Home»Débats»ما فائدة النصوص التشريعية والتنظيمية إذا لم تطبق على أرض الواقع؟

ما فائدة النصوص التشريعية والتنظيمية إذا لم تطبق على أرض الواقع؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

ما فائدة النصوص التشريعية والتنظيمية إذا لم تطبق على أرض الواقع؟

من المعلوم أن تقدم المجتمعات ورقيها رهين بمدى قيام مختلف مكوناتها أفرادا وجماعات، حكاما ومحكومين بواجباتهم مقابل مجموعة من الحقوق، وغالبا ما تكون هذه الواجبات والحقوق مُقيدة بعدد من النصوص التشريعية والتنظيمية التي يُفترض أن يَخضع لها الجميع في الواقع العملي، إلا أن الملاحظ عندنا وعند عدد من بلدان العالم الثالث أن النصوص في واد والواقع في واد آخر، مع العلم أن هناك جهة أو جهات يفترض فيها التدخل لإنفَاذ أداء الواجبات والاستفادة من الحقوق.

وفي هذا الصدد، وحتى لا أتدخل فيما لا يعنيني، فإني أُركز على بلدي الحبيب لعلي أصادف من القراء من يعنيه الأمر ويعمل على تغيير الكفة لصالح تجسيد النصوص التي تدخل في اختصاصه على الواقع، عوض تحميل المسؤولية للآخر الذي غالبا ما يكون مبنيا للمجهول. وسأقتصر على بعض المضامين الواردة في عدد من النصوص التي لها علاقة مباشرة بمجال التربية الوطنية والتعليم بدءا بالدستور وانتهاء بمقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بشأن تنظيم السنة الدراسية 2019-2020، مرورا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين والقانون الإطار مبرزا التضاد الملاحظ بين النص والواقع.

  • ففيما يتعلق بالدستور نجد أنه يؤكد على أن الإسلام دين الدولة وأن اللغة العربية تظل هي اللغة الرسمية للدولة، وتعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، إلا أن هذا يتنافى إلى حد كبير مع ما يلاحظ على أرض الواقع الإعلامي بالخصوص من تجرء على الإسلام من بعض الحاقدين عليه، ومع الأنشطة التي تُنظمها بعض الجهات المشبوهة التي تصل إلى حد التشكيك في مصدر القرآن وفي وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن استحواذ الفرنسية على مجموعة من المجالات الحيوية في دواليب الدولة وتبنيها في تدريس المواد العلمية، وإدراجها ضمن مقررات الابتدائي والأولي يجعل من التنصيص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة شعارا لا غير.
  • وبخصوص الميثاق الوطني للتربية والتكوين يمكن أن نقتبس منه الفقرتين التاليتين:

ففي الأولى ورد أن المغرب يضع لنفسه هدف تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 % في أفق عام 2010، على أن تتوصل البلاد إلى المحو شبه التام لهذه الآفة في أفق2015، المادة (31). وإذا علمنا أنها لا زالت في حدود 30% سنة 2018 حسب بعض الإحصائيات، فإن الفرق بين النص والواقع لا يحتاج إلى تعليق.

أما الفقرة الثانية فتضمنت ما يلي: يستلزم الاستعداد لفتح شُعَبٍ للبحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح، ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة  يرتكز على :التنمية المتواصلة للنسق اللساني العربي على مستويات التركيب والتوليد والمعجم ؛ تشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج والترجمة بهدف استيعاب مكتسبات التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي بلغة  عربية واضحة مع تشجيع التأليف والنشر وتصدير الإنتاج الوطني الجيد ؛ تكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة باللغة العربية و بعدة لغات أخرى،  تكون من بينهم أطر تربوية عليا ومتوسطة.  (المادة 112)، وكما هو الشأن بالنسبة للمثال الأول فلا فائدة من البحث عن آثار هذا الكلام على أرض الواقع، لأن أكاديمية اللغة العربية التي كان من المفترض أن تُوكل لها هذه المهام لم تَر النور ولم تفعل بعدُ.

  • أما بالنسبة للقانون الإطار فمن بين ما ورد في المادة 3 منه اقتطف الأهداف الثلاثة الأساسية التالية:

الهدف الأول: تعميم التعليم وفرض إلزاميته بالنسبة لجميع الأطفال في سن التمدرس، باعتباره حقا للطفل وواجبا على الدولة والأسرة.

الهدف الثاني: تأمين فرص التعلم مدى الحياة وتيسير شروطه، لكسب رهان مجتمع المعرفة، وتنمية الرأسمال البشري وتثمينه.

الهدف الثالث: التشجيع والتحفيز على قيم النبوغ والتميز والابتكار في مختلف مستويات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، من خلال تنمية القدرات الذاتية للمتعلمين، وصقل الحس النقدي لديهم، وتفعيل الذكاء، وإتاحة الفرص أمامهم للإبداع والابتكار، وتمكينهم من الانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل.

ولتحقيق هذه الأهداف وغيرُها كثير، ورد في المادة 6 أن ذلك يُعتبر مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسر وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وغيرهم من الفاعلين في مجال الثقافة والإعلام والاتصال. فكيف يمكن الاعتماد على هذا الخليط غير المنسجم من مكونات المجتمع في تحقيق أهداف يتعين أن تكون دقيقة ووفق برمجة زمنية محددة؟

  • إذا كانت النصوص المشار إليها بطبيعتها تفتقر إلى نوع من الإجرائية، فماذا عن المقرر الوزاري الذي يعد الوثيقة الأكثر إجرائية، لأنها هي التي يُعتمد عليها في تنزيل مختلف العمليات المتعلقة بتدبير الموسم الدراسي، وبهذا الصدد أود التركيز على نقطة واحدة تتمثل في تاريخ الانطلاق الفعلي للدراسة الذي حدده مقرر هذه السنة في مادته السادسة في يوم الخميس 5 شتنبر بالنسبة للسلك الابتدائي والسلك الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي. وسوف لن أكون مبالغا إذا قلت بأنه لحد كتابة هذه السطور يوم 11/09/2019 ، 90% من التلاميذ لا زالوا لم يكتبوا حرفا واحدا، ذلك أن عددا كبيرا من الأساتذة يتضرع بغياب التلاميذ، أو لكون عدد الحضور لا يسمح بالشروع في تقديم الدروس حتى لا يضطر إلى إعادتها مع الملتحقين المتأخرين، فيما يتضرع التلاميذ بعدم شروع الأساتذة في تقديم هذه الدروس، ولهذا يبقى السؤال المطروح: ما الفائدة من صياغة نص من 25 صفحة لا يثبت أمام أول اختبار كان من المفروض أن ينجح فيه بنسبة 100%100 ، علما أنه نَصَّ في المواد 2 إلى 5 على أن كل الإجراءات يتعين إنجازها قبل 30 يوليوز 2019 بما في ذلك جداول الحصص واستعمالات الزمن.

يقول المثل المغربي: « اللي حسب بوحدو إشيط لو ». إن إصدار النصوص بصفة عامة دون توفير آليات تجسيدها على أرض الواقع الذي يتعين استحضاره أثناء صياغتها مآلها الفشل، بل أكثر من ذلك فإن تكرار هذا الفشل يؤدي إلى فقدان الثقة، ليس بالمسؤولين فحسب، وإنما بالمحيط المباشر وغير المباشر لعدد كبير من المواطنين، ذلك أنك بمجرد أن تسأل شخصا عن أحوال الدراسة أو العمل بصفة عامة، تكون الإجابة الأوتوماتيكية « ما بقا والو »، أو أنك ترى الفئة المزاولة تُبارك للفئة المتقاعدة تقاعدها كأنها فازت بالفردوس الأعلى، وهذا لعمري من أكبر المعيقات التي يتعين التخلص منها إذا كنا فعلا نريد أن نحافظ على هويتنا واستقلالنا المعنوي عن مستعمر الأمس الذي لا يتوانى عن بذل الغالي والنفيس في استدامة ثقافة القابلية للاستعمار من خلال زرع ثقافة حب الكسل وازدراء قيمة العمل.

في الأخير أختم بالقول في شأن انطلاق الدراسة في وقتها، بأن ما نعيشه ليس قدرا، وإنما استسلاما ناتجا عن سيطرة الأنانية لدى كثير منا، وعلى فقدان روح المسؤولية والمسؤولية الجماعية بالخصوص، ذلك أنه ليس أسهل من أن تنطلق الدراسة في وقتها لو تحمل كل منا مسؤوليته، أولياء وأساتذة وإدارة بمختلف مستوياتها:

  • أولا من خلال الاستفادة من بعض الأساتذة الجادين الذين أصبحوا معروفين لدى الجميع بأن الدراسة تبدأ في أول يوم.
  • ثانيا بتحمل الآباء لمسؤولياتهم وإرغام أبنائهم على الالتحاق بالأقسام، والاتصال بالإدارة المحلية والإقليمية وحتى الجهوية في حالة عدم شروع أساتذة بتقديم الدروس.
  • ثالثا بقيام الإدارة المحلية بواجبها في اتخاذ جميع الإجراءات لتوفير كل الوثائق التي ينص عليها المقرر الوزاري، والشروع في تمرير ورقة الغياب من أول يوم للدخول المدرسي، وعدم التواني في اتخاذ الإجراءات الزجرية في حق كل من ثبت أنه يماطل في انطلاق الدراسة كان أستاذا أو تلميذا أو إداريا.
  • رابعا بقيام لجن إقليمية وجهوية بزيارات ميدانية للوقوف على الأسباب الحقيقية والموضوعية لعدم الشروع الفعلي في الدراسة، على أن تُعطى لهذه اللجن الصلاحية لاقتراح الطرق الملائمة لمعالجة كل حالة على حذا.
  • خامسا بإنشاء لجنة جهوية للتبع ورصد جوانب الضعف وجوانب القوة، وتجميعها في شكل اقتراحات تُرفع إلى وزارة التربية الوطنية لاعتمادها في إصدار مقرر وزاري قابل للتنزيل العملي خلال الموسم الدراسي المقبل.

أرجو أن أكون قد ساهمت في توضيح كيفية معالجة ملاءمة النصوص التشريعية للواقع العملي، من خلال زرع فكرة الانخراط الجماعي كل حسب موقعه، والعمل على محاربة الأفكار السلبية التي تؤدي بنا إلى الارتماء في أحضان الآخر بتَعَهُّد قابليتنا للاستعمار.

الحسن جروديِ

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *