Home»Débats»ماذا بعد تقرير لجنة التقاعد؟

ماذا بعد تقرير لجنة التقاعد؟

2
Shares
PinterestGoogle+

     مازال المغاربة مستائين من مشروع القانون المشؤوم حول « إصلاح » نظام المعاشات المدنية، الذي وضعه رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران دون مقاربة تشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين، فارضا على أجراء أبرياء تحمل فاتورة إفلاس لم يساهموا فيه، عوض محاسبة المتسببين الرئيسيين.
فبعد مصادقة مجلس المستشارين في يونيو 2016 على مجموعة مشاريع قوانين، ومنها قانون « إفساد » الصندوق المغربي للتقاعد، القاضي بما أسمته النقابات « الثالوث الملعون »: تمديد سن التقاعد مرحليا وتدريجيا إلى 63 سنة، رفع مساهمات المنخرطين وتخفيض قيمة المعاش. أرادت النقابات الرافضة للقانون رفع اللبس حول تهمة تواطؤها مع الحكومة في تمريره، من خلال قيامها رفقة فرق من المعارضة بتقديم طعن لدى المجلس الدستوري، مطالبة كبير المستشارين حكيم بنشماس بتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، وفق المادة 77 من النظام الداخلي.
ومن مكر الصدف، أننا ونحن نتطلع إلى نهاية المخاض العسير لمفاوضات تشكيل أغلبية حكومية، التي تجاوزت شهرها الخامس دون أن يستطيع بنكيران إخراج « مولودته » إلى الوجود، شاء القدر أن يتزامن ظهور تقرير لجنة التقاعد، مع إبعاده عن رئاسة الحكومة ليلة 15 مارس 2017 ببلاغ من الديوان الملكي، إثر فشله في مهمته ولإنهاء حالة الجمود. ووحده الله يعلم وقع الخبرين عليه، وهو القائل فور المصادقة على خطته التخريبية: « لنا أن نفتخر بأننا أزلنا من قدم الدولة شوكة مزعجة » رغم علمه بضلوعها في جريمة نهب الصندوق، والغير متوقع لعزله دون حتى الحظوة بلقاء الملك.
وبصرف النظر عما أثارته الدعوة إلى تجميد تطبيق قانون إصلاح نظام التقاعد المقياسي، من جدل أثناء مناقشة التقرير، وما أحدثه فريق حزبه « العدالة والتنمية » من ضجة حول سلامة الأساس القانوني والدستوري المعتمد في عقد دورة استثنائية يوم 15 مارس بمجلس المستشارين، علما أنها تمت وفق أحكام الفصل 66 من الدستور، والمادة 5 من النظام الداخلي للمجلس، وطبقا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم: 085.13 المتعلق باللجن النيابية لتقصي الحقائق، خاصة المادة 17. فإن التقرير فجر حقائق صادمة عن « انهيار » الصندوق، إذ كشف فحص الوثائق السرية وعقد جلسات تحقيق مع كبار رجال الدولة، من بينهم رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والمالية ومسؤولين تعاقبوا على إدارة الصندوق، عن جملة فضائح خطيرة تتلخص أساسا في: تملص الدولة كمشغل من التزاماتها بأداء مساهماتها المالية للصندوق، تكتم الحكومات المتوالية عن قيمة الديون المستحقة لصالح نظام التقاعد، دون إطلاع الرأي العام الوطني والشركاء الاجتماعيين، سوء توظيف المحفظة المالية لنظام المعاشات المدنية في استثمارات فاشلة، شراء وبيع جزء من سندات الخزينة، مما أفقد الصندوق الملايير. علاوة على تمرير مبالغ هامة وصرف معاشات في غير محلها، عدم إجراء مراقبة حول وفيات المتقاعدين، خلط في حساب الأنظمة التابعة للصندوق وأصولها العقارية… اختلالات عميقة لم يجشم بنكيران نفسه عناء البحث عن جذورها، الشيء الذي انعكس سلبا على الحوار الاجتماعي، وأدى إلى أجواء من التوتر وكسر العظم بينه والنقابات.
فالرجل لم يكن يجيد عدا الهجوم على الخصوم والضرب على وتر المظلومية ونظرية المؤامرة، واستغلال الدين في التلاعب بالعقول، وإيهام الناس بأن حزبه هبة من السماء جاء للقضاء على المفسدين والمستبدين، ليتضح أنه ليس سوى « تلميذا » منضبطا لأوامر صندوق « النكد الدولي ». وقد انتصر التقرير للنقابات المناهضة للقانون الجزئي المتسرع، حيث وقفت اللجنة النيابية على مسؤولية الدولة في تأزم وضع الصندوق، وأنها مازالت مدينة له بمبالغ ضخمة، تكفي لسد العجز المالي الكبير دون المساس بأرزاق الأجراء والموظفين.
كما أوضحت اللجنة بأن من بين أبرز أسباب « الكارثة »، ما اتخذ سابقا من قرارات سياسية وإدارية، أثرت بشكل مباشر على مسار الصندوق. ففي عام 1958 مثلا، تم تجميد الصندوق ومجلسه الإداري وألحقت أنظمة التقاعد بخزينة الدولة، ليصبح تسييره خاضعا لوزارة المالية. ثم عقبه قرار سياسي سنة 1990 يقضي بضم نصف التعويضات إلى المعاش، بتوجيه من بعض المسؤولين للاستفادة من تقاعد مريح. فضلا عن قرار تغطية عجز المعاشات العسكرية بفائض نظام المعاشات المدنية، خلافا لما تنص عليه المادة 12 من القانون رقم 95.43 حول الفصل التام بين حساب الأنظمة المذكورة، انعدام مستندات توثق مراحل المساهمات والمراجعات، وغياب آليات رصد وتتبع مدى صدقية الأرقام والبيانات…
فالتقرير كشف عن فظاعة ما ارتكب من خروقات مالية وإدارية وقانونية، وأظهر قصور المسؤولين في حسن التدبير والحكامة الجيدة وعقلنة وترشيد الموارد المالية. وصار لزاما على الدولة التعجيل بأداء ما بذمتها من متأخرات مع احتساب الفوائد المترتبة عنها لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد، معاقبة المتورطين، والتجميد الفوري ل »الإصلاح المقياسي »، الذي يمس مكتسبات المنخرطين ويهدد استقرارهم الاجتماعي. والعودة إلى حوار اجتماعي هادف، لتنفيذ توصيات « اللجنة الوطنية لإصلاح نظام التقاعد » في مباشرة إصلاح شمولي، يتوافق مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي. تفاديا لتفجير الأوضاع، في ظل تصاعد الاحتجاجات وارتفاع منسوب السخط والاحتقان. فهل تنصف الحكومة المرتقبة المتضررين؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *