Home»National»من ذكريات رمضان بالبادية…مذكرات استاذ متقاعد

من ذكريات رمضان بالبادية…مذكرات استاذ متقاعد

1
Shares
PinterestGoogle+

تزامن حلول شهر رمضان الكريم أيام دراستي الابتدائية بسيدي لحسن مع فصل الشتاء،حيث لا ينتقل هذا الشهر من فصل الى اخر إلا بعد مرور أزيد من ثلاثة عقود.
يتميز النهار بقصره خلال فصل البرد،مما لا يكلف الصائمين عناء كبيرا.
كان الأهالي يتحدثون عن حلول شهر الصيام أسابيع قبل حلوله،حيث يبرع الجميع ومن الجنسين في التخمينات اعتمادا على ثقافة،،المنزلة،،الشائعة بين الفلاحين ومربي الماشية عموما.
وهكذا،ظل بعض الأشخاص مراجع لا غنى عنها في معرفة التغيرات المناخية المرتبطة بكل،،منزلة،،الى درجة أنه كان بينهم من يتوقع طبيعة السنة الفلاحية بناء على مؤشرات معينة ينفرد الخبراء المحليون بمعرفتها.
كان الاستعداد لشهر رمضان يقتصر على الجانب المعنوي،حيث يحرص الجميع على أداء هذه الفريضة بما يليق من الاحترام والوقار،إذ كنا نسمع الكبار يحذرون من الغيبة والنميمة التي يولدها الفراغ الى درجة أن البعض كان يستعرض مختلف العقوبات التي تتربص بالمخالفين يصل معظمها حد التشخيص بناء على حكايات متوارثة!
اما الجانب المادي ،فلم يكن ليتطلب نفقات اضافية،ذلك أن السكان كانوا يكتفون بما هو محلي من منتوجات الارض.
لقد كان الحساء وصفة استثنائية اذا تضمنت قطعا من ،،الكليلة،،المجففة،ثم نسمت بالسمن الحار!
أما اذا أضيفت اليها حبات من الحمص ورافقها خبز القمح الذي يدخر لمثل هذه المناسبات،فان المرء يشعر وكان كل خيرات الدنيا قد صارت فجأة في متناوله!
كنا ننفرد ببعض التميز عن باقي الأسر بذلك المخزون من التين الذي تدخره الوالدة-رحمها الله-ليقوم مقام التمر الذي لم يكن على لائحة مادة الافطار المتقشفة أصلا!
ما إن يتناول افراد الاسرة كؤوس الشاي في الغالب؛حتى يستسلموا لنوم عميق لكيلا يفوتوا على أنفسهم وجبة السحور التي لا تخرج عن الكسكس او بعض العجائن،بينما يكتفي اخرون بالوجبة النمطية:المتلازمان السرمديان:الخبز والشاي!
لم تكن بالبادية يومئذ وسائل ترفيه ليلية بالنسبة للكبار،في حين كان للصغار والشباب عموما لعبة أثيرة،يطلقون عليها،،اعمود الليل،،وهو عبارة عن قطعة خشب تلف بخرقة قماش يلقيها أعضاء كل فريق بالتناوب ليكون الفائز أول من يعثر على ،،اعمود الليل،،ويحق له أن يقذف مجددا الى أن يقع في يد الخصم.
كانت لعبة مسلية تتطلب قدرة هائلة على الجري في الظلام الدامس ممايؤدي الى اصطدامات ومناوشات احيانا بعدما يحتكم كل طرف الى استعراض العضلات.
أما الكبار،فانهم كانوا يخصصون فترة الزوال لممارسة لعبتهم المفضلة،،السيك،،وهكذا،وبعد أن يقوموا بأهم اعمال اليوم،فانهم كانوا يجتمعون في مكان مناسب،لا سيما عند مناكب اكوام التبن(أثمون) حيث يتوفر الدفء ويخلو الجو للتندر والسخرية من الفريق المنهزم.
تتكون لعبة،،السيك،،من اربع قطع من خشب الدفلى التي تقسم الى نصفين متساويين يتم اختيارها بعناية،وبعد ذلك يتوزع اللاعبون الى فريقين بجانبهما قطعة من الصبار(أغروظ) يتم تعبئة سطرين منه ،،بجنود،،متميزة:
قطع خشب مقابل قطع حجر،وهكذا…
لا تنطلق اللعبة الا بعد أن يتمكن زعيم احد الفريقين من الحصول على شكل،،سيك،،بعد الرمية الاولى،حيث يقتضي ذلك أن تكون ثلاث قطع منقلبة على وجهها،والرابعة على ظهرها!
ولهذه اللعبة قواعدها،حيث تسمى الاشكال الفائزة:سيك،اربعة،ستة،ويقابلها:يشو،دار ثلاثة…
أما الجنود فتتحرك وتتقاتل بحسب مهارات كل فريق،وتخضع العملية لرقابة صارمة تجنبا للغش،وفي خلال ذلك ،يحرص كل طرف على النيل من خصمه باحثا عن نقائصه من أجل اضفاء جو من الانتشاء على اللعبة التي يتابعها متفرجون يبحثون عن وسيلة تنفيس عن النفس.
لا تتوقف اللعبة الا قبيل اذان المغرب وبعدما أن يكون الطرف المنهزم قد توعد بالانتقام في اليوم الموالي.
خلال احدى امسيات هذا الشهر المبارك،حيث كانت تهب ريح شديدة البرودة،خرجت كالعادة انتظر اخي الذي كان يرعى القطيع مع بعض ابناء الجيران من أجل أن نستانف سمرنا اليومي على لهيب النار قبل العودة الى البيوت،غير أن مفاجأة غير سارة كانت بانتظاري.
لم يأت أخي وزملاؤه في الوقت المعتاد،بينما انشغلت بتقوية السنة النار واحاطتها بالأغصان حتى لا تمتد الى الغطاء الغابوي الكثيف المجاور.
توقفت لحظة لعلي ارى أحدا يشاركني السمر،لكنني وجدت ذئبا ضخما وقد أقعى على خطوات مني!
لقد كان يعتزم افتراسي لولا السنة النار! لم يكن الحيوان الجائع في عجلة من امره،حيث لجأ الى اسلوب المكر الذي يتقنه خاصة ما نطلق عليه في هذه الحالية بالامازيغية(يلا يسلشيي)!
وهي عبارة يصعب نقلها الى العربية بأمانة وربما كان القصد أن الذئب يستصغرني!
حاولت ان اصرخ في وجهه بعدما تسلحت بحجر،لكن بحة في الصوت حالت دون ذلك،كما ان التسديدة كانت ضعيفة،،مما جعل الحيوان يتراجع بخيلاء قبل أن يطلق ساقيه للريح بعدما استنجدت بالكلاب التي ارغمته على العواء وهو يتوغل في الغابة!
كان كل ذلك أوائل الستينات،أما مسرح الحادث فقد تعرى من كل شيء واصبح مهيئا للحرث !

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *