Home»Correspondants»دور الدين في المجتمعات الغربية

دور الدين في المجتمعات الغربية

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي

يحق لنا أن نتساءل لماذا أيد كل من مارتن لوثر في ألمانيا  وجون كالفن في سويسرا مساندة حكوماتهما للدين؟ ولماذا حذا هنري الثامن نفس الشيء في انجلترا؟

ولماذا وجدنا حكومات هذه الدول  تحث شعوبها عل دعم الدين عن طريق دفع الضرائب لمساعدة القساوسة، أو عن طريق حثهم على حضور الشعائر الدينية وإقامة الحفلات ذات الطابع الديني حتى تمكن للدين الذي تراه صحيحا بين الناس، وحتى تتفادى دخول أديان أخرى من الممكن أن تتسبب في تفريق المجتمع وتشتيته؟ ولماذا يتم إعفاء الكنائس من الضرائب في أمريكا، ولماذا لا يحجر عليها أو يضيق رغم امتلاكها للآلاف من القنوات والإذاعات التي تقوم بتوظيفها في الدعوة والتبشير؟  ولماذا لا تضيق الدولة درعا من ملايير الدولارات التي يتبرع بها الناس لصالح الكنائس؟ مع أن  لهذه الكنائس سلطانا قويا تمارسه على جميع السياسيين في البلاد، وما من رئيس جاء ليحكم أمريكا إلا وألقى خطابه الأول باسم الرب القدير.

معنى هذا أن جميع الدول في الغرب اعتمدت أهم اسمنت يستطيع أن يجمع المجتمع بجميع مكوناته، كما يشكل حماية له من الطائفية وتشعب أنواع العبادات واختلافها التي غالبا ما يجعل الناس مختلفة في شتى مناحي الحياة على أساس أن الدين يؤلف بين القلوب ويجعل الناس على نمط موحد في التوجه نحو قبلة واحدة أو كنيسة واحدة لها نفس البرنامج ونفس التوجه العقدي.

لقد اعتمد الدين في أوربا كحامي للوطن من أي فكر غريب دخيل يمكن أن يتسبب في كوارث، الدولة في غنى عنها.

وفي الأمبراطورية الرومانية عندما اعتنق الأمبراطور قسطنطين المسيحية سنة 312 م  تحولت المسيحية إلى ديانة رسمية في هذه الأمبراطورية، فحضيت الكنيسة المسيحية بعلاقة جد طيبة مع الحكومة المدنية. ولنعلم مدى أهمية الدين في استقرار الدول عملت الحكومة الرومانية على منع غير المسيحيين من تولي مهام السلطة، وقد أيدت الحكومة الكنيسة في سعيها إلى نشر تعاليم المسيحية، فضلا عن هذا لقد أعلن الأمبراطور نفسَه سلطة عليا كفيلة بحماية الوطن والدين.

ولقد عمل فلاسفة أوربا على وضع توجيهات وقوانين من شأنها أن تجعل الدين يحتل مكانة مرموقة في المجال العام، ويحضى في نفس الوقت بالاحترام الكافي من طرف السلط السياسية.

لقد حدد كالفن عددا من الوظائف تتولاها الحكومة المدنية وبعض هذه الوظائف يركز على حماية الدين وتقدمه، فالحكومة المدنية، في نظر كالفن،  يتعين عليها أن تحمي وتعزز عبادة الرب وأن تدافع عن العقيدة الصحيحة وأن تحمي مكانة الكنيسة، كما أنها مسؤولة أيضا عن منع الوثنية وتدنيس المقدسات وسب الرب وغيرها من الانتهاكات للدين. وقد كتب كالفن في كتابه « مؤسسات الدين المسيحي »: إنني أعهد إلى الحكومة المدنية بواجب إقامة الدين بشكل سليم » وقد حمل كالفن المسؤولين المدنيين مسؤولية تطبيق الوصايا العشر كما جاءت في الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية.

إن الكنيسة الكاتوليكية في انجلترا تعد هي الكنيسة الرسمية، وقد نشأ قانون السيادة عام 1534 ككنيسة قومية منفصلة تماما في انجلترا.

وأعلن القانون أن جلالة الملك حقا وعدلا هو الرئيس الأعلى على الأرض لكنيسة انجلترا » وأصبح الملك هنري الثامن رئيسا للكنيسة القومية الجديدة. وبمقتضى هذا التنظيم فإن كل خروج عن سياسات كنيسة انجلترا يعد خيانة عقوبتها الإعدام.

كما أن مسؤولية الملك في انجلترا تتحدد في حماية ما تعلمه الكنيسة من توجهات وشعائر دينية وتعبدية  باعتبارها تنبع من معتقد صحيح،  ولكنه لم يكن له الحق في أن يقرر ما هو المعتقد الصحيح لأن ذلك كان دائما خاصا لعلماء الدين.

إن الإنسان الأوربي من خلال نظرته للدين والدور الذي يلعبه، يرى أن الدين يلعب أدوارا طلائعية في تحديد القيم العليا التي توجه حياته، وهو الذي يوفر له الإجابات عن الأسئلة الأكثر إزعاجا والداعية للحيرة التي لازال يتخبط فيها الإنسان الملحد. أي أن الدين يساعد الإنسان بشكل كبير ليتعرف على أسرار الخلق والوجود والحياة والموت والبعث والنشور، مما يمنحه نوعا من الاستقرار النفسي والعقلي. بل يذهب أحد أشهر قساوسة الغرب داعيا إلى جعل الدين المحور الذي يستحق الأولوية في الحياة، ويطالب الناس حيثما كانوا في أسرهم أو إداراتهم أو حتى في هرم السلطة أن يجعلوا الدين نبراس دربهم ودستور أعالهم، حيث يقول:  » إذا لم يتعلم المرء كلام الرب ولم يعرف ما جاء بالإنجيل، فإنني أشك في قدرته على أن يصبح قائدا فعالا، وقيادته لكل شيء ، سواء أسرته أو كنيسته أو أمته لن تكون ناجحة دون هذه الأولوية ».

فإذا كان الدين يجد مكانة احترام بالنسب للأوربيين، ويقننون من أجل معاقبة من يسب الرب قوانين زجرية في ذلك، فمن هذا المنطلق يعتبر العديد من العرب المسلمين متخلفين بقرون في تعاطيهم مع الدين. حيث نجد البعض لا هم له سوى الطعن والضرب يوميا في الدين الإسلامي مع أنه الدين الحق الذي نسخ باقي الأديان، والبعض لا شغل له سوى المساجد وخطباء الجمعة وقنوات القرآن الكريم والمجالس العلمية بل مؤخرا تطاول أحدهم حتى على المجلس العلمي الأعلى إذ نعته ب « مجلس الإرهاب والتكفير ».

إن الدول الأوربية كما علماؤهم ومفكروهم يخافون على عقيدتهم لعلمهم، رغم فسادها، أنها تسهم في جمع شملهم وتعزيز علاقاتهم، وعندنا نحن المسلمين، أصحاب خير رسول أرسل بشهادة فلاسفة الغرب المسيحي نفسه كتولستوي ولافونتين وغاندي وبرنارد شو وفيكتو هوجو…وليس آخرهم مايكل هارت الرجل المسيحي الذي جعل رسول الإسلام على رأس المائة الأوائل الأكثر تأثيرا في الإنسانية، لا يعدم أحدهم جهدا في الكيل لهذا الدين وكتابه ورسوله وعلمائه والعاملين على نشره فقط لأنه يريد أن يتحلل من كل قيمة فاضلة وسمة رفيعة ويرضى لنفسه ومجتمعه أن يتحول إلى قطيع من الحيوانات التي تعيش بغريزة جعلت فعلها منحصرا في الافتراس والجنس. مع الاعتذار لهذه الحيوانات لأنها في حالات أفضل من حيواناتنا التي هي أضل سبيلا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *