أساسيتين حتى يمارس دوره التطويري المنوط به:

·   الدعامة الأولى : بنية مؤسسية تمكن من احتضان البحث العلمي في قضايا التربية و التكوين و استثمارها في مجالات تطوير المنظومة التربوية.

·   الدعامة الثانية:استقلالية وظيفية تمكن الباحث التربوي من ممارسة حق السؤال و استثماره في سبر الواقع و معالجة اختلالاته.

 

1.     الوضع المؤسسي للبحث التربوي لوزارة التربية الوطنية

إن واقع البحث التربوي ببلادنا يكشف غياب آية بنية مؤسسية تسمح بممارسة المفتش التربوي للبحث العلمي في مجالات تدخله، فحتى مشروع الوحدة المركزية للبحث التربوي الذي راهن على تشجيع و تثمين البحث التربوي، دخل في مرحلة كمون بقدوم الوزير السابق محمد الوفا بعدما عمد إلى توجيه رسالة للباحثين يدعوهم فيها لإرسال أبحاثهم عبر البريد لمصالح وزارته، دون أي توضيح للمبادرة أو لأبعادها أو آليات اشتغالها، مما يعد استهتارا بقيمة الباحث و البحث على السواء و محاولة لإقبار مشروع طموح، كما فعل مع مشروع إرساء الجودة.

إن ربط البحث بالمصالح الادارية للوزارة لا يسهم إلا في تعميق أزمة البحث العلمي في مجالات التربية و التكوين، لأن مكانه الطبيعي هو مؤسسات البحث العلمي، خصوصا تلك التي تجمع بين التكوين و البحث، بالنظر للتكامل الموجود بين الاثنين، الشيء الذي تجسده المؤسسات الجامعية للتعليم العالي أو مؤسسات التعليم العالي التي تتمتع بنفس الامكانيات التنظيمية التي تسمح لها بالجمع ما بين البحث و التكوين لكنها تتبع لقطاعات وزارية غير وزارة التعليم العالي،و التي يصطلح عليها بمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة.

إذن كيف يمكن للمؤسسة التي تسهر على تكوين اطر التفتيش التربوي أن تؤدي الدور المؤسسي المنشود من أجل الارتقاء بممارسة البحث التربوي؟

إن استقراء مجموعة من التجارب الوطنية المتعلقة بتأهيل مؤسسات تكوين الأطر العليا لبعض القطاعات الوزارية يخلص بنا إلى التمييز بين مجموعة من الحالات:

·   المؤسسات التي اعتمدت نظام (LMD) بشكل واضح و كامل،مثل المدرسة الوطنية للصحة العمومية،حيث أصبحت التكوينات التي تقدمها منسجمة مع مسار(إجازة-ماستر-دكتوراه)

·   المؤسسات التي دمجت ما بين تكويناتها المهنية و نظام(LMD)، مثل المعهد الملكي لأطر الشبيبة و الرياضة

·   المؤسسات التي احتفظت بنمط تكويناتها المهنية لكن فتحت أمام خريجيها آفاق البحث و التكوين بالمؤسسات الجامعية، مثل المدرسة الوطنية للإدارة(سابقا)،حيث أن دبلوم سلكها العادي يسمح بالتسجيل بمسلك الماستر أما دبلوم سلكها العالي فيسمح بالتسجيل في تكوينات الدكتوراه.

لكن فيما يتعلق بمركز تكوين مفتشي التعليم فقد اقتضت إرادة وزارة التربية الوطنية موقعته في نظام هجين يتعسف في إبعاد خريجيه عن الجامعة و البحث العلمي الجامعي، وللإشارة فكل المؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية تتبع نفس النهج مع أطرها، حيث أن الأستاذ المبرز الذي قضى سنتين في الأقسام التحضيرية و ثلاث سنوات في سلك التبريز لا يحق له التسجيل في سلك الدكتوراه، الشيء الذي فرض على الكثير من المبرزين إعادة الدراسات الجامعية من الفصل الأول من مسلك الإجازة، بكل ما يمثله ذلك من تضييع للوقت و الجهد و تعميق لأزمة التكوين الجامعي و ما تعانيه مدرجاته من اكتظاظ، خصوصا و أن الكثير من الأطر الحاصلة على دبلومات وطنية عالية تجد نفسها في نفس الموقف، طالما أن نظام التكوين العالي في بلادنا ما زال متخلفا على مستوى الاعتراف بالمسارات العلمية و المهنية للراغبين في تعميق تكوينهم الأكاديمي.

هذا العبث نجده بشكل واضح على مستوى مركز تكوين مفتشي التعليم، فخريجوه الذين أناط بهم القانون مهمة البحث لا يحق لهم التسجيل في سلك الدكتوراه رغم أن المركز مؤسسة لتكوين الأطر العليا التي يتخرج منها أطر مرتبون في السلم الإداري(11)، و التي يشترط في ولوجها شروط أكثر صرامة من السلك العالي للإدارة التي يسمح لحامليه من التقدم للتسجيل في الدكتوراه، الشيء الذي يدفع الكثير من أطر التفتيش التربوي إلى الانخراط في مسارات جامعية بعيدة عن مجالات تخصصهم، طالما أن أبواب البحث العلمي المؤسسي في مجال تكوينهم موصدة أمامهم بسبب الوضع القانوني التي يتمتع به مركز تكوين مفتشي التعليم، رغم توفره على الامكانيات العلمية و التكوينية الضرورية، و  هو ما لا يمكن تفسيره إلا برغبة الوزارة الوصية في إبعاده عن دائرة  الإمكانيات البحثية و الأكاديمية التي  تتمتع بها المؤسسات الجامعية و مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، خصوصا عندما نجد أن المركز يخضع للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي لكن فقط فيما يتعلق بالمقضيات الخاصة بتعيين المدير و نوابه و كذا أجهزة المؤسسة(مجلس المؤسسة،اللجنة العلمية،اللجان الدائمة،مجلس التنسيق)،و هي نفس وضعية كل مؤسسات تكوين اطر وزارة التربية الوطنية،لكن ما سر هذه التبعية الجزئية لقانون01.00 المنظم للتعليم العالي؟

إن ملاحظة بسيطة لهذه المقتضيات تكشف عن إرادة الوزارة الوصية  تمكين إدارة المؤسسة و أطر تدريسها من نفس الامتيازات الإدارية التي يحظى بها زملائهم في التعليم العالي، و هي مسألة محمودة لكن ينقصها الانخراط الكامل في منظومة التعليم العالي بالخضوع لكل مقتضيات القانون01.00، و ذلك من أجل تمكين المركز من كل الآليات التنظيمية التي تسمح بتطوير البحث العلمي و استثماره من طرف هيئة التدريس و الطلبة الباحثين على السواء، ذلك أن هذا الوضع القانوني الهجين ساهم في حالة الركود التي يعيشه المركز منذ سنوات رغم مئات الأبحاث التي ينجزها خريجوه و يشرف عليها أساتذته، مما يستدعي إعادة النظر في المرسوم المنظم لمركز تكوين مفتشي التعليم فيكون مؤسسة للتعليم العالي غير التابعة للجامعة، مما سيعزز الجسور بينه و بين الجامعة،كما سيفتح آفاق التأطير و البحث أمام هيئته التدريسية بخلق مختبرات للبحث و فتح تكوينات لسلك الدكتوراه وفق ما ينص عليه دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الخاص بتكوينات الدكتوراه، أو ببلورة دفتر ضوابط بيداغوجية يراعي خصوصية المركز و رسالته التكوينية.

 

2.     الاستقلالية  :

يعتبر هذا المبدأ من أهم مداخل تكريس الحرية الأكاديمية التي ينبغي أن يستند إليها البحث العلمي،تلك الحرية التي يمكن ضمانها عن طريق:

·        الاستقلال الداخلي للامكانات و المؤسسات القانونية التي تستخدم باحثين علميين

·        التأمين المأمون بطريقة معقولة لهؤلاء الباحثين في وظائفهم

·        تعدد مصادر تمويل البحوث العلمية و خصوصا بحوث احتمالات المخاطرة العالية

·        وجود هيئة مهنية مختصة تتولى تمثيل الباحثين و الدفاع عنهم بصورة جماعية و فردية أيضا عند الاقتضاء

و لتفصيل هذه العناصر نقول إن يتعين بقدر الإمكان على المؤسسات التي تستخدم الباحثين أن تكون هيئات مستقلة و هذا يعني انه فيما يتعلق بالسياسة و التنظيم الداخليين يجب أن يتولاه أعضاء هذه المؤسسات و أجهزتها الإدارية(د.عبد القادر الشيخلي،البحث العلمي بين الحرية و المؤسسية،دار مجدلاوي للنشر و التوزيع،عمان،2001،ص44).

و تجدر الإشارة إلى أن حرية البحث العلمي تحظى بحماية دستورية في كثير من الدول، من بينها المغرب حيث تنص الفقرة الثانية من الفصل 25 من  الدستور المغربي الجديد على أن حرية الإبداع و النشر و العرض في مجالات الأدب و الفن و البحث العلمي و التقني مضمونة. لكن كيف يمكن لهيئة التأطير و المراقبة التربوية أن تقوم بأدوارها في البحث التربوي و الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية لم تحسم بعد في خيار الاستقلالية الوظيفية الذي لا تفرضه فقط ممارسة المفتش التربوي للبحث التربوي، بل هو ضرورة وظيفية لا مناص منها بالنسبة إليه بالنظر لمهمتي الرقابة و التقويم المنوطتين به، الشيء الذي يسمح بفهم الاختلالات التي تعاني هذه المجالات(البحث،الرقابة،التقويم) على مستوى وزارة التربية الوطنية.إذ كيف لجهاز التفتيش أن يقوم بأدواره كاملة في ظل هيمنة الاختيارات السياسوية الضيقة أو التقنية المحدودة في تدبير قطاع يشكل فيه البعد التربوي منطق وجوده؟!

إن فشل نظامنا التربوي بشهادات أهم التقارير الدولية و الوطنية يرجع بشكل كبير لغياب سياسة تربوية واضحة المعالم و محددة الأهداف و المنطلقات، و لكي تكون السياسة التربوية بهذه المواصفات لا بد من وجود مؤسسات بحثية تعمل على البحث عن أكثر الآليات نجاعة لمعالجة الاختلالات الكبرى التي تعاني منها منظومة التربية و التكوين،و العمل على تعزيز الحوار المجتمعي بخصوص الاختبارات الكبرى للمدرسة المغربية و ذلك بتشجيع كل المبادرات الجدية.

و بالنظر للدور الذي يقوم به جهاز التفتيش التربوي على مستوى ممارسة البحث التربوي و القيادة التربوية على مختلف مستويات (المقاطعة التربوية،المنطقة التربية،التنسيق الاقليمي للتفتيش، التنسيق الجهوي للتفتش، التنسيق المركزي للتفتيش)، فلا بد إذن من التصدي لمواطن الخلل التي يعاني منها الجهاز فيما يتعلق بمهمة البحث المنوطة به،و ذلك من خلال ثلاثة مداخل أساسية:

المدخل الأول:تأهيل مركز تكوين مفتشي التعليم،باعتباره مؤسسة لتكوين الأطر العليا لوزارة التربية الوطنية تجمع ما بين التكوين و البحث العلمي، و ذلك بتمكينه من وضع قانوني يلاءم الأدوار التي يقوم بها، و ذلك بمنحه وضع مؤسسة التعليم العالي غير التابعة للجامعة و إخضاعه لكل مقتضيات قانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، بشكل ينعكس بشكل إيجابي على نمط التكوين المعتمد و على آفاق الدبلومات الوطنية التي يسلمها،مع تشجيع خلق وحدات للبحث و التكوين و مركز لتكوينات الدكتوراه، مع ربط المركز بمختلف الجهات المعنية بالبحث التربوي(الوحدة المركزية للبحث التربوي على مستوى قطاع التربية الوطنية، البنيات الاقليمية و الجهوية و المركزية لجهاز التفتيش بقطاع التربية الوطنية، الجامعات، المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين..).

إن تمكين مركز تكوين مفتشي التعليم من نفس الآليات القانونية و التنظيمية التي تتمتع بها مؤسسات التعليم العالي سيفتح أمام أطره و طلبته و خريجيه آفاق المساهمة المؤسسية في تطوير البحث العلمي في قضايا التربية و التكوين مما سيمكن المنظومة التربوية ببلادنا من امتلاك بوصلة توجه مسارات إصلاحها نحو الجودة المنشودة، كما أن المجهودات التي يبذلها الكثير من أطر وزارة التربية الوطنية في متابعة الدراسات العليا بتخصصات متعددة و الانخراط في مشاريع بحثية مختلفة، سيتم الاستفادة منها بتوجيهها لخدمة أكثر القضايا راهنية بالنسبة للمدرسة المغربية طالما أن هناك إمكانية للبحث بمؤسسة وجدت أساسا للمساهمة في تطوير المنظومة التربوية و الارتقاء بفعالية أدائها.

المدخل الثاني: اعتماد  خيار الاستقلالية الوظيفية على مستوى تنظيم  جهاز التفتيش، بحيث يتمكن أطر هذا الجهاز من أداء مهام البحث التربوي بشكل مستقل غير خاضع لاكراهات التدبير اليومي ، في ظل احترام التوجيهات العامة لمنظومة التربية الوطنية، بحيث يحرص الوزير المسؤول على القطاع على تبليغها للمفتشية العامة حتى تكون خارطة طريق لجهاز التفتيش بمختلف مستوياته المحلية و الاقليمية و الجهوية و المركزية، و هو ما يجعل من الاستقلالية الوظيفية أداة فعالة في تنزيل مقتضيات السياسة التربوية الوطنية و تطوير أدائها، خصوصا إذا تم تعزيزها ببنية تنظيمية و لوجيستيكية ناجعة.

المدخل الثالث: خلق قنوات مؤسسية تمكن أطر التفتيش التربوي من المساهمة في الأبحاث التربوية المنجزة بمختلف المؤسسات المعنية بالبحث  العلمي في مجالات التربية و التكوين(مركز تكوين مفتشي التعليم، المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، الجامعات،….)

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *