Home»Correspondants»قراءة في ديوان : أميرالضوء والمدينة المعلقة للشاعر خالد بودريف‎

قراءة في ديوان : أميرالضوء والمدينة المعلقة للشاعر خالد بودريف‎

0
Shares
PinterestGoogle+

إن المتتبع للمنجز الشعري بمدينة جرادة، يجد تنوعا على مستوى القصا ئد الشعرية التي تحفل بها دواوين الشعراء، حيث إن بعضهم يضبطون عقارب ساعاتهم ،على قصيدة النثرأو شعر التفعيلة، والبعض الآخرمتمسك بعمود الشعرالذي أشار إليه المرزوقي، في  مقدمة حماسة  أبي تمام .

ومن بين الشعراء الذين حافظوا على بحور الشعر الخليلية، الشاعر الشاب خالد بودريف الذي أصدر مجموعتين شعريتين الأولى تحت عنوان  » إبحار في ذاكرة القلب » سنة 2008 من تقديم الدكتور جميل حمداوي ، والثانية بعنوان  » أمير الضوء والمدينة المعلقة »  خالية من الديباجة النقدية.

 

لاحظ الدكتور جميل حمداوي في مقدمة الديوان الشعري الأول للشاعر »  الصاعد خالد بودريف ، أنه شاعر كلاسيكي، يمتحُ من الذاكرة التراثية أشكالها الهيكلية وأنماطها البنائية، وينهل من أصول البيان الشعري العربي القديم أساليبه وصوره البلاغية ولغته الفخمة الجزلة وأوزانه الخليليية ، محاكاة وامتصاصا ومعارضة وتناصا » ص7 من الديوان

وبعد مرور أزيد من أربع سنوات على الإصدار الأول، يطالعنا الشاعر خالد بودريف بمجموعته الثانية وقد اختار  » أمير الضوء والمدينة المعلقة » كعنوان لها.

صدر الديوان في شهردجنبر 2011عن منشورات مطبعة الجسورفي مدينة وجدة، ويقع في 290 صفحة من الحجم المتوسط، ويحوي 27 قصيدة موزونة، بلوحة غلاف من إبداع الفنان إدريس رحاوي من مدينة جرادة.

. وقبل الخوض في تجربة الشاعرالجديدة، يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي ونحن نفتح صفحات الديوان، للسفر في فضاء الشاعر المطرز بالأسٍوَد.

هل حاد الشاعر عن سمْـته في قرض الشعر شكلا ومضمونا ؟ لابد أن نشير إلى أن الحرف الشعري يتطور مع الشاعر فينمو ويرتقي بارتقاء تجربته التي تصقلها الأيام والأحداثُ، خاصة أن الشاعر شارك في عدة ملتقيات ومسابقات وطنية وعربية، الشيء الذي مكنه من الاستفادة من تجارب الغير على مستوى البناء والإبحار لغويا في اليم الشعري .

إن البداية مغامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمبدعين ، كما قال أبو هلال العسكري  » في البداية مزلة ».

 

 » أمير الضوء أو النور » لقب اشتهر به محمد بن الحسن بن الهيثم المولود بالبصرة بالعراق سنة 354ه/965م لاشتغاله بالبصريات.

لكن أمير الضوء بمدينة جرادة،يختلف عنه في البصرة إنه الفحم الحجري الأيقونة السوداء أولعله رمزللمكان المدرّللربح والخسارة …

إن الشاعرأو من ينوب عنه ، يعيش ظروفا سياسية واجتماعية مزرية ،لكنه متمسك بشعاع الأمل الذي تغذيه الأمنيات ،ليستحيل نورا يسمُ الحياة بالتغيروالتحول إلى غد أفضل ،في مدينة معلقة بين الأمل والرجاء على أسوار الفحم الحجري » أمير النور » أو كما كانت المذهبات السبع أو العشر معلقة على أستار الكعبة ، إذ بهذا المعنى تصبح المدينة في حد ذاتها قصيدة شعرية غرائبية تجمع بين التناقضات.

الذات المتشظية في الديوان ،والمكان العالق الذي لايبشر بمستقبل واعد، هو عنوان أو مدخل إلى الإبحار مع الشاعر في الذاكرة السوداء « لمدينة الفحمُ الحجري » هذا الفحمُ المستخرجُ من أعماق الأرض ،ينشرالأمراض الصدرية والأوهام بين ساكنيها ،فهم كالشمعة تضيء الآخرين، لكنها تحترق ببطء ولامن منقذ، وما دامت المدينة معلقة، فإن أميرها أو المقيمُ بها ،هو أيضا سيكون معلقا إلى إشعار آخر .

يقول الشاعر معبرا عن حاله وحال غيره في عذا المكان اللامكان :

حَرفي يسافرُ في همّي

كما ألمي

لينفض الهم عني بعد أن ملكا

ظلم جميل

بأن أعنى بفتنته

ناء عن الضوء

لكن بعد أن هتكا

إن علاقة الذات بالمكان، تبدو متوترة في الديوان، بل رافضة له تكادُ لاتربطها به رابطٌ ،فالمكان لا يثيرعند الشاعر إلا ذكريات أليمة مرتبطة بالقهروالألم والتشظي والأحزان ، حيث إن كاميرته اللغوية الواصفة تعكس الجانب النفسي العميق لذات الشاعر، فلا تلتقط إلا مشاهد البؤس والظلم الاجتماعي وقساوة الدهر، الشي الذي جعل الإبداع في المدينة المعلقة سواء كان نصا مسرحيا أوشعريا، متسما بالحزن والكآبة،  يرفل في حلل متشحة بالسواد إنه الحزن الطبيعي وليس حزنا رومانسيا اقتضته ظروف إبداعية فنية ،يقولُ الشاعر :

أبٌ يموتُ

وخبز الفحم في فمهِ

أم تعيشُ على الأيتام معتركا

لاشك أن الشعر المنجميّ، منجمٌ لتصوير الحياة الاجتماعية، بكل تجلياتها سواء داخل المناجم أو خارجها،فالمدينة العمالية،  كائن يتنفسُ في ظل القهر الاجتماعي، يعرف أنماطا متنوعة من السلوك الإنساني المفضي إلى المآسي واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتفشي الظواهر السلبية. يقول عنها:

أرضٌ بها الفحمُ لا يهوى مهادنة

عبدٌ لنا صار باستخراجه ملكا

لم يستفد سكان المدينة المنجمية من خيراتها، الشيء الذي جعلها تفتقر إلى البنية التحتية ، تعيش الفقر المدقع، مما يعرض السكان إلى الهجرة إلى الضفة الأخرى، والموت غرقا أو حفر آبار لاستخراج الفحم بطرق بدائية، تؤدي إلى وفاة العديد من الشباب .

تتوزع الحقول الدلالية في الديوان بين الحقل البشري ، وحقل الأمكنة حيث العلاقة متوترة بين الذوات والمدينة المعلقة التي أقفلت مناجمها ، وكان لزاما أن يواكب الأدب الظروف الاجتماعية والإقتصادية والسياسية

ويصور لنا حال الناس وهم بصارعون الزمن، من أجل لقمة العيش في غياب بديل يضمن مستقبل الشباب والمدينة بصفة عامة الشيء الذي جعله يتسم بمسحة من الحزن واليأس وصدق من قال إن الأدب معاناة.

والشاعرخالد بودريف، واحد من هؤلاء الذين عبّروا بصدق في إبداعاتهم عن الواقع المؤلم للمدينة، لأنه يعيش كما يعيش شباب المدينة على الأمل والوعود التي لاتستقرعلى حال ، في ظل الربيع العربي الذي أشار إليه الشاعر في الديوان ،هذا الديوان الحافل بقضايا أدبية وفنية تتغيأ المتعة والمنفعة والتغييرتنتظرمن النقاد دراستها.

تميزالديوان عن سابقه، بعمق التصوير، وتنوع البحور،و بلغة شعرية عذبة  تمتح من التراث المبنى والمعنى ، وتذرف دموعا تعبر عن رفضها للواقع المربالمدينة، و تغطي حقولا دلالية تتشحُ بالسواد والألم وترقبُ الضياء والخلاص .

يقول الشاعرقي آخر قصيدة ملامح الشاعر السبعة :

هذي شظاياي إني جاعل وطنا

حرا يناصرُباسم الله من قُهرا.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *