Home»Correspondants»الضفدع المُغلّى – حكاية وعِبر

الضفدع المُغلّى – حكاية وعِبر

0
Shares
PinterestGoogle+

 ” أكبر تنازل تقدمه في حياتك هو أن تتأقلم »(1)

     الضفدع المُغلّى حكاية معروفة وشائعة . هي حكاية مجازية يمكن أن تحدث لكل واحد منا في مسار حياته إن لم تكن قد حدثت بالفعل. في بعض الأحيان قد نتردد في اتخاذ القرار الحاسم في اللحظة المناسبة والمكان المناسب. قد نصبر، قد نتحمّل ، نحتمل ، لا نُظهر شكوى من ألم أو بلوى ، نحاول التكيف مع وضعية معينة أو واقع لا يُحتمل ولا يُطاق . لكن عندما نريد أن نتجاوز هذا الواقع يكون للأسف قد فات الأوان.وبالتالي تكون النتائج المُترتِّبة عن تلكؤنا في اتخاذ القرار غالبا شبه كارثية .حينذاك سوف لن ينفع الندم.

حكاية الضفدع المُغلى فيها كثيرمن العبر والدروس، حِيكت بصيغ عديدة ونسخ مختلفة سأحاول هنا أن أعيد صياغتها على شكل فرضية . إذن أترككم مع تفاصيلها:

إذا وضعنا ضفدعا في ماء ساخن جدا ، كيف ستكون ردة فعله ؟ حتما سوف لن يتحمّل درجة الحرارة ويقفز فورا من الإناء لينجو بنفسه من موت محقق. لكن إذاوضعنا الضفدع في إناء ماء بارد أو معتدل الحرارة فوق النار ،ثم بدأنا بتسخين الماء تدريجيا ، فإن الضفدع سيحاول التكيف ما أمكن مع درجة الحرارة شيئا فشيئا ،لأنه بكل بساطة لم يلاحظ أو ينتبه إلى الخطر المحدق به ، وعندما يبلغ الماء درجة الغليان سيحاول الضفدع أنذاك أن يقفز لكن دون جدوى .خارت قواه.فقد أضاع جهده في محاولة التكيف .فاته القطار لأنه لم يقفز في اللحظة المناسبة. والنتيجة كما تتوقعون مفجعة ومأساوية .مات الضفدع المسكين. وانتهت الحكاية.

من بين العبر أو الدروس التي يمكن استخلاصها من الحكاية هي التحذير من غياب الوعي بالتغيرات السلبية التي قد تتمظهر بشكل يكاد يكون غير ملحوظ في البداية ، ثم سرعان ما تستفحل مع مرور الوقت إذا لم تكن لنا ردود أفعال حازمة في اللحظة الحاسمة. فلا مجال للتردد إذن قبل أن يضيق الحبل على أعناقنا وتقع الفأس في الرأس .فاتخاذ القرار المناسب والحاسم قد يُجنِّبنا عدة منزلقات غير مرغوب فيها أونحن في غنى عنها سواء كأفراد أو جماعات . فكثيرا ما نتعود على أشياء غير طبيعية او ضد طبيعتنا .والتعود كما تعلمون مثل العادة يُبلِّد الإحساس كما يُقال.فالانسان قد يتعود حتى على سلب حريته إذا كانت ردة فعله سلبية مثل الضفدع.ويُطبِّع حتى مع الفساد والاستبداد.

لمزيد التوضيح  ولكي أضع النقط على بعض الحروف أسوق مثلا من الواقع السياسي الراهن وهو حديث وحدث الساعة.هناك البعض من الزعماء السياسيين مثلا يحاولون تعويدنا على كتم غضبنا وتجرع المهانة في صمت ويدعوننا لعدم الاحتجاج والتضامن مع قضية انسانية -كحق طبيعي مشروع – ضد الظلم والحُگرة الذي نتعرض لها ويغلفون تبريرهم بغلاف ديني أو سياسي حتى يُصبح الأمرمقبولا و مألوفا و تقليدا وكأن الخروج الى الشارع خروج عن الشرع. يلعبون على كل الأحبال وبهذه الطريقة يريدون ان يلغون عقولنا، ويفكرون نيابة عنا ويلزموننا بحدود يرسمونها لنا سلفا. وينتظرون منا التصفيق. فهم أولوا الأمرمنا ! وكأننا قاصرون غير قادرين على ابتكار وإبداع أشكال احتجاجية راقية للتعبيرعن عواطفنا الصادقة ضد شطط في استعمال السلطة.إنه شكل من أشكال التدجين.

لا يفوتني في هذا الصدد وفي نفس السياق أن أستحضر المفكر الفرنسي ايتيان دو لا بويسي وكتابه « مقالة العبودية الطوعية » (وهو بالمناسبة جدير بالقراءة نظرا لتشابه بعض ما حدث في فرنسا في القرن 16 مع ما يحدث في بعض البلدان العربية حاليا)

يرى الكاتب الفرنسي لا بويسي « أن كل الأشياء تصبح طبيعية بالنسبة للانسان حين يتعودها »، و يضيف بأن « السبب الاول للعبودية الطوعية هي العادة  » ويضرب لنا مثلا ب « ما يحدث للجياد الباسلة التي تعض على لجامها في البدء ثم تلهو به أخيرًا …  » (2)

خلاصة القول فلحكاية الضفدع المغلى مغزى ودلالة في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو على المستوى الذاتي في علاقتنا مع أنفسنا أو مع الآخرين . فكل واحد منا يمكن أن يستخلص منها ما يراه مناسبا بناء على تجربته الشخصية في الحياة. وإلى اللقاء مع حكاية أخرى .

ح.وشاني في 5/11/2016

رابط فيديو الضفدع المغلى للاستئناس

——————–

(1)مقولة تنسب لمحمود درويش حسب موقع حكم.كم

(2) Disons donc que, si toutes choses deviennent naturelles à l’homme lorsqu’il s’y habitue, seul reste dans sa nature celui qui ne désire que les choses simples et non altérées. Ainsi la première raison de la servitude volontaire, c’est l’habitude. Voilà ce qui arrive aux plus braves chevaux qui d’abord mordent leur frein, et après s’en jouent, qui, regimbant naguère sous la selle, se présentent maintenant d’eux-mêmes sous le harnais   et, tout fiers, se rengorgent sous l’armure

Etienne de la Boétie, Discours de la servitude volontaire

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *