Home»Débats»الزيارة الملكية.. الرسائل ودلالات التوقيت

الزيارة الملكية.. الرسائل ودلالات التوقيت

0
Shares
PinterestGoogle+

     لا يكاد يختلف اثنان بأن الزيارة الملكية الأخيرة إلى الأقاليم الجنوبية المغربية، تشكل علامة فارقة في مسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية الحديثة ، سواء من حيث الدلالات والمغازي المستخلصة منها ، أو سواء من حيث الظرفية الجيوسياسية التي تحكم المنطقة بصفة خاصة ، و العالم العربي بشكل عام ، من خلال الأحداث المتناثرة هنا وهناك، والمستجدات التي تمور بها الساحة المغاربية ، بدء من تداعيات الربيع العربي ، وانتهاء بتطورات الأحداث على الساحة الجزائرية  الحالية ، وعلى الخصوص الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتردى فيها الجزائر جراء الانخفاض المهول في عائدات البترول و مشتقاته ، مما خلق صراع أجنحة داخل محيط الرئيس المريض  » بوتفليقة  » ، رغم أن هذا الصراع كان قد بدأ منذ مدّة إلا أنه في الآونة الأخيرة طفى الى السطح وأضحى اكثر ظهورا وبروزا ..

   إذن.. تأتي الزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية اليوم في جو متقلب وغير قار ، تتجاذبه عدة احتمالات تنذر بمصير مجهول يحوم حول المنطقة برمتهـا ، إن لم يتم تدارك الموقف قبل فوات الأوان ، وفي مقدمة هذه السيناريوهات المفزعة هو اتجاه الدولة الجزائرية صوب الانضمام الى قافلة الدول الفاشلة لتلحق بجارتها ليبيــا .. الشيء الذي يمنح قاعدة أخرى أكثر رحابة وأكثر صلابة للإرهاب الظلامي الدّاعشي الذي بات على الأبواب .

  لذلك اختار المغرب التوجه نحو المستقبل بكل سرعته ، غير مكترث إلى الخلف ، ايمانا منه بأن الحصانة المتينة والناجعة للبلاد من كل الرياح الآتية من الشرق ، هي تمتين الوحدة الداخلية أولا، ثم الارتكان إلى تنمية وتقوية العنصر البشري بوصفه أهم ركيزة تقوم عليها الدولة ، لأن الدول ليست بما تملك من مصادر للطاقة أو الارصدة  أو احتياطاتها من العملة الصعبة ، بل في ما تمتلكه من طاقات بشرية خلاقة وفعالة، مؤمنة بوحدة مصيرها ، وبقوتها الموحدة ، وباستعدادها الدائم و جاهزيتها المستمرة للدفاع عن تلك الوحدة الوطنية البشرية و الترابية .

في هذا السياق العام، يمكن رصد الكثير من الدلالات والأبعاد للزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية ، سواء من حيث الرسائل أو من حيث الدلالة الزمنية .

 1–  أول الرسائل موجه إلى الصحراويين المغاربة في  الداخل ، باعتبارهم العنصر المحدد والفارق في كل المعادلات السياسية و الاجتماعية.. رسالة تؤكد أن المغاربة كل المغاربة هم معهم ولن يتخلوا عنهم ، و هي رسالة طمأنة و تثبيت لكل من اختار الانتماء إلى هذا الوطن ، ضدا على أعداء الوحدة ..هي إذن ، رسالة الى الداخل الصحراوي بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من الوطن ولها شرف البدء  بتطبيق الجهوية الموسعة ، وإرساء نموذج التنمية .. 

2- وهي أيضا ، رسالة إلى الخارج « الغرب بصفة عامة » بأن المغرب ماض في وعوده التي قطعها على نفسه ، في التنمية و الديمقراطية و التحديث والاقعلاع الاقتصادي و الاجتماعي تمشيا مع التزاماته الدولية ، وفي مقدمتها المواثيق والاتفاقيات والبرتكولات الموقعة من طرفه..وأنه لن يرهن مستقبل القضية بمواقف دول الجوار، فالمغرب في صحرائه ، وهو ماض في مشاريع التنمية والبناء ، عملا بالقولة الشهيرة  » الكلاب تنبح ، وقافلة التحرير تتابع مسيرها بكل ثبات  » .

3 كما هي رسالة إلى الجوار الإفريقي بأن المغرب كان منفتحا دائما وسيظل ،على محيطه وامتداده الإفـريقي . وما رغبته في مـدّ الخطوط السككية و الطرقية إلى آخر نقطة من أراضيه في الجنوب إلا أصدق تعبير عن تلك الإرادة القديمة الجديدة. رغم أن إفريقيا لم تنصف المغرب ولم توفيه حقه ، وذلك بسماحها بتسلل المرتزقة إلى باحاتها ، عبر إقحام ما يسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك ، ومن بعدها الإتحاد الإفريقي ،حيث كان للجارة الجزائر اليد الطولى في ذلك القرار المشين ، الذي ضرب مصداقية المنظمة الإفريقية في الصميم ، ورهنها بيد زمرة من مسوقي الأوهام ، وسماسرة الحروب والنزاعات ، مستغلة ضعف بعض الدول ، وحاجتها إلى المساعدات السخية من عسكر الجزائر ، ومستفيدة من الاحتياطي الكبير من العملة الذي راكمته الجزائر بفضل ارتفاع أسعار برميل النفط آنذاك ..فائض كبير من العملة ، كان أولى أن يصرفه عسكر الجزائر في ما ينفع الشعب الجزائري المغلوب على أمره ..

4- رسالة الى الجارة الجزائر ومن يدور في فلكها من مرتزقة البوليساريو ومرتزقة القارة السوداء بأن المغرب لن يتنازل أكثر من هذا ، ولن يقدم أكثر من الحكم الذاتي.. وهو على أتم الاستعداد إلى كل الاحتمالات التي قد يضطره  أعداء الوحدة الترابية إليها اضطرارا، بما فيها الدخول في حرب عسكرية ، لن تستفيد منها سوى قوى الشر في العالم ، التي  تؤجج جدوة العداء والتوتر هنا وهناك ، حرصا منها على تأمين سوق مربحة ودائمة لصناعتها الحربية، رغم أن هذا الاحتمال يبقى بعيدا نوعا ما .. لكن في ظل قيادة عسكرية مغامرة ، أعمى الحقد أبصارهــا ، قد يصبح كل شيء ممكنــا .

-5 رسالة الى صحراويي المخيمات المحتجزين فوق الأراضي الجزائرية، بأن المغربي الحر ، لا يحرص على أي حياة مهما ذلت وهانت ،وإلا فسيكون اختيار الموت والشهادة أحب إليه من أي شيء آخر ، وفي ذلك إشارة مباشرة إلى الهوان والذل الذي ابتغاه حكام الجزائر ـ عن قصد ـ أن يظل ملتصقا بمحتجزي تندوف ..هوان حاول سكان المخيمات مرات عديدة الانتفاض ضده ، والإعلان جهرا عن رفضه ، لكن آلة القمع الجزائرية  كانت تحول دونه ،عبر الزجر و التنكيل والعزل .. وقد كان آخر حراك في هذا الصدد هو ما حدث عقب السيول الجارفة التي أتت على بيوت المحتجزين وخيامهم المهترئة أصــلا ..

6-  إن الزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية إنما هي  رسالة الى كل المغاربة الأحرار ، الذين ضحى آباؤهم وأجدادهم بكل غال ونفيس في سبيل تحرير الوطن كل الوطن ، بأن مسيرة التحرير والبناء لم تنته بعد ، بل  للتو ابتدأت، وعليهم ان يشدوا الأحزمة كما شدّها الأسلاف في أحلك الأوقات من قبل، والإيمان بقوة بجدوى النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية ، لأنه يشكل القاطرة التي ستجر خلفها باقي تجارب الجهات الأخرى من المملكة ، والنموذج الذي ستهتدي به هذه الجهات في تنزيل برامجها الخاصة من أجل تنمية الإنسان ومحيطه ، مما سيخلق دينامية جهوية في كل المناطق ، ستفضي بالتالي الى دينامية وطنية تصب كلها في تشكّـل نموذج تنموي وطني شامل يكون محوره الإنسان وليس شيئا آخر غير الإنسان ..

   أما من حيث التوقيت ، فإن هذه الزيارة تأتي في ظرف دقيق تمر منه القضية الوطنية الأولى، وذلك اعتبارا للجمود الذي تعرفه منذ زمن غير قصير، بسبب وصول المحادثات السياسية المباشرة و غير المباشرة إلى الباب المسدود، نتيجة تعنت  » جبهة البوليساريو » ومن ورائها الجزائر ، وعدم قبولها إلى حدود الساعة بمقترح الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب كحل عادل وإنساني للنزاع المفتعل، وتشبثها بترديد أسطوانتها المشروخة ، وهي تنظيم الاستفتاء من أجل تقرير المصير، والذي يعلم الجميع ، وفي مقدمتهم  » قادة البوليساريو » وعسكر الجزائر استحالة تنزيله الى أرض الواقع ، لعدة صعوبات لوجستيكية وأخرى تقنية محضة .. فضلا عن بروز  بعض المواقف النشاز لبعض الدول الغربية اتجاه القضية الوطنية، وقد كان آخرها الموقف السويدي من الوحدة الترابية للمغرب ، الذي كاد أن يعصف بالعلاقات المغربية السويدية ، لولا التحرك الصارم للدبلوماسية الموازية للمغرب في الوقت المناسب وبالشكل المناسب .

    كما أن هذه الزيارة الملكية  تأتي كونها أول زيارة  رسمية بعد الاستحقاقات الانتخابية في 4 شتنبر المنصرم ، كما أشار إلى ذلك الأستاذ خالد الشيات، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة  في حوار له مع أحد المواقع المغربية، ثم وجود آلية قانونية متقدمة على مستوى تفعيل الجهوية المتقدمة، مبرزا أن هناك ترابطا بين الجهوية المتقدمة، ومقترح الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب لحل النزاع في الصحراء.

    وتبقى الزيارة الملكية إلى أقاليم الجنوب المغربي ، ذات دلالات عميقة جدا ، زادها الخطاب الملكي غنى ووضوحـا ، سواء من حيث مضامينه الغنية ، أو من خلال نبرته الصارمة والواثقة .. واثقة في قدرة المغاربة على الالتزام بالوعود والمشاريع المبرمجة من جهة ، وواثقة بصدق المشاعر الشعبية لساكنة الصحراء ، اتجاه الوحدة الترابية للمغرب ، واستبسالهم في الاصطفاف إلى جانب كل المغاربة من أجل معركة النماء و البناء ، ومن قبلها معركة الوجود و البقــاء .

   يبقى أن نؤكد مرة أخرى ، إلى أن المدخل الأساس لكل اقلاع اقتصادي وتنموي هو التوجه  بثبات صوب الاستثمار الحكيم والفعال في العنصر البشري ، من خلال تحرير طاقاته الخلاقة و المتجددة، وجعلها في صلب البرامج التنموية ، بالكيفية التي تجعل كل الروافد التنموية الاقتصادية و الاجتماعية  تصب في هذا اتجاه واحد ، هو رفاهية الفرد وكرامته ، وذلك بتعزيز روح الشفافية والديمقراطية لدى الفرد و المجتمع ، وجعلها سلوكا يوميـا ، تتشرّبُـه الأفئدة و القلوب .

محمد المهدي

08/11/2015

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *