Home»Correspondants»صرخة القرآن يا أهل فجيج !!

صرخة القرآن يا أهل فجيج !!

0
Shares
PinterestGoogle+

رحم الله أجدادنا المتقدمين والمتأخرين ، وضعوا كتاب الله في صدارة معيشهم اليومي حفظا وتجويدا ومدارسة ، وقاوموا خطط الاستعمار في مصادرته بشتى الوسائل ، حتى كانوا لا ينتقون لإحياء ليلة القدر إلا  الراسخين في الحفظ ، ولا يكاد قارئ يتجاوز ثلاثة أحزاب في الليلة لكثرة أهل الله في كل القصور ، ومن لم يسعفْه الحظ شعر بالنقص واجتهد حتى يلتحق بركب الذين لا يتعتعون ولا يسقطون ولا يخلطون ، فيرى نفسه في اللاحق يستقبل المحراب ، فرِحا بما حصّل ، سعيدا بما أمّل ..
مناسبة إثارة هذه الذكريات الغضة الزاهية هو انتداب وزارة الأوقاف إماميْ قصريْن للتشفيع في أوروبا ، ولم يجد أهل الحل والعقد إلا أن يشترطوا التعويض وملء الفراغ بقارئ يصون الهيبة ويحفظ ماء الوجه  ، لأن فجيج من جنوبها إلى شمالها ، من شرقها إلى غربها من أهل الله شاغرة ! .. فأي هيبة ، وأي ماء ، وأي وجه بقي لي ولكم يا أهل بلدتي .. ولي فيك يا بلدتي بكاء ومستعبرُ ؟!
وكأني بالرسول عليه السلام يشير إلى أهل فجيج ، باخعا نفسه ، مستغيثا كئيبا ، مجددا نداءه الرباني  » : يا رب إن قوميَ اتخذوا هذا القرآن مهجورا  »
لا أدري ـ ما يقول علماء الدين الراسخون في استجلاب أئمة من بلدة إلى أخرى وسد خصاصها بهم ؟ .. أما أنا فأعتقد ـ ولا علمَ لي ـ أن الصواب أن يضيّق في ذلك ولا يوسّع ، حتى تعلق مسؤولية كتاب الله على رقاب أهل كل بلدة على حدة ، عسى أن تتضافر الجهود في فتح مدارس قرآنية : الموسرون بأموالهم يبنون ، ويدعمون ، ويخصصون مكافآت للطلبة ، والآباء بأبنائهم يبعثون ويحفزون ، والمدرسون بجهدهم ووقتهم يضحون .. بذلك تكون الثمار طيبة والعاقبة حسنة ، وتنتج كل بلدة فقهاءها وحفاظها ، فتستنير حياتها ، ويستقيم أمرها ، ويسعد أهلها في الحال وفي المآل .. وإن لم يفعلوا غدوْا كلهم مذنبين آثمين لتقصيرهم في حق من حقوق الله ، ومطلب من مطالب بناء الأمة .. كيف سنربي أبناءنا على حب الله ورسوله ، وعلى القيم الإسلامية السمحة ، إذا كان في البلدة أئمة بعدد مساجدها وكأنهم  » موظفو محاريب  » .. فإذا انحدرنا إلى هذا الدرك فاعلموا أن تلك هي الصورة الأسوأ لهجر القرآن ، ومن هجر القرآن تلبّستْهُ خصلة رذيلة حتى يتوب ويعود .. ولا أرى فرقا بين من يهجر القرآن ويلغو فيه ؟! ..
وحاشا لله أن أقصد أئمة مساجدنا الذين جاؤونا من تازة وتافلالْتْ وأطرافهما خاصة ، فكلهم أصدقائي ، ونحن نلتئم تحت قبة برنامج تأهيل الأئمة مرتيْن في الشهر إخوانا على سرر متقابلين ، وجزاهم الله عنا خيرا لأنهم يسترون عيوبنا ، وينوّرون مجالسنا ، ويكفكفون عبرات أمنا فجيج المفجوعة المكلومة .. فما كانت تحلم ـ أبدا ـ أن يأتي عليها زمان تطأطئ فيه رأسها كالسجينة ، وينطفئ بهاِؤها الذي انبسط قرونا مقرونة ، ويخفت صوتها الذي رددته جنبات فاس ومراكش وتلمسان ، وتشل حركتها ، وهي التي سار بمجدها الركبان ، وشرق ذكرها وغرّب ، وصدّرت العلماء والفقهاء والأدباء والحفاظ .. وتلك حقيقتنا ، علينا أن نتقبلها ، ونتعامل معها باحثين عن المنافذ والمخارج ..
انتهى وانصرم الزمن الذي كانت فجيج فيه عالمة ، مجاهدة ، كريمة ، حافظة ، ملتزمة ، متضامنة .. إلى ما شئت من صور نمطية ما زال بعضهم يسوّقها ، معللا بها خيبتنا الحاضرة ، ومبررا سقطاتنا ومزالقنا المتجددة ..  نعم ، لا أحد يشك في أن فجيج كانت كذلك وزيادة ، وأنها ذاقت حلاوة السيادة والريادة .. كان ذلك في زمن الأحباس والهبات ، في زمن البزرة والتويزا ، في زمن الكفاف والعفاف ، في زمن الدين قبل الدنيا ، في زمان امتلاء المساجد ، هذا يصلي ، وذاك يدرُس أو يدرّس ، وثالث يؤلف ويحرّر ، ورابع يذكر أو يذاكر ، في زمان اشتباك الحقول بالأشجار المثمرة والنخيل الفيّاضة ، والمياه الفوارة في السواقي التي حُفرت بالأظافر وكد السواعد الصغيرة والكبيرة .. فأروني ماذا يفعل الآن الذين من دونهم ! .. وترقبوا ماذا سيحصل لنا بعد حين إنْ لم ننتفض ضد أنفسنا ، إن لم نتحررْ من زمن الوهم والخساسة الذي يجللنا ، إن لم نستثمر الفرص لبناء واحتنا من جديد تحت ظلال مخطط المغرب الأخضر ، وانفتاح وزارة الأوقاف على التعليم العتيق والمدارس القرآنية ، وانسداد آفاق التسرب إلى الضفة الشمالية للمتوسط .. فبلادنا لم تقشعر بعد ولم يصوح نبتُها  ، وإننا لم نصل بعد إلى مستوى رعْي الهشيم .. ولكن سيقع المحذور إن لم نأخذ المبادرة ، ونقتحم العقبة ، فالحقيقة مُرّة ، وتحليتُها ماديا ومعنويا تتحقق على يد أبنائها هنا وهناك وهنالك .. ولهم جميعا في عالم التميز طالع مبين ! ووقع له في جلسات الأقران شأن ورنين ..
وإني لأرى أن البداية الصحيحة يجب أن تكون بالمبادرة إلى إنشاء مدرسة للتعليم العتيق ، فهي المفتاح الأول لاسترداد شخصيتنا التي أخذت تتقدم في التآكل .. ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فاهمس في آذانكم الرهيفة أنني قبل أيام كنت أضع آخر قطعة من الطباشير في مكانها من القسم وقّعتْ بصماتي بها آخر درس رسمي في حياتي ، وأنا أناجي نفسي بنهاية جميلة ـ قبل بداية أخرى ، وأرجوها في خدمة كتاب الله ، إن شاء الله ـ  وأمنيها بخرجة سعيدة من الثانوية التي أعمل فيها.. وما أن تقدمت خطوتيْن خارج الباب حتى لطمت شعوري فتاة غضة الإهاب تسب دين إحدى زميلاتها ، ودين أمها ، ودين أبيها تدحرجتْ من فمها كالسهم المارق ، أو السم الناقع .. فحمدتُ الله على هذا الخروج ، وازددتُ يقينا أننا ـ فعلا ـ  ننحدرُ وننهار، وإننا أوتينا من مأمنِنا ، ومن أعز ما كان يضن به أجدادنا القوابس .. وأننا ـ في الأخير ـ  في حاجة إلى أن يسري كتاب الله في عروقنا من جديد .. ومما يجري على ألسنة الناس أن وزارة الأوقاف عرضت قبل عام أو يزيد خدماتها ـ مشكورة ـ في هذا الاتجاه ، إلا أن الباب أقفل دونها لعدم وجود هكتار يحتضن هذا الصرح الإسلاميّ العظيم .. وأستسمح سادتي المعارضين في الخفاء ، والمالكين للهكتار ولم يقدموه في سبيل الله أنهم مدانون فاسدون مارقون يستحقون التعزير .. ومدرسة التعليم العتيق إن شاء الله آتية ـ رغم أنوفهم ـ  تجرر أذيالها ، وتحدث أخبارهم وأخبارَها .. وإن غدا لناظره قريب !
فجيج محمد بوزيان بنعلي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *