سعيد سونا

يقول ديكارت : عاش سعيدا من عاش في الظل

لعل جميع المغاربة تتبعوا الخرجات الإعلامية لوزراء العدالة والتنمية ، ومارفقها من جدل سواءا من خصوم الحزب،  أو من محللين سياسيين مدجنين أو محايدين ، فهناك من وصف تلك الخرجات بالشعبوية البغيظة ،  وهناك من اعتبارها تنم عن فقر في التواصل الإعلامي،  وعن جهل وزراء العدالة والتنمية بأدبيات العمل الحكومي وتعاطيهم مع الأحداث  ، لكن البعض خنذقها في فتوة التجربة الوزارية لوزراء المصباح ، وأن ثقل المسؤولية والإكراهات الموضوعية ستقلم أظافرهم وتجعلهم يتهربون من التواصل من أجل التواصل فقط  ، وأن الأيالم القادمة كفيلة بأن تجعل الحكومة الملتحية تسارع الزمن وتجمع النقطة تلوى الأخرى في معدل النمو مخافة يوم الحساب، حيث لاينفع ميكرفون ولا ألة تصوير …
والمتتبع لتحركات وزراء البجيدي ، وأجوبتهم تحت قبة البرلمان،  وبين ردهات قنوات القطب العمومي،  يقف على حقيقة لايمرق منها إلا جاحد ، فكلهم خطباء مفوهين يجيدون اللغة العربية ببراعة ،  فغالبية أجوبتهم سلسة تترك الأثر الطيب لدى المتتبع ، وتنجح في اقتلاع الإعجاب ولو من المتربصين بزلاتهم ،عكس باقي الوزراء الفرنكفونيين الذين أصبحوا يتامى بعد أبوهم الروحي المرحوم مزيان بلفقيه
لكن العمل الحكومي ليس بسوق عكاظ ، وبلاساحة لإستعراض العضلات اللغوية ، فالفقر لن تسحقه البلاغة ، والبطالة لن تبتلعها الفصاحة .
فعلى وزراء العدالة والتنمية أن يعلموا أن الفصاحة لاتصنع من الحديد ذهبا؟؟؟ وأن البلاغة لن تجعل من الماء لبنا ؟؟؟
فالعمل الحكومي عموده الفقري الواقعية المطلوبة في  تسيير أي قطاع حكومي على محددات ضرورية  يمكن تلخيصها في الأتي:
ـ فالتشخيص العلمي والواقعي أولوية الأولويات فمن خلاله تبز العلل إلى العلن
ـ  معرفة الإمكانيات المتاحة ، وبالتالي الوقوف على المطلوب إنجازه
ـ  الأخذ بعين الإعتبار المعطيات الدولية والإقليمية
ـ  وضع استراتجية متكاملة تأخذ بعين الإعتبار كل هاته المحددات حتى يتم إدراك المقصود والمبتغى
ـ  كما أن الوزير مطالب بوضع أليات وسياسات تكتيكية ظرفية تتطلبها مرحلة من المراحل دون أن تقطع مع المخطط الإستراتيجي لأي قطاع .
ـ  ومن الحنكة والنباهة أن يضع الوزير في منهجية عمله إمكانية وقوع أي ردة موضوعية ، أو فلتة من هنا أو هناك ، كالكوارث مثلا… تجعل الوزارة في مأمن من أي سيناريو نكوصي قد يجهز على كل الإستراتجيات وتعيد الوزير إلى المربع الأول، فالإجراءات الوقائية شر لابد منه .
وفي فورة انشغال الإعلام الوطني بخرجات وصولات وزراء المصباح، تناسى البعض أنه يوجد وزير يسير قطاع استراتيجي من المقام الأول،  كان من المفروض أن تفرغ من أجله كل كراسي البرامج التلفزية،  وأن تخصص الجرائد الوطنية صفحة ثابتة لإنجزاته،  في قطاعات تتطلب جهدا خرافيا خصوصا أن المغرب يحتل فيها ذيل الترتيب بين الأمم .
إنها قطاعات التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، التي تشكل 36 في المئة من الناتج الداخلي الخام .
إلا أن وزير هاته القطاعات دخل في خلوة مفتوحة في مكتبه لكي يقدم الإظافة لهاته القطاعات ، في صمت وبدون الهرولة لأخد مساحات إعلامية وبروز إعلامي زائل .
إنه الدكتور عبد القادر عمارة سليل المغرب العميق،  ابن الإقليم الشامخ فكيك وما أدراكم ما إقليم فكيك ، ابن مدينة بوعرفة البار ، الذي سألته فور تسلمه مفتاح الوزارة هل سيقوم بزيارة لإقليمه فأجابني : أنه لايفقه في هاته الحركات الرمزية وحتما سيزور المنطقة،  لكنه لن يحج إلى هناك إلا بفتح عظيم ومنجزات تساهم في فك العزلة عن الإقليم بدل زيارة الإقليم وشرب الحليب في أحد الخيام ، فتلك شعبوية مابعدها شعبوية .
الدكتور عبد القادر عمارة رغم تكوينه العلمي في أكبر المعاهد والجامعات الأروبية ، إلا أنه إسلامي حتى النخاع ، رجل متدين ، متزن السلوك ، يتميز بابتسامة هادءة توحي لك بكفاءة الرجل وتفانيه وثقته في صنع المبتغى ، رغم بلاغته التي لاتخفى عن أحد فقد تركها في طلاق مؤقت ليعاود مغازلتها في تعبئة قواعد حركة التوحيد والإصلاح الذي يعتبر من خيرة أبنائها ، يوصف من طرف المقربين منه بالحكيم ورجل التوافقات وبالإنسان الخلوق طيب المعشر ، و حتى في كلامه القليل  يشد الانظار إليه بفعاليته، يمقت الأضواء ، ويعشق العمل في صمت ، فهو الكتوم ذو المضامين الثورية ، فتلك هي صفات المتفوقين في ميادين عملهم .
لاشك أن أن الوزير عبد القادرعمارة ينتمي إلى مذهب عبدالكريم الخطابي : فكر بصمت واضرب بقوة