Home»Débats»زمن التنسيقيات أو السلطة البديلة!

زمن التنسيقيات أو السلطة البديلة!

1
Shares
PinterestGoogle+

اسماعيل الحلوتي


لم تعرف المركزيات النقابية الكبرى خلال العقد الأخير زخما حضوريا في الساحة التعليمية ببلادنا، كما عرفته هذه الأيام التنسيقيات التعليمية، التي تمكنت من اكتساب مصداقية في أوساط نساء ورجال التعليم، الذين لا يتردد الكثيرون منهم في الاستجابة لنداءاتها والانخراط في برامجها النضالية التصاعدية، الزاخرة بالوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات المحلية والوطنية، كما يحدث الآن في ربوع المملكة ومنذ أن صادقت الحكومة في 27 شتنبر 2023 على المرسوم رقم 819.23.2 المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي أجهض آمال وأحلام الشغيلة التعليمية.
حيث قرر التنسيق الوطني لقطاع التعليم تدشين العام الدراسي 2023/2024 بتنظيم سلسلة من الوقفات الاحتجاجية داخل المؤسسات التعليمية أثناء فترات الاستراحة، وخوض إضراب عام يوم الخميس 5 أكتوبر 2023 في تزامن مع اليوم العالمي للمدرس، مع تجسيد وقفة احتجاجية مركزية أمام مقر وزارة التربية الوطنية ومسيرة نحو البرلمان. مسيرة انخرط فيها عشرات الآلاف من نساء ورجال التعليم، للتعبير عن رفضهم القاطع للنظام الأساسي الذي جاء دون مستوى انتظاراتهم، ولا يلبي المطالب المشروعة لكافة الفئات التعليمية المزاولة والمتقاعدة، معتبرين أنه نظام تراجعي وإقصائي ويكرس العمل بالعقدة تحت مسميات احتيالية وينزع عنه طابع الوظيفة العمومية…
وقد استطاع هذا التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي أصبح اليوم يضم أكثر من عشرين تنسيقية ويتوفر على قاعدة جماهيرية واسعة، أن يسحب البساط من تحت أقدام النقابات التعليمية الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023 ويمارس ضغطا قويا على الحكومة من خلال برنامجه النضالي التصاعدي، ولاسيما بعدما دعا إلى « مسيرة الكرامة » بالعاصمة الرباط يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 التي انطلقت من أمام مقر البرلمان نحو الوزارة الوصية، وشهدت حضورا جماهيريا كبيرا وغير مسبوق من كل جهات المملكة، مطالبا الحكومة بتحمل مسؤوليتها السياسية في التعجيل بسحب « نظام الأساسي »، ضمان حق الإضراب، وضع حد للاقتطاع من أجور المضربين وإرجاع المبالغ المقتطعة دون موجب حق لأصحابها، دون أن ينسى التأكيد على وجوب تحصين الوظيفة والمدرسة العموميتين من إملاءات البنك الدولي، إلغاء نظام التعاقد وإدماج الأساتذة وأطر الدعم المعنيين، والزيادة في الأجور العامة بما يتناسب والارتفاع القياسي لأسعار المحروقات وباقي المواد الأساسية…
فبفضل ضغوطات التنسيق الوطني والشارع المغربي وليس بسبب النقابات، اضطر رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى الدخول على خط الأزمة وعقد لقاء يوم 30 أكتوبر 2023 مع النقابات « الأكثر تمثيلية »، وإبداء موافقة حكومته المبدئية على مراجعة النظام الأساسي، قبل أن يعود ثانية يوم 27 نونبر 2023 للاجتماع بممثلي ذات النقابات في حضور اللجنة الوزارية الثلاثية التي سبق له تشكيلها من وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، وزير التشغيل يونس السكوري والوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، والخروج باتفاق يقضي بتجميد النظام الأساسي وإعادة النظر في مقتضياته وفق مقترحات التنسيق النقابي الرباعي، إعادة النظر في التعويضات وتحسين الدخل لفائدة الشغيلة التعليمية، إيقاف الاقتطاع من أجور المضربين خلال الشهر المقبل (دجنبر 2023)، وأن يتواصل اشتغال اللجنة الوزارية الثلاثية مع النقابات، على أساس الانتهاء من كل الملفات والإعلان عن حصيلة « المفاوضات » في أجل أقصاه 15 يناير 2023.
وبالنظر إلى ما صار عليه التنسيق الوطني لقطاع التعليم من إشعاع في ظل الاحتقان الذي تشهده الساحة التعليمية، وعلى إثر الغضب العارم الذي يسود وسط شريحة واسعة في أوساط الأساتذة الجامعيين، ولاسيما أنهم لم يستفيدوا من أي زيادة في الأجور على مدى 26 سنة، ارتأى عدد منهم القيام هم أيضا بتأسيس تنسيقيات خاصة على غرار الشغيلة التعليمية في الأسلاك الثلاثة بالتعليم العمومي، للمطالبة بتفعيل المرسوم رقم 545.23.2 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 7221 بتاريخ 14 غشت 2023 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، الذي سبق للحكومة في شخص رئيسها أن وقعت يوم الخميس 20 أكتوبر 2023 مع النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، بروتكولا يرمي إلى الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم العالي، ومنه صرف مستحقاتهم المقدرة بثلاثة ألف درهم لجميع الفئات، موزعة على ثلاث سنوات ابتداء من فاتح يناير 2023، متهمين النقابة الوطنية للتعليم بالتلكؤ وخدمة « أجندة سياسية » بدل العمل على تحقيق مطالبهم المشروعة.
إن ما بات يشهده المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة من تناسل للتنسيقيات في عديد القطاعات، يعود حسب بعض الباحثين في دينامية الاحتجاج، لما آلت إليه الأحزاب والنقابات من وهن وفقدان ثقة المواطنين، رغم ما تحظى به من دعم سنوي من أموال الشعب، حيث أضحت عاجزة عن لعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع، والترافع عن أهم القضايا التي تشغل المواطنين وكذا الأجراء والموظفين، مما ساهم منذ حتى قبل إقرار دستور 2011 في ظهور هذه التعبيرات الجديدة، التي تعد امتدادا للإرادة الجماعية وسلطة بديلة داخل الفضاء العام، للمطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية، ضمان الحقوق المشروعة والقطع مع كل الممارسات والسياسات، التي تكرس الظلم والإقصاء والتهميش وغيره…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *