Home»Débats»هل تلقت النقابات التعليمية هبة حكومية؟!

هل تلقت النقابات التعليمية هبة حكومية؟!

0
Shares
PinterestGoogle+

اسماعيل الحلوتي

بمجرد توصل الحكومة في شخص اللجنة الوزارية الثلاثية مع ممثلي النقابات التعليمية الخمس « الأكثر تمثيلية » إلى التوقيع على محضر اتفاق 26 دجنبر 2023 تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بخصوص التعديلات المرتبطة بالجانبين التربوي والمالي لموظفي قطاع التعليم، وما إن بدأت الحياة تدب في أوصال مؤسسات التعليم العمومي بجميع أنحاء المملكة، التي شلتها إضرابات نساء ورجال التعليم على مدى حوالي ثلاثة شهور، منذ أن صادقت الحكومة على مرسوم 2.23.819 المتعلق بالنظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي جاء محبطا ومخيبا لآمال الشغيلة التعليمية…
حتى شرع بعض النشطاء في الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي لحصول المركزيات النقابية « الأكثر تمثيلية » على هبة حكومية بقيمة 20 مليار من المال العام، مقابل توقيعها على المحضر المشار إليه أعلاه، مما أثار حنق وغضب الجامعة الوطنية للتعليم « التوجه الديمقراطي » التي سارعت إلى إصدار بلاغ عبر مكتبها الوطني، للتعبير عن احتجاجها الشديد على ما أسمته « المس بسمعة العمل النقابي الجاد » والتأكيد على عدم تبعيتها لأي مركزية نقابية، مطالبة الحكومة بفتح تحقيق عاجل حول هذا الخبر الزائف. كما لم تفتها إدانة ما وصفته بالتضليل والبلطجة والكذب والبهتان، الذي يستهدف النقابات المناضلة وسمعة مناضليها » لاتهامها بالحصول على أموال للتوقيع على اتفاق لا يخدم مصالح كل فئات التدريس، داعية الحكومة إلى فتح تحقيق عاجل ونشر توضيح حول هذا الادعاء الباطل.
من هنا يحق لنا أن نتساءل حول الأسباب التي جعلت النقابات تفقد مصداقيتها إلى الحد الذي بات الكثيرون يتهمونها بالتواطؤ مع الحكومات المتعاقبة، ولاسيما بعد أن سحبت التنسيقات وفي مقدمتها تنسيقيات التعليم البساط من تحت قدميها، كما أثبت الواقع ذلك إبان الاحتقان الذي شهدته الساحة التعليمة؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أنه فضلا عما تتلقاه المركزيات النقابية من « ريع » سنوي يقتطع من أموال دافعي الضرائب، فإنها ليست المرة الأولى التي تتهم فيها النقابات « الأكثر تمثيلية » بالارتشاء، إذ سبق لها ذلك إبان تمرير الخطة المشؤومة لما سمي ب »إصلاح نظام التقاعد » في عهد حكومة عبد الإله ابن كيران غير المأسوف عليها…
ذلك أنه بالرغم ما للمركزيات النقابية من أهمية بالغة في حياة الموظفين والأجراء، لما تقوم به من أدوار في الدفاع عن حقوق ومصالح المنتمين إليها وتمثيلهم على عدة مستويات والارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل، ولاسيما فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، فإنها بلغت للأسف في السنوات الأخيرة حدا من الإفلاس غير مسبوق، ولم يعد لها تأثير ولا استقلالية عن القرار السياسي بعدما باتت مجرد ملحقات حزبية. إذ هناك من أصبح يشكك في مدى جديتها في الترافع عن الملفات المطلبية ويعتبرها مؤسسة ريعية بامتياز، ويردد آخرون في أكثر من مناسبة بأن أموالا هامة تمنح من فوق وتحت الطاولة لترضية بعض شيوخها تحت يافطة النقابات « الأكثر تمثيلية » ضدا على الواقع المعاش، فيما ترى بعض القطاعات العمومية أنها أصبحت عبارة عن « ديكورات » يتم الاستعانة بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وتعرف الحكومات المتعاقبة متى تجعلها تصمت، مادام قادتها لا يحسنون سوى التسابق على الريع السنوي.
ثم أي قوة بقيت للنقابات وقد أظهرت المعطيات الرقمية الواردة ضمن مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول المميزات الأساسية للسكان النشيطين المشتغلين خلال سنة 2018، أن عدد المنخرطين منهم في النقابات لا يتعدى في تلك الفترة 4,3 في المائة فقط، مما يدل على ضعفها والقول بأنها نقابات صورية ليس إلا؟ وهو ما يؤكد أن غالبية الأجراء والموظفين فقدوا ثقتهم بالنقابات، التي لم تعد في نظرهم سوى وسيلة للترقي الاجتماعي وخاصة منها النقابات التعليمية، حيث أنه بفضل المحسوبية والانتهازية يستفيد البعض من الانتقال من المناطق النائية إلى المدن، ومن متاعب الفصول الدراسية إلى الراحة في المكاتب والتفرغات وتغيير الإطار وغيره كثير، مما يساهم في ضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
فكيف لا تفقد النقابات مصداقيتها ويتهم قادتها وأطرها بالارتشاء، وهي التي لم تعد تمثل سوى نفسها بعد أن نخرتها المصالح الشخصية المتمثلة في الامتيازات والتعويضات المغرية على حساب الطبقة العاملة؟ ويضرب المثل على ذلك في هذا السياق بما أصبح عليه قياديو هذه النقابات وأعضاء مكاتبها الوطنية من علامات النعمة والثراء، ولاسيما أولئك الذين حظوا بمناصب مرموقة في مؤسسات دستورية، ودواوين وزارية، ومجالس جهوية وإقليمية ومحلية وغيرها. في الوقت الذي كان شرفاء الوطن من المناضلين الأحرار يعتبرون العمل النقابي عملا تطوعيا يستلزم تقديم التضحيات ونكران الذات من أجل خدمة الشغيلة والسهر على تحقيق مصالحها والحفاظ على مكتسباتها الاجتماعية، وليس استغلال قضاياها في اتجاه تحقيق مصالح ذاتية ضيقة.
إنه لا سبيل اليوم أمام النقابات للخروج من هذا النفق المظلم الذي حشرت نفسها فيها وإعادة البريق المفقود، سوى القيام بنقد ذاتي عميق ومضاعفة الجهود في اتجاه إصلاح ما أفسده التسيير الانتهازي الأخرق، التحرر من قيود التبعية للهيئات السياسية التي تعاني بدورها من عدة أعطاب وخاصة فيما يرتبط بالجانب التأطيري، استرجاع الثقة بينها والطبقة العاملة وانتخاب قادتها بشفافية في أجواء من الديمقراطية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *