Home»Débats»المؤتمر السنوي العاشر الأمن الغذائي: التحديات والتحولات 5 – 6 يناير 2024 تقرير تركيبي

المؤتمر السنوي العاشر الأمن الغذائي: التحديات والتحولات 5 – 6 يناير 2024 تقرير تركيبي

0
Shares
PinterestGoogle+

المؤتمر السنوي العاشر
الأمن الغذائي: التحديات والتحولات
5 – 6 يناير 2024
تقرير تركيبي


ضمن تقليده السنوي، نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة مؤتمره السنوي العلمي العاشر في موضوع: « الأمن الغذائي التحديات والتحولات » يومي 05 و06 يناير 2024، بمقر المركز « منار المعرفة ».
بعد قراءة آيات بينات من الذكر الحكيم في الجلسة الافتتاحية التي ترأسها السيد سمير بودينار رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وبعد الترحيب بالحضور، ذكّر السيد الرئيس بسياق اختيار موضوع الأمن الغذائي في مؤتمر افتتاح الموسم العلمي 2024، باعتباره موضوعا يكتسي أهمية بالغة ويندرج ضمن عناصر الأمن بمفهومه العام في جميع أبعاده على المستوى الوطني والدولي معا

.
كما ذكّر السيد الرئيس بموضوع المؤتمر التاسع المتعلق بالأمن المائي الذي يعتبر توطئة لموضوع المؤتمر الحالي، باعتبار العلاقة الوطيدة بين الماء والغذاء، مبرزا أن مشاركة صناع القرار بجانب الأكاديميين في مثل هذه الملتقيات يهدف إلى بلورة رؤية متكاملة لقضايا المجتمع والإنسان عموما.
وفي نهاية كلمته جدّد رئيس مركز الدراسات شكره للحضور والمشاركين وكافة ممثلي الهيئات الرسمية وغيرها.
بعدها أخذ الكلمة السيد مدير المركز الدكتور عبد الرحيم بودلال الذي قدّم عرضا تفصيليا عن البرنامج السنوي المقترح للسنة الجديدة، والذي يضم العديد من الندوات والموائد المستديرة والمحاضرات والتكوينات في مختلف التخصصات.
كما نوّه الأستاذ عبد الرحيم بودلال بتعدد شراكات المركز المتميزة والفعالة مع معاهد ومؤسسات جامعية ومؤسسات عمومية …، مشيرا إلى أن المركز يشكّل الوجهة المفضلة للعديد من المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية، والتي تستفيد من مرافق المركز ومن طاقاته الإبداعية

.
وفي ختام كلمته قدّم السيد عبد الرحيم بودلال شكره لكافة باحثي المركز وموظفيه على جهودهم لإنجاح المؤتمر. كما نوّه بجميع الداعمين للمركز من مؤسسات وطنية وهيئات ومحسنين وطلاب وأساتذة.
المحاضرة الافتتاحية لهذا المؤتمر كانت من تقديم نائب رئيس المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني نورالدين الدريوش، حيث استهل مداخلته بشكر الجهة المنظمة على حسن اختيارها لهذا الموضوع، لما له من راهنية على الساحة الوطنية والعالمية.
وبعد التذكير بمراحل تأسيس مكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني منذ تأسيسه سنة 1937 والأدوار المنوطة بهذه المؤسسة الوطنية لتحقيق الأمن الغذائي بالمغرب، والجهود التي يبذلها ضمن هذا المضمار، قام السيد نورالدين الدريوش بتقديم مجموعة من الإحصائيات التي تؤكد على المنحى التصاعدي للحاجيات الغذائية على مر السنين وما رافقها من إكراهات تتجلى في ندرة المياه. كما نبه المحاضر على أن الدولة المغربية تولي اهتماما كبيرا لهذا الموضوع من خلال مجموعة من السياسات التي تنهجها في المجال، ومذكرا بأن موضوع الأمن الغذائي كان محور الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية لسنة 2021، الذي حث بدوره على ضرورة بلورة استراتيجية وطنية للأمن الغذائي

.
بعد هذه الجلسة الافتتاحية، انطلقت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الأستاذ مولاي أحمد الكامون عضو المجلس الإداري بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، عرفت هذه الجلسة مشاركة مجموعة من الأساتذة الباحثين من الجامعات والمعاهد الوطنية. وكانت أولى المحاضرات تلك التي قدّمها الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة البيطرة بجامعة محمد الخامس بالرباط السيد محمد الناجي في موضوع « إسهام الاقتصاد الأزرق في تحقيق السيادة الغذائية

« .
وقد وجّه الأستاذ المحاضر في مستهل كلمته نداء إلى المسؤولين على قطاع الفلاحة والصيد البحري بضرورة تغيير المقاربة التي يتم اعتمادها في تدبير شؤون هذا القطاع، داعيا إلى اعتماد مقاربة أكثر شمولية للنهوض بهذا القطاع الحيوي، ومشيرا إلى تغييب البحار والمحيطات في تدبير ندرة الغداء. وقد ربط الأستاذ المحاضر بين الأمن المائي والأمن الغذائي باعتبارهما مصطلحين مترادفين لا يمكن فصل بعضهما عن البعض. وتحدث بعد ذلك عن مفهوم الاقتصاد الأزرق، وارتباطه بالأمن الغذائي، وكون قطاع الصيد البحري يعتبر أهم مكون للاقتصاد الأزرق. كما أكد أن التحديات التي يعرفها هذا القطاع ناجمة على مجموعة من الاختلالات التي تعرفها هذه المنظومة. ودعا إلى ضرورة المحافظة على الثروة السمكية، عبر تثمين المنتوج الوطني من الأسماك واعتماد مقاربة تتسم بالحكامة في تدبير هذه الثروة، التي يكاد ينحصر إنتاجها في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
كما أشار الأستاذ المحاضر إلى الإكراهات التي يعرفها القطاع ومنها تلك المرتبطة بالتجارة الدولية. ونبه في نهاية كلمته إلى الحاجة إلى تطوير هذا القطاع وتقديم حلول مبتكرة من قبيل تطوير الاستزراع السمكي

 .
المتدخل الثاني ضمن هذه الجلسة العلمية هو الأستاذ بكلية العلوم، جامعة محمد الأول وجدة السيد مكرم مريمي، الذي كانت مداخلته بعنوان: « التعديل الجيني بين محفزات الأمن الغذائي والتنافس الاقتصادي في مواجهة التحديات ». وقد استهل الأستاذ المحاضر كلمته بالقول بأن العالم يعيش حالة تغير عميق في ظل الذكاء الاصطناعي وتزايد الصراعات بين القوى الكبرى حول الموارد الطبيعية، وما يرافق ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية وحروب ميدانية. بعد ذلك ذكّر الأستاذ المحاضر بالمحفزات البيئية والمناخية والاقتصادية والسكانية الداعمة لفكرة كون مفتاح الأمن الغذائي يكمن في التعديل الجيني لموارد الغذاء النباتية والحيوانية. فالتقنيات الحديثة للتعديل الجيني أزاحت كثير من العوائق التي واجهت تسويق أول نبات معدل جينيا، وأصبحت دول أمريكا الشمالية والدول الأوروبية تنحو نحو دعم صناعات التعديل الجيني ضمن مختبرات علمية تهيمن عليها رؤية ليبيرالية متوحشة لشركات احتكارية عالمية. كما أكد على أن التعديل الجيني هو تيار جارف لا بد من الاستفادة منه في إطار التعديل لا التغيير الوظيفي للكائن الحي، ونبّه إلى أننا لا نحتاج إلى تغيير جيني ولكن نحتاج لكائنات طبيعية متوازنة تخضع للاعتبارات الأخلاقية والدينية.
كما قدّم الأستاذ المحاضر في نهاية مداخلته مجموعة من التساؤلات حول المخاطر المحتملة على صحة الإنسان والبيئة والتنوع البيولوجي، خصوصا ما يتعلق بالتلوث الجيني ومقاومة المضادات الحيوية، ناهيك عن استنساخ أنواع أخرى من اللحوم المستنبتة او المصنعة جينيا. واعتبر أن الأمن الغذائي بالمغرب يشكل قضية وجودية لا بد ان تدفع المسؤولين للاستثمار في البحث العلمي في هذا الميدان للقدرة على إيجاد بدائل حقيقية

.
وكانت آخر مداخلة بهذه الجلسة العلمية الأولى هي تلك التي قدّمها الباحث بسلك الدكتوراه، والإطار بالمديرية الجهوية للشباب والرياضة بجهة الشرق السيد ياسين دحو، تحت عنوان: « الأمن الغذائي بالمغرب بين تحديات العولمة ومفارقات الواقع ». وقد بدأ الباحث مداخلته برصد التحديات التي تطرحها العولمة على الأمن الغذائي بالمغرب، طارحا إشكال ضغط المديونية وتغول التوجهات النيوليبرالية في مختلف مفاصل السياسات العمومية بالمغرب وتأثيراتها على اختيارات السياسات الفلاحية. ونبّه إلى دور المؤسسات المالية الدولية في تقويض الأمن الغذائي بالمغرب. كما قام بتحليل مكانة الأمن الغذائي في المخطط الأخضر والجيل الأخضر مسلطا الضوء على أهم المفارقات التي تطبع هذه السياسات من خلال تبنيها منظور المنظمات الدولية للأمن الغذائي خاصة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، مبرزا كيف أن هذه السياسات ساهمت في إعادة إنتاج نفس الخيارات السابقة. وقدّم رصدا للسلوك الذي يحكم الفلاح الكبير وجماعات المصالح في هذا الصدد، وكذا خصوصية النسق السياسي المغربي.
وخلص المحاضر إلى أن مفهوم الأمن الغذائي بالمغرب، تطبعه العديد من المفارقات، وفق ثنائية الخطاب والواقع، في ظل غياب سياسات اقتصادية عقلانية تتسم بالشفافية والتخطيط الاستراتيجي، تحول دون استمرار التبعية على مستوى السيادة الغذائية. وقدم توصيات مهمة تتمحور حول ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية من أجل القطع مع هذه الاختلالات البنيوية، والتفكير في تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الأساسية، مع ضرورة تقوية نظم الرصد الغذائي، وتعزيز الالتقائية في السياسات العمومية في مجال الامن الغذائي، وبلورة منظومة قوية لتقييم السياسات العمومية.
السبت 6 يناير 2024
صبيحة يوم السبت انطلقت الجلسة العلمية الثانية برئاسة الأستاذ هشام صابر منسق وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة. وبدورها هذه الجلسة عرفت مشاركة متميزة بين فاعلين اقتصاديين وأطر وطنية ضمن الإدارة المغربية بجانب أساتذة باحثين

.
وقد كانت أول مداخلة ضمن هذه الجلسة الصباحية هي تقديم السيد علوي مولاي عبد القادر عضو اتحاد مقاولات المغرب ورئيس الجامعة الوطنية للمطاحن بالمغرب. وقد كانت هذه المحاضرة غنية بمعطياتها وتحليلها لنسق السياسات الغذائية للمغرب.
وقد أكد السيد المحاضر في بداية مداخلته التي كانت تحت عنوان « السيادة الغذائية في المغرب: التغيرات والتحديات » على أهمية التدابير المتخذة من قبل المغرب نحو تحقيق السيادة الغذائية. وأشار المتحدث إلى المعوقات التي تحول دون تحقيق هذه السيادة الغذائية مثل عامل عدم انتظام توزيع الأمطار، وانخفاض معدل مساحات المزارع. كما ذكّر السيد العلوي بالإجراءات المختلفة المتبعة لمكافحة الجفاف، ومنها:
– إنشاء محطات تحلية المياه
– تعزيز القدرات التخزينية.
– بناء مخزون السلامة.
– الدعم الحكومي للمشتغلين ضمن قطاع الحبوب.

بعد ذلك تدخل الأستاذ عبد الرحمان أنافلوس ممثل المديرية الجهوية للفلاحة بجهة الشرق بمحاضرة عن « آثار السياسات الزراعية المغربية على الأمن الغذائي في سياق تغير المناخ والتضخم العالمي ».
وقد افتتح المتحدث محاضرته بالتذكير بواقع التغيرات المناخية الحالية الصارخة ضاربا المثال بالمنطقة الشرقية حيث معدل هطول الأمطار يتراجع باستمرار. بعد ذلك ناقش السيد أنافلوس أسباب التضخم العالمي الحالي، وتحديداً العوامل المرتبطة بالطلب، وتلك المرتبطة بالعرض، والعوامل الهيكلية التي تساهم في تفاقم حالة التضخم على المستوى العالمي. كما أوضح المتحدث تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي بالمغرب والاستراتيجيات المعتمدة لمكافحة الجفاف، وخاصة تطوير قدرات تخزين المياه، وتعزيز تقنيات إدارة المياه، والري الاقتصادي ومكافحة الهدر، وتعبئة الموارد السطحية، والمياه الجوفية، وأخيراً تحلية المياه وربط الأحواض المائية في الشمال والجنوب.
كما تناول السيد المحاضر آثار التضخم العالمي على الأمن الغذائي في المغرب والجهود التي تُبذل للتخفيف من آثاره على الزراعة. وعرض في نهاية مداخلته لآثار السياسات الفلاحية في المغرب على الأمن الغذائي مذكّرا بالدور الذي لعبه مخطط المغرب الأخضر في هذا المجال

.

المداخلة الثالثة التي كانت تحت عنوان « السيادة الغذائية: رهان أمني لأفريقيا » قدّمها الأستاذ مورد زناسني الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة. وقد تمحورت مداخلته حول النقاط الثلاث التالية: مفاهيم الأمن والسيادة الغذائية، ثم أهمية السيادة الغذائية في إفريقيا وأخيرا الآثار السياسية لتحقيق السيادة الغذائية في إفريقيا.
فيما يتعلق بالمحور الأول، فقد عرض المتحدث لمفهوم السيادة الغذائية في علاقته بالأمن، باعتبار أن انعدام السيادة الغذائية يشكل مصدراً لانعدام الأمن داخل الدولة وبين الدول كذلك. أما فيما يخص أهمية السيادة الغذائية في إفريقيا فقد لخصها الأستاذ المحاضر في خمس ملاحظات في أفريقيا:
– الأرقام المهولة حول السيادة الغذائية؛
– العوامل الخارجية التي تساهم في تضخيم مشكلة انعدام الأمن الغذائي، مثل وباء كوفيد 19 والحرب الأوكرانية الروسية؛
– التغيرات المناخية وآثارها على الإنتاج الغذائي؛
– النمو الديمغرافي والتغير الخطير في الموارد الطبيعية
– الإمكانات الزراعية التي لا تزال غير مستغلة إلى حد كبير.
في حين نبّه الأستاذ المحاضر ضمن المحور الثالث والأخير إلى السياسات الواجب تنفيذها لتحقيق السيادة الغذائية على المستوى القاري، والتي تتمثل في تبادل الممارسات الجيدة وتحديث البيانات وتحسين أساليب الإدارة وتعزيز قدرات المؤسسات المتخصصة والتعاون الإقليمي. وفي الختام، ذكّر المتحدث بالإصلاحات التي قامت بها البلدان الأفريقية التي يجب أن تؤثر على آليات زيادة المعروض من الغذاء وآليات تنظيم الطلب على الغذاء.
وكانت آخر مداخلة ضمن الجلسة الثانية هي تلك التي قدّمها الدكتور فؤاد فرحاوي، وهو أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة، في موضوع: « الأمن الغذائي في الحسابات الاستراتيجية الدولية الراهنة ».
لقد استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بالقول بأن العالم شهد خلال العقدين الأخيرين تصاعدا للنقاش حول قضايا الأمن الإنساني والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الطاقي، باعتبارها أسسا وركائز يقوم عليها الاجتماع الإنساني واستمرارية وجوده، وأكد الأستاذ فرحاوي على أهمية استحضار الصعود الصيني لفهم الصراعات الجيوسياسية الراهنة، خصوصا بينها وبين القوى الكبرى في العالم لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية

.
وذكّر الأستاذ فؤاد بأن أزمة المياه التي تعيشها العديد من بلدان العالم هي من الأسباب الرئيسية في ندرة الغداء وارتفاع أسعاره، إضافة إلى عوامل أخرى كالمضاربات في أسواق البورصات. كما نبه الأستاذ المحاضر بأن موضوع الأمن الغذائي تحول إلى قضية أساسية استأثرت باهتمام الدول والمنظمات الدولية، خصوصا الصين التي نهجت سياسة بناء السدود الكبرى في الداخل وخارج أراضيها لإطعام سكانها من جهة، والتحكم في أسواق الغذاء في العالم من جهة ثانية. وأشار المتدخل إلى تحول موضوع الأمن الغذائي إلى ساحة للصراع الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، تجلى مثلا في التنافس بينهما للتأثير في السياسيات المائية وتدبير مجاري الأنهار الكبرى العابرة للحدود، مثل نهر الميكونغ، فضلا عن مواجهة الولايات المتحدة لسياسة الصين لشراء الأراضي الزراعية في الخارج بما فيها الأراضي الزراعية الأمريكية، مخافة أن تتحول إلى « مستوطنات صينية » يمكن توظيفها لأغراض استراتيجية كالتجسس على القواعد الأمريكية أو المنشئات الحساسة.
كما تناول الأستاذ فرحاوي أيضا الأزمة الروسية الأوكرانية وما رافقها من تداعيات على الأمن الغذائي العالمي بسبب تخوف الدول النامية، خاصة الدول الإفريقية منها، من أن يؤدي هذا إلى الصراع إلى انقطاع سلسلة التوريد للحبوب، والتي تعتبر أوكرانيا وروسيا من أكبر المصدرين لهذه المادة الحيوية إلى الأسواق الدولية، وقد اتضح هذا التأثير على سبيل المثال في السلوك التصويتي للدول الإفريقية على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، حيث حاولت الكثير من هذه الدول تجنب الانحياز سلوكها التصويتي

.
بعد ذلك انطلقت أعمال الجلسة العلمية الثالثة والأخيرة التي أشرف على تسييرها الأستاذ زين العابدين حمزاوي، الأستاذ بكلية الحقوق وجدة. وقد افتتح أعمال هذه الجلسة الأستاذ عبد الرحمن حرادجي، الأستاذ الباحث بشعبة الجغرافية بكلية الآداب، جامعة محمد الأول وجدة، بمحاضرة في موضوع: « المخاطر البيئية والأمن الغذائي ». وقد استهل محاضرته بالتذكير بأن ضمان الأمن الغذائي أصبح ضرورة، باعتباره من أهم مقومات السلم الاجتماعي، ومن أبرز عناصر التخطيط الاستراتيجي للبلدان. ثم تحدث بعد ذلك عن تباين المخاطر البيئية باختلاف الأوساط الطبيعية، مشيرا إلى مخاطر تدهور الأراضي والتصحر ومخاطر المناخ وتقلباته. وقد نبّه في مداخلته هذه إلى أن العوامل الطبيعية سواء تلك المرتبطة بالسلوك البشري أو المستقلة عنه هي المسؤولة عن تهديد الأمن الغذائي العالمي، خاصة فيما يتعلق بسوء استخدام الأراضي، وضعف الحكامة في تدبير الموارد المتاحة. وختم مداخلته بالدعوة إلى عدم التساهل مع ظاهرة تدهور الأراضي والتصحر، الشيء الذي ينذر بتقويض حتمي لتأمين الغذاء. كما دعا إلى ضرورة رفع مستوى الوعي والتأطير بشأن المخاطر البيئية وسبل مواجهتها بكل الوسائل الممكنة.
أما المداخلة الثانية ضمن الجلسة الثالثة فكانت من تقديم الدكتور مجيد عنكيط رئيس المجلس الجهوي للوسط الشمالي، الهيئة الوطنية للأطباء البيطريين، وكانت تحت عنوان: « تدبير الصحة الحيوانية لمواجهة الامراض العابرة للحدود ». وقد أشار في مستهل مداخلته إلى العلاقة بين الأمن الغذائي بالتوفر على قطيع حيواني سليم ومعافى، وقد نبه أن ذلك لا يتأتّـى إلا بالتوفر على اليد العاملة الكفؤة ومصادر للكلأ، ناهيك عن ضرورة مراقبة وتتبع الحالات الوبائية المعزولة من أجل القضاء عليها لأنها تشكل خطرا على الأمن الغذائي. ومن خلال هذا المعطى دعا الدكتور مجيد عنكيط إلى ضرورة تفعيل وسائل الرصد المبكر والدائم مع وضع خطط وآليات ملائمة لمواجهة هذه الأمراض العابرة للحدود، عبر محاصرة الوباء والقيام بالتطعيم الاحترازي اللازم للقطيع، من أمراض خطيرة كالحمى القلاعية، واللسان الأزرق وطاعون المجترات الصغيرة.
وقد أكد المحاضر أن الوعي بخطورة انتشار الأوبئة على صحة وسلامة الحيوانات خاصة بعد انتشار مرض طاعون الابقار، هو الذي دفع إلى إنشاء منظمة الصحة الحيوانية الدولية سنة 1924، وهي منظمة عالمية تعمل على وضع سياسات في مجال حماية المبادلات التجارية وفي مجال الحيوانات والمواد ذات الأصل الحيواني

.
وذكّر بعد ذلك بأن فترة التسعينات من القرن الماضي عرفت تطورا كبيرا في مفهوم (من المزرعة إلى المطبخ)، تمثل في إعادة هيكلة العديد من الدول لمصالحها التي تعنى بالمراقبة والرصد والتتبّع ومنها المغرب الذي أوكل هذه المهمة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) الذي أنشئ سنة 2010
وأشار المتدخل إلى أن المكتب الوطني للسلامة الصحية قد تمكن بفضل السياسات المنتهجة، من إرساء منظومة للرصد المبكر للأمراض المعدية واستراتيجية محكمة لمواجهتها والحد من انتشارها خاصة عبر اعتماد نظام الانتداب الصحي الذي يمكّن الاطباء البياطرة من القطاع الخاص في المشاركة في عملية الرصد وحملات التلقيح ضد الأمراض المعدية.
وفي الأخير خلص الدكتور مجيد عنكيط إلى أنه رغم هذه النتائج الايجابية في تدبير الأخطار الناجمة عن الأمراض المعدية العابرة للحدود إلا أن شبح انتشارها ودخولها إلى المغرب ما زال قائما وذلك لعدة أسباب، أهمها الموقع الجغرافي الذي يميز المغرب حيث يجمع بين حدود برية وبحرية تمتد آلاف الكيلومترات، وهو ما يفرض تعزيز منظومة الرصد المبكر وإمدادها بالموارد المادية والبشرية اللازمة لتمكينها من أداء مهامها. كما يتطلب ذلك استكمال النظام الوطني لتعريف الحيوانات وتتبعها وتحديث الترسانة القانونية وتعميم التعويض عن الأضرار المُعدية لفائدة الكسابين.
بعد ذلك أحال الأستاذ زين العابدين حمزاوي رئيس الجلسة الكلمة إلى المتدخل الثالث ضمن هذه الجلسة وهو السيد محمد الملحاوي الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة. وقد عالجت محاضرته موضوع: « أبعاد ومحددات الأمن الغذائي-الشروط الثقافية والاقتصادية ». وقد استهل مداخلته بتحديد مفهوم السيادة الغذائية باعتبارها حقا للمجتمعات والبلدان في تحديد سياساتها الغذائية والزراعية، وأن هذه السيادة تتطلب الإحاطة بالجهات التي تساهم بشكل أساسي في سيطرة هذه الدولة على مقدراتها، من خلال إعداد سياسات زراعية خاصة بما تحقق لها أمنها الغذائي.
كما أكد الأستاذ محمد الملحاوي، بأن تحقيق الأمن الغذائي مرتبط بسيادة الدولة على مقدراتها الزراعية والغذائية، والتي تشكل أمنها وسيادتها من أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية، وضد أي إملاءات من شأنها أن تلحق الضر باستقرارها الاقتصادي والاجتماعي. واعتبر أن من بين الإشكاليات التي تحد من هذه السيادة، هو كون التحولات العالمية تتسم بالعديد من القيود والفوارق، فمنها ما هو سياسي واقتصادي، ومنها ما هو اجتماعي أو استراتيجي. كما اعتبر الأستاذ الملحاوي أن الحفاظ على هذه التوازنات الاستراتيجية وعلى رأسها تحقيق الاكتفاء يصطدم بالتحديات المتعلقة بالدول نفسها من حيث قدرتها على ضمان الاستقرار الاجتماعي.
وفي ختام كلمته نبه الأستاذ الملحاوي إلى أن أولوية الدول في تحقيق الأمن الغذائي يمر عن طريق الحكامة الرشيدة في تدبير الموارد الطبيعية، واعتبر أن المغرب مهدد أكثر من أي وقت مضى بفقدان سيادته الغذائية، لذلك فهو مطالب بوضع سياسات زراعية أكثر أمانا تمكنه من تحقيق الاكتفاء الذاتي، عن طريق اتباع إجراءات واقعية وملموسة في المجال الفلاحي.
وضمن أعمال هذه الجلسة قدم كل من الأستاذين بكلية الحقوق جامعة محمد الأول عبد الصمد عبو-عبد الرزاق بوطاهري، مداخلة مشتركة تحت عنوان: « الأمن الغذائي وحماية المستهلك ». وقد استهلت هذه المداخلة بالحديث عن مفهوم الأمن الغذائي وارتباط هذا المفهوم بمفهوم الأمن في القرآن الكريم، معتبرة أن الأمن الغذائي له ارتباط وثيق بمجالات عدة ومنها الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن السياسي. وقد تساءل الأستاذ المحاضر عبد الرزاق بوطاهري الذي قدّم هذه المداخلة المشتركة، عن وجود خطاب قانوني في مفهوم الامن الغذائي؟
وقد أعطى الأستاذ المحاضر كرونولوجيا بناء السدود في فترة الملك الراحل الحسن الثاني ومشيرا إلى حكمة الملك محمد السادس في تدبير أزمة المياه. وخلص الأستاذ المحاضر بالقول بأن الأمن الغذائي مرتبط بالأسس الدستورية ومنها الفصل 21 و22 من دستور 2011، والذي عرفه بعض الحقوقيين بالقول بأنه دستور الحقوق والحريات الأساسية. ومن خلال هذا التأطير القانوني أكد الأستاذ عبد الرزاق بوطاهري على القول بأن المشرّع المغربي عمل على إخراج العديد من النصوص القانونية لحيز الوجود من اجل محاربة الغش والاحتكار في السلع وضمان المنتوجات المعيبة ومنها القانون 99.06 المتعلق بالالتزام بالإعلام وقد جاء هذا النص ليوفر حماية الأمن الغذائي من خلال التنصيص على الالتزام بالإعلام، والأمر بالتحذير وكذلك القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، والقانون 24.09 المتعلق ببيع المنتوجات المعيبة الذي جاء ليحمي الصحة والأمن الغذائي.
وفي ختام مداخلته أكّد الأستاذ بوطاهري على الاهتمام المتزايد لمشكلة الأمن الغذائي حيث دعا إلى حماية المستهلك من خلال تظافر جهود الفاعلين في هذا المجال ومنهم جمعيات حماية المستهلك والإعلام والهيئات المسؤولة على المراقبة والرصد والتتبع من أجل حماية صحة وسلامة المستهلك المغربي.
وكانت آخر ورقة في هذا المؤتمر هي تلك التي قدّمها كل من الباحثين بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بوجدة شيماء الزحدالي ومحمد عبد الله موساوي بعنوان: « خرافة ندرة الغذاء والأرض ». وقد استهل الأستاذ محمد عبد الله موساوي كلامه بتدقيق المفاهيم وتبيان الفرق بين الغِذاء والغَداء والتغذية والسيادة الغذائية الوطنية، واعتبر أن الأمن الغذائي هو شرط مسبق للتمتع بالحق في الغذاء، وأن هذا الأخير يفرض توفر الأفراد إما على وسائل إنتاج الغذاء أو مدخول لشرائه، وهو حق منصوص عليه في المواثيق الدولية خاصة المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، فيما لا يعتبر الأمن الغذائي مفهوما قانونيا وبالتالي لا يترتب عليه التزامات واستحقاقات. وقال الأستاذ موساوي أن سبب أزمة الغذاء والجوع في العالم ليس فقط ندرة الغذاء والأرض كما يتم الترويج لذلك، بل هناك أسباب أخرى مؤثرة ويمكن كبحها وإيجاد بدائل لها إذا ما كان هناك توزيع عادل للثروات الغذائية وإمكانية الوصول المادي والاقتصادي للغذاء. وقد لخص الأستاذ موساوي ذلك في خمس خرافات، دعّمها بإحصائيات وأرقام لمنظمات دولية رسمية، من قبيل أننا أمام أزمة إدارة إنتاج الغذاء وليس أزمة إنتاجه، وأن الجوعى هم ضحايا لجشع الآخرين وليسوا ضحايا للجوع، كما اعتبر الاهتمام بحقوق النساء المزارعات حلا للجوع وليس العكس، وكون التكنولوجيا العالية والأسمدة الصناعية ليست حلا وأن الجوع ليس نتيجةً حتمية للنزاعات المسلحة.
في المقابل تطرقت الباحثة شيماء الزحدالي إلى الوجه الآخر للمساعدات الغذائية الإنسانية، وأكدت أنه مع تفشي مظاهر الفقر وازدياد عدد الجوعى وتوالي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والنزاعات التي تشهدها العديد من البلدان والأقاليم، أصبح الغذاء سلاح ضغط توظفه بعض الدول لفرض سيطرتها. وأضحت المساعدات الغذائية الإنسانية شكلا من أشكال تعظيم النفوذ لدول على أخرى أكثر هشاشة وأقل استقرارا، بدل أن تكون إدارة فعالة لأزمات الغذاء. وخلصت الأستاذة شيماء إلى أنه لا وجود لهدف إنساني بريء، بل إن بعض الدول المساهمة قد تأخذ جزءا من الموارد الداخلية وتوظفه على شكل مساعدات مقابل فرض سيطرتها وخدمة مصالحها في دول أخرى محتاجة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *