Home»International»أدواء … ودواء من الشـرق

أدواء … ودواء من الشـرق

0
Shares
PinterestGoogle+

                 أدواء … ودواء من الشـرق

            في الآونة الأخيرة يظل صديقي أحمـد شارداً لمعظم الوقت . يضع يده على خده ويغرق في بحر من الأفكار اللامنتهية التي تأخذه إلى وجهة غير معلومة . قلت له غير ما مرة إنها عادة سيئة وتوحي بالفشل واليأس والاستسلام ، يتراجع عنها ولكن سرعان ما يعود إليها من جديد . سمعته يتكلم لوحده فظننته يغني ليرفه عن نفسه حتى تأكدت من أمره . من يا تـرى يخاطب وماذا تـراه يقول لمخاطبه الافتراضي ؟  من لا يعرفه يظن أنه أحمق ، ولكنني يقن على أنه يمر بحالة مرضية أوضائقة خانقة ما ، إما مالية أو عاطفية أو متصلة بعائلته الكبيرة أوالصغيرة  . وددت من باب الفضول أولاً أن أعرف هذا الشيء الذي جعله يعيش هذه الحالة          الكئيبة ، ثم إنني رغبت في الوقوف إلى جانبه ومساعدته كصديق لتجاوز أزمته .

          ترددت كثيراً قبل أن أسأله ، ولكن بعد أن أصبح يثير شفقتي عليه وملاحظات الآخرين ، خاصة عندما علمت أنه لم يعد ينام إلا قليلاً ، وأن شهيته للأكل غائبة تماماً ، زد على ذلك بعض العصبية التي تنتابه من حين لآخر وتصرفاته التي تغيرت وساءت ، وما كانت تلك عادته من قبل . أعرفه منذ سنوات ، رجل طيب الخلق والناس في محيطه يشكرون له خصاله الحميدة .

            قلت له ونحن راجلان خارج البلدة كعادتنا أيام العطل :

–           » ما هو هذا الشيء الذي يستحق أن تتعذب من أجله إلى هذا الحد ؟ اعلم يا صديقي أن لا شيء ينبغي أن تشقى لأجله ويحولك إلى ما أنت فيه الآن من هـمّ وغـمّ وسلال وهزال « .

 –               » هل تشكو من مرض ما ؟ هل تحتاج إلى عون مالي ؟ أهو الأمر متعلق بشؤون الأسرة ؟ « 

 –               » إنني أراك تدنو من الموت عجفاً ، أودّ مساعدتك حتى تخرج من هذا المَضِيق وتعود كما كنت في سابق الأيام  » .

             سكت كثيراً وبالغ حتى جعلني أندم على استفساراتي التي حسبتها ثقيلة عليه ، وبدأت في لوم نفسي لهذا التدخل في حياة شخص وهذا التطاول على  سرائره التي لا يريد ربما أن يحجوها للغير . أخيراً ، جلس على جذع شجرة وطلب مني الجلوس إلى جانبه . زفـر بعمق ، وما كاد يحدثني حتى دفـق دمعه مثل طفل يفعل من أجل أمه .

تذكر كيف عاش يتيماً منذ طفولته الأولى رغم وجود والديه آنذاك ،

وكيف اغتصبت منه طفولته في وقت مبكر ،

وكيف كان يعامله أقرانه ، ذكوراً وإناثاً ، حيث وفد على حيهم من البادية ولم يكن يحسن الحديث مثلهم ،

وكيف كان رجال الحي يلقبونه على مسمعه ب : الغريب أو  » البرَّاني » ،

وكيف اتخذته نساء الحي سخرياً لأحمالهن ، وكان يفعل ذلك مقابل ريال أبيض أو قطعة حلوى أو بدون مقابل ،

وكيف صفعته ذات مرة امرأة لأنه فقد في الطريق قطعة نقدية من خمسين فرنكاً ،

وكيف كانت تجبره زوجة أحد الأغنياء على حمل محفظة ابنتها الجميلة والأنيقة من وإلى المدرسة ،

وكيف كان مُلزماً على غسل ملابسه في الساقية أيام الجُمع والآحاد منذ ربيعه التاسع ،

وكيف كان يتسلل منتصف الليالي أو قبيل الفجر إلى أشجار الزيتون ويسرق كمية يلفها في سترته ويبيعها في الصباح الموالي مقابل عشرين فرنكاً أو أقل ،

وكيف قضى إحدى الليالي في مقبرة هرباً من العقاب لفعل لا يستحق هذا الهلع في نفس طفل صغير ، يقول إن الخوف فارقه إلى الأبد منذ تلك الليلة ،

وكيف بات ليله بدون وجبة عشاء مرات عديدة ،

وكيف … وكيف … وكيف …

كل هذا وأشياء أخرى عندما تطفو الآن على سطح أفكاره ، يتألم ويودّ لو كان بإمكانه إعادة حياته من جديد ، لعله يسلك سبلاً أخرى قد تكون أحسن لتصنع منه رجلاً أفضل منه .

اليوم وقد أخذ المشيب منه ، يتذكر هذه الأدواء(1) المؤلمة التي لا تزال تلازمه في كل وقت . قال لي وهو يبتسم :

 » لقد وجدت لنفسي وصفة سحرية عجيبة ستشفيني عما قريب  » .

قلت له :  » هكذا أتمنى أن تكون ، ولكن ماذا تكون هذه الوصفة ؟  » .

أجاب في استحياء :  » دواء شاف يوجد في جوف قلب فتاة شرقية  » .

(1): أدواء ، جمع داء .

·        كل ما وافق وطابق الواقع ، فهو من نسج الخيال وسبيل الصدفة .

              أحمـد أوحنـي – مراسل وكاتب صحافي

————————————————

تعذر إرسال صورة الكاتب وتم إرسال رابطها

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *