Home»Enseignement»الذكاء الإنفعالي وافاقه التربوية

الذكاء الإنفعالي وافاقه التربوية

0
Shares
PinterestGoogle+

 حين كتب الطالب الأمريكي باينت رسالة جامعية سنة 1987 تحت عنوان الذكاء الإنفعالي لم يكن ربما يدرك أنه يؤسس لثورة حقيقية في مجال فهم الذكاء وفي حقل الدراسات السيكولوجية بشكل عام .فمع بداية التسعينات ساهمت أبحاث بيتر سالوفي وجون ماير في إعطاء الإنطلاقة الفعلية للموضوع بصدور أولى أبحاثهما الأكاديمية ،ونشرا أعمالهما في الدوريات العلمية المتخصصة ،وبعد هما بسنوات وبالضبط سنة 1995 سيبزغ إسم ” دانييل غولمان”الذي سيعمل على نقل الموضوع من المجال الأكاديمي كي يصبح معروفا لدى العامة بصدور كتابه الشهير” الذكاء الإنفعالي “الذي حقق أعلى رقم مبيعات خلال السنة في الولايات المتحدة… يعرف سالوفي وماير الذكاء الإنفعالي حسب التعريف الذي قدماه سنة 2000:”قدرة على معالجة المعلومات الإنفعالية خاصة كما يتم تضمنها في إدراك واستيعاب وفهم وإدارة الإنفعالات ” أما دانييل غولمان فيعرفه :”مجموعة من المهارات التي تمكن الفرد من الحياة بصورة أكثر فعالية ويتضمن الوعي الذاتي والتحكم في الإندفاعات والمثابرة والحماس والدافعية الذاتية والتعاطف واللباقة الإجتماعية”
وحتى يتيسر إدراك المفهوم أكثر أذكر الأبعاد الأربعة للذكاء الإنفعالي كما حددها غولمان:
1_بعد الوعي بالذات :الإنتباه والإدراك الجيد للإنفعالات وحسن التمييز بينها والوعي بالعلاقة بين الأفكار والمشاعر والأحداث
2_بعد إدارة المشاعر :التحكم في الإنفعالات السلبية وكسب الوقت للتحكم فيها وتحويلها إلى انفعالات إيجابية 3_بعد الدافعية :ويشمل هذا البعد قدرة الإنسان على استخدام وتوظيف مشاعره لتحقيق أهدافه .من مكوناته الأمل الحماس المثابرة
4_بعد التعاطف :أو التقمص الوجداني أو التفهم .ويعني القدرة على إدراك وقراءة مشاعر الاخرين سواء من خلال أقوالهم أو من خلال تعبيرات وجوههم
5بعد المهارات الإجتماعية:تنظيم المجموعات ،الحلول التفاوضية ،العلاقات الشخصية ،التحليل الإجتماعي مملكة المشاعر ومملكة التفكير : عكس الإعتقاد المألوف فأدمغتنا تتعايش فيها مملكتان أو عقلان:العقل المنطقي الخاص بالتفكير والعقل الإنفعالي الخاص بالمشاعر ،وتسود بينهما علاقات التعاون أو التعارك .العقل المنطقي لا يستطيع الإشتغال بشكل سليم بمعزل عن العقل الإنفعالي .في كتابه “خطأ ديكارت عقل الإنفعالات ” يدحض عالم الأعصاب والنفس الكبير أنطونيو داماسيو أطروحة ديكارت(أنا أفكر إذن أنا موجود)التي كانت تعتقد بسمو العقل عن الجسد وتعاليه عنه.من خلال تجارب علمية دقيقة يثبت هذا الطبيب أن سلامة المخ المفكر غير كافية لأداء وظيفة التفكير بالشكل السليم … كان إليوت أحد مرضى داماسيو ..كان محاميا ناجحا ورب أسرة مثالي …لكن عملية جراحية لعلاجه من مرض كان يعاني منه أزيلت خلالها الفصوص الأمامية للمخ كانت كافية لتقلب حياة هذا المحامي رأسا على عقب… هجرته زوجته وفصل عن العمل بعدما كان محاميا ناجحا وبدد ما كان يكتنزه من أموال في مشاريع خاسرة ،لقد أصبح بدون بصيرة وغير قادر على التخطيط وحساب عواقب وتبعات الأمور والتفكير الصائب…
رغم زياراته المتكررة للأطباء لتشخيص حالته المرضية إلا أن النتائج لم تكن تثبت أي خلل في قدراته التفكيرية ليخلص داماسيو بعد تشخيصه الدقيق أن الجزء المنزوع من دماغ إليوت أي الدائرة العصبية للأميجدالا هي المسؤولة عن المأساة التي يعانيها هذا المريض …
بين العقل المنطقي والإنفعالي علاقات تعاون وعراك دائمة ، حين تتدفق المشاعر الإجابية من العقل الإنفعالي نحو القشرة المخية الجديدة التي تقوم بمهمة المراقبة والضبط فإن العقل المنطقي يكون في أحسن لحظاته ويستطيع الإشتغال بأقصى قدراته عكس الإنفعالات السلبية التي تستطيع إذا ما وصلت إلى درجة قصوى أن تجمد وتشل القدرة على التفكير…ففي حالات الغضب الشديد مثلا يفقد الشخص كل قدرته على التركيز ويصبح استحضار “العقل” أمرا عسيرا ،نفس الأمر يتعلق بالإنسان الخجول اجتماعيا حيث يفقد القدرة على التحكم في سلوكاته وتصبح تصرفاته لاشعورية وكأن كائنا غريبا إكتسح جسده                … الذكاء الإنفعالي والتربية :
هل بإستطاعتنا أن نكون أذكياء إنفعاليا رغم أن حظنا الجيني لم ينصفنا ؟بعبارة أخرى هل نستطيع أن نفيد أطفالنا ونكسبهم مهارة النجاح في الحياة عن طريق التربية ؟ توصل العالم الأمريكي جيروم كاجان إلى أن الطبع فطري ومن معطيات الميلاد ، لكن الأهم في أبحاثه أن مخ الطفل يولد غير مكتمل ويظل خاضعا لتاثير عميق للدروس الإنفعالية ولمختلف التجارب التي يمر منها الإنسان.كاجان يؤكد أن المخ يستمر في النمو طوال الحياة لكن ليس كما في مرحلة الطفولة ويرى أيضا أن لكل مهارة من مهارات الذكاء الإنفعالي الأساسية فترات خاصة عبر مرحلة الطفولة تمثل كل فترة نافذة تساعد الطفل على غرس العادات الإنفعالية التي إذا ما فقدها سيصبح من الصعب تقديم دروس تصحيحية فيما بعد
الذكاء الإنفعالي إذن هو جوهر التربية وروحها ..المدرسة يجب أن لا تتنصل من مسؤولياتها في إعداد أجيال ناجحة في حياتها ، فما الهدف من المعارف إذا لم يمتلك الفرد المتعلم كفاءة حل المشاكل المتشعبة التي يصطدم بها والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة .. .واقع المدارس المثير للسخرية جعل احد المدرسين الامريكيين يعلق ساخرا:”يتركز اهتمام المدارس العالمية على مستوى الاطفال في القراءة والكتابة أكثر من اهتمامها إن كان هؤلاء الاطفال سيبقون على قيد الحياة في الاسبوع التالي ام لا…
تغييب المناهج الدراسية للكفايات الإنفعالية التي تعد عنصرا جوهريا في شخصية التلميذ إلى جانب المعارف والقيم والمهارات والمواقف،يعد ثغرة كبيرة ،ويضع الدورالحالي للمدارس محط مساءلة ونقد حقيقيين،ولن يعمل إلا على انتشار المزيد من الإنحراف الإنفعالي في مجتمعنا وما يترتب عنه من ظواهر كالإدمان على المخدرات وانتشار الجرائم والأمراض النفسية …
نستطيع استثمارأفكار الذكاء الإنفعالي في سبيل تحسين تعلمات التلاميذ وهو ما يعبر عنه سالوفي بالتيسسر الإنفعالي للتفكير …هذا يفرض على المدرس أن يبذل أقصى جهده لجعل التلميذ في حالة انفعالية إيجابية لكونها الوسيلة المثلى والفضلى لإستثارة انتباه التلميذ ولجعل قدراته الذهنية تبرز وتتفتق …
البيئة المدرسية الخالية من القلاقل والخوف والتهديد والعقاب هو الفضاء الأنسب للتعلم الجيد …صحيح أن حقيقة مدارسنا لا تجعل فرصة النجاح لمثل هذه الافكار كبيرة ، لكون شخصية التلميذ المغربي والقروي بشكل أخص تقولبها أسرة أمية لا تتقن أبسط أبجديات التربية السليمة المرتكزة على الحوار والتفهم والمساندة….لكن الإقتناع ب”سحرية” الذكاء الإنفعالي سيجعل المدرس بلا شك يغير وإن بدرجات متفاوتة أفكاره وتصرفاته ،ولم لا تغيير راديكالي في هذه العلاقة الجهنمية السائدة حاليا بين المدرس والتلميذ وجعل العملية التربوية برمتها ممتعة ورائعة … الذكاء الإنفعالي نفتقده بحدة في التواصل التربوي …وأضحى الصراع بين الأطراف :المدرس والمدير والمفتش عادة متفشية جدا …هذا العقم في التواصل مرده إلى الجهل بأدبيات التواصل الذي يمثل الذكاء الإنفعالي جوهرها … الأكيد أن الفهم الخاطئ لمفهوم السلطة والدوافع اللاواعية هي التي تقود إلى الصدام بين هذه الأطراف … إن علاقة الرئيس والمرؤوس القانونية لا تتناقض في شيء مع إظهار المشاعر الإيجابية والإحترام الكبير وحسن النوايا للطرف الاخر بل هو التجسيد الفعلي لهذا القانون ما دام هو السبيل الوحيد لربط قنوات الإتصال بين هذه الأطراف …السلطة في التربية ليست أوامر من الرئيس ،و على المرؤوس تنفيذها ،بل قيمتها وفائدتها تتجسد فقط حين تستطيع بناء جسور التواصل وإلا أصبحت عدوة التربية …السلطة بهذا المفهوم كما يرى الأستاذ “بوبكري” هي هدم وهي تعمل عكس هدف التربية الذي هو البناء…
صحيح أن الذكاء الإنفعالي مفهوم جديد في الساحة التربوية الوطنية والعالمية ، وما يزال الغموض يكتنف بعض جوانبه ، لكن من المؤكد جدا أنه سيحدث ثورة في عالم التربية وسيعمل على خلخلة الكثير من المفاهيم التقليدية المتداولة وسيجعل المدرسة تركز جهودها على هدفها الحقيقي المتمثل في الإنسان في كليته وشموليته …
رشيد أوخطو
مراجع معتمدة : كتاب الذكاء العاطفي لدانييل غولمان

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *