Home»Débats»هكذا تكلم العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة –الحلقة الثالثة- الرد على من يتهم المغاربة بالابتداع

هكذا تكلم العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة –الحلقة الثالثة- الرد على من يتهم المغاربة بالابتداع

1
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
كثيرة هي القضايا التعبدية التي يلوكها الناس بعلم أو بغير علم، ويعتبرونها داخلة في باب خطير ألا وهو البدعة على اعتبار أن البدعة من شأنها أن تجعل العمل ضلالا وكل ضلال في النار. أي إن الاندفاع إلى القول بالبدعة ليس بالأمر الهين حيث يحتاج إلى دليل واضح مؤصل ومبني على ما يراه العلماء بدعة محدثة دخيلة على الدين أي طريقة في التعبد لا أصل لها لا في الكتاب ولا في السنة ولا تحتمل وجها آخر له سند في الشرع، وبالتالي تتنافى كلية مع كمال الدين وتمامه.
إن المغرب كبلد إسلامي لا تخلو ساحته من النقاش والحديث في الدين، وفي خضم هذا المعترك الزاخر بالأفكار برزت العديد من الآراء الشاذة التي تعتبر العديد من الأفعال التعبدية المغربية بدعة، ومن أبرز من تصدى لهكذا تُهَم المفكر الإسلامي العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة في العديد من محاضراته ودروسه وبعض كتبه مثل كتاب « السلفية الجامعة ». فما رأيه إذن فيما ذهب إليه هؤلاء من اعتبار العديد من الممارسات التعبدية المغربية بدعة كقراءة القرآن جماعيا، وتكرير الأدان يوم الجمعة، وتحية المسجد والإمام يخطب؟
ينطلق العلامة بن حمزة في الرد على هؤلاء بكون المغاربة منذ اعتناق الإسلام وهم يعون جيدا أن هذا الدين كامل وفي غنى عن الإضافة والتكميل، وأن من ابتدع شيئا فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير في أداء الرسالة، وبما أنهم ارتضوا لأنفسهم المذهب المالكي مذهبا سنيا في الفقه والعقيدة، فجزء لا يتجزأ من هذا المذهب القطيعة والعداوة المطلقة مع البدع، وكما قال الإمام مالك: « ما لم يكن يومئذ دينا – يقصد العهد النبوي- فلن يكون بعد ذلك اليوم دينا ». كما أنهم بفضل هذا التوجه استطاعوا القضاء على جميع الفرق والطوائف المبتدعة فحرروا المغرب نهائيا من التمزق العقدي والبدع.
وفي خضم رده على تلكم الافتراءات يرى العلامة أن أهم سبب في ذلك هو الأخذ بالقول الواحد واعتباره سنة واعتبار باقي الأقوال من قبيل البدعة في الدين، والحال هذه أن الخلاف الفقهي ليس مؤثرا في تدين أحد، كما يقول، ويؤصل لذلك بأمثلة كثيرة من أجملها نصاعة اختلاف النبي داوود وابنه سليمان في حكم الغنم التي نفشت في زرع القوم، فكان حكم سليمان مخالفا لحكم أبيه ولكن الله تعالى قال عن داوود وسليمان (وكلا آتينا حكما وعلما).
كما يذكر أن الصحابة الكرام قد اختلفوا في أشياء كثيرة منها اختلافهم في قتال مانعي الزكاة، وفيما يجب منه الغسل، وخالفت عائشة الصحابة في أشياء كثيرة حتى أن الإمام الزركشي كتب في ذلك كتابا جمع فيه هذه الاختلافات، كما اختلفت الصحابية فاطمة بنت قيس مع عمر بن الخطاب في حكم نفقة وسكنى المطلقة ثلاثا.
وبما أن مثل هذه الاختلافات أمر واقع يقع عادة بين الفقهاء كما وقع بين الصحابة، عمل العلماء على وضع أصول تشرعن للخلاف، حتى لا يؤذي إلى تنازل وصراع، منها أصل التصويب الفقهي في غير المعتقد، وأصل مراعاة الخلاف، وأصل تكافئ الأدلة وغيرها من الأصول.
ومن هذه الخلافات التي أدت بالبعض إلى اتهام المغاربة بالبدع يذكر العلامة بن حمزة مسألة تكرير الأذان قبل صلاة الجمعة، وهو حكم يرى العلامة أنه ناتج عن الجهل بالأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويسرد العلامة مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تثبت بأن تثليت الأذان كان مشروعا على عهد الصحابة الكرام، حيث روى الجماعة إلا مسلما أن أذان الجمعة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمن أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما إذا جلس الإمام، فلما كان زمن عثمان وكثر الناس، أضاف النداء الثالث بالزوراء التي كانت موضع السوق. وفي رواية البخاري زاد النداء الثاني، وقد كانت إضافة عثمان أو عمر نداء ثالثا لتنبيه الناس، ثم أصبح جزءا من سنة الصحابة وقع عليها إجماعهم. وظل الأذان الذي يمنع به البيع والشراء هو الأذان الذي يرفع إذا قعد الإمام على المنبر.
وبعد ذكر أحاديث نبوية صحيحة تثبت سنية الأذان الثاني والثالث، ذكر بعض أقوال العلماء منهم المالكية كابن أبي زيد القيرواني والقرافي وابن عبد البر وابن رشد والشاطبي الذين قالوا بتثليث الأذان يوم الجمعة. ليخلص إلى أن علماء المالكية أثبتوا بأنه كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أذانات مما يؤكد أن المغاربة لم يخالفوا السنة في ذلك.
وأما فيما يخص اتهام المغاربة ببدعة تحية المسجد والإمام يخطب فقد اعتمد القائلون بذلك على حديث سليك حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم سليكا الغطفاني بأن يصلي ركعتين لما دخل وهو يخطب. فاكتفوا بذلك بالدليل الأحادي المفرد، وغيبوا في مقابله الخبر الذي ورد فيه أن رجلا دخل المسجد وصار يتخطى الرقاب، فقال له صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر اجلس فقد آذيت، ولم يأمره بأداء ركعتين.
ويسرد العلامة بعد هذا بعض أقوال كبار العلماء في ذلك، منهم قول الإمام ابن شهاب الزهري الذي قال: « خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام » ويعقب العلامة على قول ابن شهاب قائلا:  » وهذا القول مما لا يدرك بالاجتهاد بالرأي، لو لم يكن له سند من نص ».
وأما الإمام مالك فكان يقول:  » من دخل بعدما خرج الإمام فليجلس ولا يركع، وإن دخل فخرج الإمام قبل أن يفتتح هو الصلاة فليقعد ولا يصلي »
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث ابن سعد:  » إن على من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، أن يجلس ولا يركع، لحديث ابن شهاب وهو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره »
ويقول العلامة: « وتبعا لاختلاف الشواهد والأدلة، فقد اختلفت المذاهب في القضية من غير أن يدعي أحدها استئثاره بتمثيل السنة النبوية فيها، وأن غيره مبتدع. »
وأما قراءة الحزب جماعة فتعد من أكثر الأشكال التعبدية المغربية التي تعرضت للانتقاد والاتهام، ولكن العلامة بن حمزة يرى أن من ينتقدها ويعتبرها بدعة فهو يفهم البدعة فهما ضيقا إذ يزعم أن كل ما وقع بعد حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة. وهو فهم خاطئ لأن البدعة هي الفعل الحادث الذي يراد به مضاهاة الشريعة والمبالغة في التعبد.
يرى العلامة أن البدعة لا تكون دائما بالضرورة بدعة محرمة، وإنما قد تكون كذلك بدعة حسنة أو بدعة واجبة بالمعنى اللغوي، ليطرح أسئلة وجيهة منها: هو هل كانت قراءة القرآن جماعة هي وحدها كل ما استحدثه المسلمون بخصوص تعاملهم مع القرآن؟ أم أنهم استحدثوا أمورا أخرى خدموا بها القرآن؟ وهل كان جمع المصحف في زمن أبي بكر شيئا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ علما بأن أبا بكر هو نفسه من أجاب عمر لما اقترح عليه جمع المصحف، قائلا: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وبعد جمع القرآن، يتساءل العلامة قائلا: هل كان نقطه وإعجامه شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان عد آيات القرآن شيئا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهو أمر مختلف فيه بين العد المدني الأول والثاني، والعد المكي والكوفي والبصري والدمشقي؟ وهل كان وضع الأرقام الفارقة بين الآيات داخل دوائر في المصحف الشريف أمرا مندرجا ضمن البدعة؟ وهل كان الفصل بين السور بمستطيلات ورقوم ونقوش وضعت فيها أسماء السور، وعدد الآيات وكونها مكية أو مدنية بدعة؟
وبعد هذه الأسئلة التوجيهية يذكر العلامة أن تمة من قال ببدعة هذه الأمور ولكنه تراجع بعد ذلك، ومن المؤكد أنه علم أن قوله لم يكن صائبا فيما ذهب إليه.
وخلاصة هذه الأسئلة أفضت بالعلامة إلى قوله:  » إننا حينما نقول ببدعية القراءة الجماعية لأنها لم تكن معروفة في الصدر الأول، فإن ذلك يجب أن يعمم على أشياء أخرى كثيرة لم تكن كذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ».
إن ما قاله فضيلته كاف لإثبات أنه ليس كل ما فعل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة، ولكن رغم ذلك راح يسوق أدلة من شأنها أن تثبت عدم بدعية القراءة الجماعية للقرآن الكريم نذكر منها الحديث النبوي الشريف الصحيح الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم:  » ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفت بهم الملائكة » وقد رواه الإمام مسلم في باب سماه « فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر ». ويعقب العلامة على هذا الحديث بقوله: وإن لم يكن هذا الأمر قطعيا في دلالته على قراءة الجماعة فإنه يحتملها من حيث اللغة.
ويدعم العلامة بن حمزة ما ذهب إليه، ببعض أقوال العلماء في هذا الشأن، من ذلك قول الإمام النووي: « اعلم أن قراءة القرآن مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، وروى ابن أبي داود: أن أبا الدرداء كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا، وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين، عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين »
ويقول: « إن بداية القراءة الجماعية تعود إلى ما فعله الصحابي أبو الدرداء عويمر بن زيد، وكان معلم أهل الشام، وهو الذي سن حلق القراءة كما نص على ذلك الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء لما قال: وكان يرتب القارئين عشرة عشرة ».
وهكذا يمكن أن نعتبر بأن العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة قد حسم الخلاف بين المغاربة في مسألة توشك أن تفرق بينهم في المنازل والمساجد حين يُقرأ القرآن، أو يؤذن للصلاة يوم الجمعة أو حين يكتفي المسلم بالجلوس مباشرة حينما يدخل المسجد والإمام فوق المنبر.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *