Home»Correspondants»ماهر زين ومنهج البناء

ماهر زين ومنهج البناء

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
تضافرت سفاهة السياسة وسفالة الفن لتضع المغرب في أعياد موازين أمام مشهد يندى منه الجبين، غير أن حكامة السياسة وتسامي الفن أشاع من موازين نورا يضيء مسالك الظلام.

يَكِد نشطاء في التصدي لكل انحراف يهدد هوية وقيم المجتمع المغربي، وهذا حقهم، لكن ماذا عن واجبهم؟ ! هل يكدون بنفس الدرجة لمضاعفة قبسات النور اليتيمة، أم لا يحسنون سوى سب الظلام؟ !

يبدو أن ماهر زين اختار منهج البناء، ولو استبد به منطق الهدم لانضم منذ زمان إلى زمرة الساخطين الصاخبين، ولاستغرقته معاول الهدم وشغلته عن الإبداع المستنير.

إن أصحاب الصخابة والهدم إذا رأوا منشدا لغناء أو عازفا لآلة أو قارعا لطبل قاموا منه ينتقصون وعن سبيله يصدون ولعمله مهملون.  أوَ يظنون أن هذا المجال يقبل الفراغ؟ ! أم يعتقدون أنهم على قمع أصوات الفن ومحو صور الإبداع لقادرون؟ !  كلا إنهم عن الرشد والصواب بعيدون.

من تابع سهرة ماهر زين ضمن فعاليات مهرجان موازين ليلة 01 يونيو 2015، يدرك مدى الجهد الكبير الذي بذله هذا الفنان الواعد ليرتقي بقيم ينشدها إلى مستوى المنافسة التي تفرضها فنون ثقافة العولمة.
كانت مضايقات ماهر زين بادية من خلال بعض جزئيات نقل حفله على القناة الثانية: مدة العرض القصيرة، مستوى الإنارة، تفاوضه السلس والسريع مع المخرج لإضافة أنشدوة … لكن ذلك لم يمنعه من الظهور بوجه مشرق وقوي فنيا وتقنيا.
أطر حفله بتقنيات تناسب السهرة وأبان فيه عن احترافية أداء فاقت فنانين كبار ظلوا أسيري نمط أداء كلاسيكي على المسرح.
مَزَج بين الفرجة الموسيقية الخالصة والمتتاليات الغنائية المحكمة، والإشراك الفاعل والموفق والسليم للجمهور.
وظف كل الآلات الضرورية وعرض موسيقى تتكامل فيها الأصوات الحادة والمتوسطة والغليظة، وأبرز إيقاعا متعدد الروافد يعكس مختلف أحجام القرع، كل يتفاعل ويمتزج في غاية التناسق.
أما غناؤه على المباشر فكان شبه خال من أصوات النشاز ومرافَقا بإحساس جميل لامس دواخل الجمهور.
بل لم تفته حتى مؤثرات الضوء التي جعلها تتناسب وإيقاعات الأغاني، كما ركز على حركة مدروسة رشيقة فوق المنصة، ولم يفته غير تصميم رقصة أو رقصتين ترافق أغانيه، طبعا لن تكونا على شاكلة رقص جماعة « جينيفر » المهووسة بالجنس، ولا رقصا على شاكلة الأحباش في مسجد رسول الله لأن أحدا لم يشاهد كيفيته، إنما تكون إبداعا جديدا يراعي القيم الثابتة ويطير مرحا في الفضاء.

وبالرغم من حضور جمهور واسع لحفل ماهر زين، فإنه لم يَرْق إلى شساعة جمهور فنانين آخرين، قد يرجع ذلك إلى تحكم ما في الحضور، أو ربما لقلة مناصري منهج البناء الذي يتبناه ماهر زين، أو لسبب آخر راجح يتمثل بالعجز عن إلباس هذا الصنف من الفنون بعدا اجتماعيا يلامس كافة القضايا الدينية والاجتماعية والعاطفية والسياسية والإنسانية.

لست أبدا ضد احتجاج ينهض غاضبا من تجاوز القيم وخرق القانون، لكني أحب التفاعل بمنطق البناء على شاكلة ماهر زين. كم كان سهلا أن يقاطع ماهر موازين أو أن نستسلم معه بشعارات الشجب التي تخبو بعد تفرق الحشود، لكن تخيلوا مدى الصعوبة والمشقة التي كابدها ليُلهب ويهذّب مشاعر جمهور يتابعه: دراسة علم الموسيقى وإبداع الألحان والكلمات وتشكيل فريق موسيقي محترف ومتجانس، وتصميم الأغاني وترتيبها بشكل يناسب امتداد فترات الحفل… ! نعم كذلك يكون منطق البناء.. لبنة لبنة.

فهاهو ماهر يضع لبنة محكمة الرَصّ، فهلا انتفض الصخّابون في هدوء وقدموا للفن دعما وافيا يؤسس لبنات صلبة لتشييد فضاء فني عالمي، ويراكم إنتاجا يشغل مساحة يشعر في أرجائها الإنسان بالطمأنينة النفسية والسمو الروحي ؟ !

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *