Home»Correspondants»« نوح » وعنف الإله !

« نوح » وعنف الإله !

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
أنادي من هذا المنبر علماء الأمة  ومتخصصيها في دراسة العقيدة الإسلامية من أجل تجديد الكتابة في علم الكلام وتقويته بمباحث جديدة تقدم أجوبة أكاديمية وفنية على ما يروج من كلام مستجد عن صفات الله، كما أدعو الفقهاء والمتخصصين في الأحكام إلى مزيد من الجرأة في مراجعة القيود المفروضة على التمثيل؛ أُكبر فيهم إجازة تجسيد الشخصيات التاريخية، وأدعوهم إلى مراجعة حكم تشخيص الأنبياء بناء على قاعدة أن لا دين أو تحريم إلى بنص.
تأتي دعوتي هذه في سياق  تشهد فيه الساحة الفكرية والفنية العالمية تواتر أعمال توحي بأن العنف رباني المصدر رباني الوجهة !
تتعالى أصوات بالتصريح والتلميح كتابة وصورة لتقول بأن الله عنيف، والعنيف يلزم أن يكون  جاهلا وغبيا وعبثيا.
أبدأ بالصورة مع فليم « نوح » الذي يعرض لقصة النبي نوح عليه السلام. لا أملك إخفاء إعجابي بالفيلم من حيث الإخراج والسيناريو لما تميزا به من ذكاء كبير في توصيل أطروحة هذا العمل الفني.
يأسرك الفيلم بمتتاليات درامية متصاعدة تتدرج بمشاعرك إلى أقصى عتبات الإثارة لتعرض رسالتين محوريتين: الأولى عادية تخاطب الوعي، والثانية خطرة تخاطب اللاوعي. وسأعرض أدناه لأهم هذه الرسائل.
لم يُبْد المخرج أي انتقاص من الإله درءا للاصطدام بوعي المتلقي، ولو صرح بأن قرار الطوفان يمثل العنف الأعمى وعمل عبثي يسلكه الإله عادة تجاه الإنسان لرفض هذا المنطق أغلب المتلقين ولبارت الأطروحة منذ البداية. لكنه عرض نوحا النبي المنضبط لأمر الإله بكده المتواصل في بناء السفينة، وأقر بصدق الله في وعده بعد إغراق أبناء قابيل القتلة وتخليص البشرية من شرورهم. لكن سرعان ما تسلل كبير القتلة إلى السفينة بمساعدة ابن نوح العاق.
فإن كان التصور الإسلامي يفند هذا التسلل العجيب وأشياء أخرى حواها الفيلم، فمقتضى الوعي يبرر المشهد قائلا: وهل الحياة الدنيا إلا تدافع بين الخير والشر؟ فلا بد للدراما أن تحيي الشر إلى جانب الخير على متن السفينة.
فما طبيعة الرسالة التي تتجاوز الوعي لِتَنفُذ إلى فضاءات اللاوعي والتي عادة ما تتوارى أو نحاول الهروب منها، لكنها تصر على الظهور وتشاغب بالتساؤل إلى أن تخرب الاعتقاد والسلوك؟ !
هذه الرسالة تقول إن الإله قتل الآلاف بالطوفان ليخلص الدنيا من جريمة القتل، لكنه ترك واحدا من هؤلاء القتلة، بل ترك كبيرهم وفي رسالة أخرى غلبه أو خدعه كبيرهم. فهو إله يسارع إلى حل المشكلات بعنف عبثي يغيب فيه العدل والمنطق. لتبدأ أسئلة اللاوعي بالتناسل: ما فائدة عنف يقتل الآلاف ولا يحقق الهدف؟ وما ذنب المُْغْرَقين إذا نجا كبيرهم؟ أخشى أن يكون الإله أيضا يتعامل بمنطق الاحتقار يبقي الأقوياء وذوي النفوذ ويفتك بالضعفاء والكادحين؟ لاحظ كيف يُوَلِّد مشهد محبوك توترا خطرا في باطن اللاوعي؟ !
ثم تتواصل المشاهد لتصل بك إلى ذروة العنف والعبث؛ جد(وهو نوح) يهم بقتل حفيدتيه الرضيعتين تنفيذا لأمر الله. وكان الجد يتوسل من قبل إلى الرب للعدول عن الحكم، فلم ينزل خبر السماء للفصل. فلما دَنا النبي بمديتين لتنفيذ الأمر وهَمَّ بطعن الرضيعتين، تراجع في آخر لحظة ومنحهما الحياة.
فالرسالة الموجهة إلى الوعي تقول على لسان زوج نوح أن الأخير نفّذ الإرادة الإلهية بطريقة أخرى، لكن ثمة ثغرات تُسَرِّب رسائل أخرى لتغمر اللاوعي. إذ عهد المُشاهد من نوح اتخاذ القرارات الصعبة بأمر من السماء والنازلة الأخيرة لجأ فيها نوح إلى السماء ولم تجبه بالعدول عن قتل حفيدتيه، فتصرف بعدها بمقتضى العقل والأبوة والإنسانية. هنا لا بد للعقل الباطن أن يَقلق ويتوجس من كوارث السماء ويشك في رحمة وحكمة الإله، كما لا مفر له من الاطمئنان إلى السلام والرشد اللذان ينبعان من الأرض، ومن إكبار ذكاء ورحمة وقدرة الإنسان. لا يستطيع اللاوعي إثر ذلك رد إيحاء مفاده أن العنف الحقيقي هو المسلط من قبل الخالق على الخلق. كيف لا وقد وضع نوح الإنسان حدا لعبث العنف المقدس؟ !
الأطروحة واضحة تتجاوز تنصيب الإنسان محورا للكون إلى جعله قادرا على تجاوز الإله، قوة وقدرة ورحمة وحكمة، شرط أن يتمرد على أوامر الإله. نعم يمكنه ذلك لو اقتدى بردة فعل إبليس ساعة الخلق، بل لم لا يتحالف و إبليس من أجل تقويم هذا العبث إلى الأبد؟ !
تمكينا لهذه الايدولوجيا يتصدر رويبضة للكتابة، يتكلون بلساننا وينتحلون أسماءنا، يدَّعون الإسلام طامعين في تضليل أهل التوحيد، ويزعمون أنهم يعرضون قراءة جديدة وثورية للدين والتوحيد والإسلام تحت غطاء الدراسة الأكاديمية، وحقيقة غرضهم تَأْليه الهوى وتفريغ غيظ حقدهم في دين الإسلام.
كيف يدعي الإسلام من ينبري على التنقيص من الإله ويروج سوء الظن بالخالق؟ لا يكاد يخلو منطقهم من إلحاق آيات العجز برب الأرض والسماوات. واللبيب هو من يدرك، فور تفوه هؤلاء الرويبضة، أنهم  ينهلون من أساطير تحدث عنها روجي جارودي في كتابه « الأساطير المؤسسة… »، وهي ثابتة في التوراة؛ تسيء الظن بالله وتلحق بالخالق الضعف والغباء والشح …، وبالأنبياء النقص والعربدة، ولذلك لا يكف حديثهم عن النيل من الله،  ولا يتورع منظروهم عن شرعنة زنى المحارم وتجاوز كل القيود الجنسية.
غير أني لا أملك إلا أن أُكبر فيهم ذكاء أخفى مطلق الخبث والسخف والغباء حين أعاد صناعة الأساطير الدينية، واستوحى من استقواء الأنبياء على الرب ومضاجعة الأنبياء للمحارم فلسفة عالمية أطلق عليها فلسفة ما بعد الحداثة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *