Home»Débats»قل لي من تصادق أقول لك من أنت؟

قل لي من تصادق أقول لك من أنت؟

0
Shares
PinterestGoogle+

قل لي من تصادق أقول لك من أنت؟

هذه العبارة كان يرددها المدرس المغربي في الأقسام ذات يوم من الأيام الماضية وستردد كل يوم من الأيام الحالية و المستقبلية. و هي عبارة أخلاقية عندما نقرأها قراءةتربوية ،تبين إلى أي حد يمكن أن تلعب الصحبة في صنع الإنسان المؤدب المتدين و المستقيم و المجتهد و الموظب،و العكس صحيح أيضا: ما تلعبه الصحبة من انحراف الشخص و إجرامه و سلوكه العفن و عصيانه و تمرده وعدوانيته ،و عقوقه لمن هو أكبر منه سنا ابتداء من والديه و محيطه القريب من جيرانه و معلميه الخ…الى أشياء اخرى..

(قل لي من تصادق أقول لك من أنت) إن كانت عبارة أو شعارا مقبولة  في مجتمعنا، ومن بلدان العرب من الخليج إلى المحيط، بحكم التربية التي تركز على الانقياد و الخضوع للجماعة و للأشخاص الآخرين كما هو مبين في المثل (العنوان)،فإنها عبارة مرفوضة في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط و المحيط الأطلسي.هناك، لا مكان للتابع و الخاضع و السلبي بل تعتبر من الأخلاق الفاسدة التي يتحلى بها الشخص(امرأة أو رجل صغير أو كبير)، بل انها عنوان على المرض النفسي و الاضطرابات النفسية .بل ان التربية الاجتماعية و السياسية تعلم الانسان أن يكون سيد نفسه  في قراراته منذ طفولته الاولى،وأن يكون معارضا لأي أمر لا ينسجم و أخلاقه أو ثقافته أو مبادئه أو قناعاته.و المعارضة هناك التي هي تعبير عن قناعات شخصية تبدأ من الأسرة و تنتشر في جميع المؤسسات بما فيها المدرسة التي تشجع التلاميذ على أن يكون لهم التعبير عن الرأي الآخر المختلف.

عندنا ينعت المخالف بشتى أنواع الأوصاف قذارة (خالف تعرف، و كأن المخالف ليس له من غرض سوى حب الظهور كالطاووس، و ليس له غرض بيان الحقيقة مثلا أو الاتيان بمنهج جديد،فانظر كيف حصل لطه حسين ،و نصر أبو حامد، (الاول دارس للأدب العربي و الثاني دارس للفكر الاسلامي،اللذين اتهما بالزندقة و الخروج عن الدين) وغيرهم من  الذين اتوا بوجهات نظر مختلفة أو بمناهج جديدة تخالف ما هو متعارف عليه و ما هو سائد، و اتهموا في دينهم وأخلاقهم) وكأن قدرنا أن نكون قوما تبعا، مع العلم أن الاسلام نهى الانسان أن يكون تابعا.وقول الله سبحانه صريح و واضح لا يحتمل أي تأويل » و اذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله و الى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا و لا يهتدون »(سورة المائدة الاية 104)،و جاء أيضا  من قوله تعالى  »واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير » من سورة لقمان الاية 21.

يركز علماء علم النفس الاجتماعي  على ظاهرة التواصل التي تبنى على التفاعل بين أفراد الجماعة البنيوية(الأولية الصغيرة)،و التفاعل عملية تواصلية تتكون من عمليتين التأثير في الجماعة و التأثر بها.هذا في أعراف العقلية و التربية الغربية التي تؤمن أن الفرد كائن ايجابي يؤثر في محيطه و يتأثر به.لاحظ أن تربيتنا لا تعترف الا بألتاثر و ليس بالتأثير …أي بالفرد السلبي الذي يكون تابعا و مقلدا و حافظا لأقوال الآخرين، و ليس قائدا لمصيره و نفسه و تعبيره و مسؤولا عن أفعاله(الموت في الجماعة نزاهة).و في السياسة يؤمن بالاجماع99,99  %  هي نتيجة الانتخابات في الجمهوريات العربية الآن بعد أن كانت 100%.

 

فكيف يمكن صنع مبدع و مفكر و عالم اذا تربى أن يقول ماقاله السلف من الاخرين؟ و يستشهد بما رواه الآخرون حتى لو كان معاكسا للمنطق (التداوي ببول البعير مثلا و رضاعة الكبير كما يردد ذلك فقهاء الخليج)؟ كيف يمكن أن تصنع المدرسة مفكرا اذا كانت أساليبها تعتمد على التكرار و الحفظ فقط و قياس الذاكرة ؟ دون الاهتمام بالقدرات العقلية الاخرى؟كيف يمكن لشخص أن يفكر تفكيرا سليما اذا عاش في محيط يسوده الخوف من…أو يغيب فيه الاحساس بالأمن،او يشعر فيه الشخص أنه متابع قضائيا اذا كانت له ذرة من  التعبير الحر المخالف للسائد من الأمور؟( يسجن شاعر في امارة قطر لانه انتقد فعلا من أفعال الأمير في أمور السياسة؟؟ و هل الأمير و الرئيس و الوزير كائنات معصومة من الاخطاء كالملائكة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الأسرة الغربية تدبر و تدير الاختلاف بين أفرادها(الأبناء و الآباء في تفاعل متبادل)،و المدرسة كذلك و المؤسسات الاجتماعية و السياسية يكون قانونها الإقناع و الاقتناع .فالسلطة للفكر و البراهين و الحجج و ليس للقوة الجسدية أو المالية أو السياسية أو الإدارية أو الاجتماعية .فالسيادة للقانون على الجميع: الرئيس و المرؤوس. و القانون وحده و لوحده فقط، له السلطة و السيادة على الجميع.و الخضوع للقانون مبدأ يسري على الجميع لا فرق بين الوزير و الأجير و لا فرق بين الثري و الفقير.

في بلادي تدهس زوجة الوزير واحدا من رجال الأمن المرابطين في الطرقات ينظم المرور تحت أشعة الشمس  و برودة الشتاء و تحت المطر و الثلج في بعض الأحيان، فيحملونه عل التنازل عن حقه في إعادة الاعتبار لكرامته و عزته بنفسه.بل نجد من الناس المهمين في بلادي من  يهين رجل الأمن بكلمات لأنه أوقفه وهو يتجاوز أو لا يحترم قانون الإشارات، فهو ابن فلان أو علان. بل من هؤلاء من لا يسمح لك بتجاوزه في الطريق ،بل له الاسبقية في كل شيء لأنه فلان أوابن فلان من الرجال الأقوياء سواء من أصحاب السلطة أوالمال أو الجاه . وهو رجل قوي، يعتقد أن له الأولوية  في كل شيء، ولأنه الرجل المهم،فلا ينتظر في طابور، و لا يذهب مع ابنه إلى المدرسة  لأنه قد اخل بالنظام. بل إن المدرسة بمديرها لا تجرؤ على معاقبته لأي فعل قام به ،لأنه ابن لذلك الرجل، الذي قد ينتقم من أي أحد له جراة أن يمسه أوابنه  أو أي واحد من أسرته …هي الأمور هكذا في البلد المتخلف.ألم يطرح السؤال علينا: لماذا نحن متخلفون بل عاجزون؟ سؤال يطرح في كل مناسبة و كل منبر؟ عاجزون، أن ندبر أمور اختلافاتنا البسيطة  بالهدوء و بدون ضجيج ،فما بالك بالاختلافات المعقدة؟

هناك في الضفة الشمالية من البحر،  تجد  أخت ملك البلاد في اسبانيا،الشعب و الحكومة و العدالة، التي تحترم نفسها و تحترم سيادة و سلطة القانون الذي ينفذ على الجميع ،فالعدالة هناك، مظلة يستظل بها كل مواطن…شقيقةالملك(كريستينا) في اسبانيا تواجه محاكمة في اتهام بالاحتيال الضريبي و السطو على أموال عامة.و الأمر يخص زوجها(أناكي أوردانغارين) في معاملاتنه االتجارية و متهم أيضا بالمشاركة في اختلاس ملايين من الأموال العامة رفقة شريك آخر (7,5مليون دولار اختفت من المؤسسة الخيرية التي كان يديرها زوج الاميرة).فكيف للمواطن أيا كان لا يحترم دولته اذا شاهد و عاين  أن دولته  تصون حقوقه و تجعله في ندية مع الآخر كيفما كان الآخر .و يعرف أنه متابع اذا تعدى على حرمات المال العام أو مال الاخرين و حقوقهم،أو حقوق الدولة و المجتمع؟ فأي شخص لا يعلو على سلطة القانون…

رجال المال و الجاه في بلادي ان تجاوزوا و تطاولوا على حقوق الناس و ممتلكاتهم ، فان العدالة لا تتابعهم الا صوريا…فلهم الحصانة المالية و الاجتماعية و الادارية و السياسية أن يكونوا فوق القانون و ليس تحت سلطته؟و بالمال تدهس على حقوق الآخرين و بالمال تشتري حقوقا ليس لك،هي أمور يعرفها المواطنون البسطاء و يحفظونها عن ظهر قلب و يقرأونها يوميا على صفحات الجرائد.

في بلادي هناك أناس فوق القانون و أناس تحت رحمة القانون اذا كان في القانون رحمة.و ان كان المتعلمون يعرفون أن القانون لا قلب له، و لكن يعرفون ما يقوله البسطاء في الوطن العربي الكبير :( « ياما في السجن مظومين ».)

الانسان المتخلف ابن بيئته و الانسان المتحضر ابن بيئته. و القول الصحيح  هو:قل لي: من تكون  بيئتك أقول لك من أنت؟

 انتاج: صايم نورالدين

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *