Home»International»بدون حرج أو بدون دين

بدون حرج أو بدون دين

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

بدون حرج أم بدون دين؟

بقلم عبدالمجيد بنمسعود

« بدون حرج » ، عنوان برنامج تقدمه قناة ميدي1سات، التي تبث برامجها من طنجة، وتطرح من خلاله جملة من القضايا، يدعى لمناقشتها أربعة ضيوف، يمثل واحد منهم اللسان الناطق باسم الإسلام، وتتميز القضايا المطروحة بكونها قد حسم القول فيها من قبل الشرع، بما يعني أنها من الثوابت التي لا يجوز المساس بها، لأنها تدخل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن مصممي البرنامج، يصرون على إعادة النظر فيها، بسبق إصرار على  التهوين من شأنها، ونزع صبغة القداسة عنها، تمهيدا لإبطالها كما يظنون.

وفعل من هذا القبيل يعتبر فتحا لباب من الشر عظيم، تهب على المجتمع منه ريح سموم، تصيب بلفحها من هم في حالة هشاشة واهتزاز على مستوى فهم الدين ووعي حكمه ومقاصده، وتنشر بذور الشك في أوساط الناس، بما يفضي إلى زرع البلبلة والاضطراب في بنائهم الفكري والعقدي، فيصبحوا عرضة في مرحلة من مراحل الكيد لأن يتلقفوا ما تبثه البرامج المسمومة من سم ناقع يسري في كيانهم فيشل قواهم، أو يجعلهم ينحازون إلى خندق المناوشين للدين، المتجرئين على حرمته وقداسته، أو في أقل الأحوال، إلى فئة القاعدين عن نصرته، أو غير العابئين بما يحاك ضده من خطط ومؤامرات، وذلك هو لب المقصود من هذا البرناج، وما جرى مجراه، أو هي نتائج لازمة بغض النظر عن النيات.

إن أول طلقة مباشرة تسدد من هذا البرنامج وأضرابه إلى وجدان المجتمع الديني وبنائه الثقافي، ومن ثم إلى سفينته، تتمثل في تحريف مفهوم « الحرج »، وذلك بملئه بشحنة مغلوطة بعيدة عن المفهوم الشرعي السديد، لأن المقصود بالحرج المراد رفعه في عرف مصممي البرنامج ومنفذيه، ليس هو المقصود في قوله تعالى: » وما جعل عليكم في الدين من حرج »[1]، أي التضييق في التكليف[2]، وإنما هو الدين الإسلامي نفسه، بجميع تكاليفه وأحكامه وتشريعاته، ومن ثم فإننا لا نسقط في التعسف أو مجانبة الصواب، إذا ترجمنا عنوان البرنامج  » بدون حرج » من خلال مجرياته وتوجهاته إلى  » بدون دين ». وهو ما لا يمكن أن يتجرأ أصحاب القناة على استعماله، وسط شعب مسلم يعتبر الدين جوهر وجوده ومضمون حياته، رغم ما يعتري التزامه بمقتضياته من اضطراب نتيجة أسباب معلومة، فيلجأون من ثم إلى التخفي وراء ألفاظ مألوفة في النسق الشرعي، مع تجريدها وسلخها من مفهومها الأصلي، وذلك قصارى الظلم ومنتهى الكيد. وحتى في حالة تخفيفنا للحكم على أصحاب البرنامج باختيار مرادف آخر وهو » بدون حياء »، فإن المحصلة تكون هي نفسها، أي  » بدون دين »، لأننا نعلم أن الحياء هو لب الدين، إذ بغير حياء، لا يستقيم أمر التدين أو الدين، فإذا كان لكل دين خلق، فإن خلق الإسلام الحياء.

ومصداق ما نقوله عن مقصود برنامج « بدون حرج »، أن المدعوين لتأطير البرنامج الممثلين للتوجه العلماني، يكون دأبهم في جميع الحلقات، إعلان الحرب على تشريع من التشريعات، أو قيمة من القيم، كالستر والاحتشام، من خلال طرح قضية اللباس، وتوجيه النقاش لينتهي إلى شرعنة التهتك والسفور، والتحلل من زينة اللباس، أو قيمة العفة والوفاء، من خلال الدعوة السافرة إلى شيوع الخيانة بين الأزواج، بتهوين أمرها وإعداد المداخل الشيطانية لها، أو التطاول على تشريع تعدد الزوجات[3]، واعتبار كل ما جاء به الإسلام، من الماضي الذي يجب إلقاؤه وراء الظهور، ومعانقة ما تمليه الأهواء من أفكار وممارسات، بطرا واستكبارا، تحت لافتات زائفة كالتقدمية والحداثة والتحرر وما إلى ذلك.

إن تقديم هذا البرناج وأمثاله في عقر دار شعب ودولة دينهما الإسلام، يعد خرقا سافرا لسفينة مجتمعنا المغربي التي تتعاورها المعاول والسهام  من كل أطرافها. وهل يصح في الأذهان أن تنصب المنصات لمن يريدون أن يوجهوا قذائفهم الخرقاء لسفينة المجتمع، ومن ورائها لمقدسات الأمة ومناط عزتها، بوجوه عارية وألسنة حداد؟

وهل يبرئ ذمة كل من يتولى كبر برمجة هذه السفاهات، أن يؤتى بصوت يمثل الإسلام، لمصارعة الأصوات المناوئة له؟ والحال أن ذلك الصوت قد يكون خافتا وغير ذي إعداد؟ أو غير ذي حجة أو قوة  في الذود عن حياض الدين؟

ألا يعتبر تمكين من يصدون عن سبيل الله من المنابر الإعلامية العمومية، وغض الطرف عمن يستعملون غيرها، مساهمة صريحة في خرق سفينة المجتمع، يبوء أصحابها بوصمة الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين؟

ألا يقدر المسئولون عن الشأن الإعلامي في بلادنا مدى الخسارة التي تمنى بها البلاد على مستوى الأمن الروحي والأمن النفسي والاجتماعي، وغيرها من أنواع الأمن؟

أليس حفظ كلية الدين في البلاد مما ينبغي أن يحتل الصدارة في مخطط اليقظة لحماية السفينة من كل ما يتربص بها من رياح ملوثة صفراء وحمراء؟

ألا يعتبر الأوصياء على الشأن الديني شركاء في خرق السفينة، وهم يطلقون الحبل على الغارب، بالتخلية بين الدين، وبين كل من يسعى إلى تصفية الحساب معه وزحزحته عن الحياة؟

أليس أجدى موقف)أو موقفا( من هؤلاء المشككين في الإسلام بين أهله، هو استتابتهم وإعادة تربيتهم، بدلا من تشريفهم بإسماع صوتهم عبر الأثير، وتمكينهم من العبث بمقدرات الأمة، والمساس بسيادتها واطمئنانها وأمنها؟

أليس من العبث وإهدار الوقت الجلوس مع هؤلاء، للاستماع إلى سفاسفهم وترهاتهم، فضلا عن إعطاء الشرعية لما يقترفونه في حق المجتمع من إيذاء يمسه في أعز ما لديه؟

أليس ذلك مما هو داخل في النهي الذي يتضمنه قول الله تعالى: » وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره »[4]

إنه شتان بين برنامج يقدم تحت عنوان بدون حرج، لتحليل قضايا واقعية من منظور الإسلام، درءا لما يمكن أن يترتب عن إهمالها بدعوى الحياء، وبين برنامج يقدم تحت نفس العنوان، لمحاربة الإسلام وهدم ثوابته.

ألم يان للقيمين على أمر الدين في هذا البلد بجميع مستوياتهم، أن يجددوا العهد مع الله، ويجمعوا أمرهم، ويضعوا استراتيجية جادة وشاملة لحماية سفينة المجتمع، تخول الضرب بقوة على أيدي من يبغون بها شرا، فضلا عمن يعمدون إلى خرقها تحت دعاوى باطلة وفهم سقيم؟ وذلك قبل أن يكون قد فات الأوان، فتنتصر الفتنة العمياء؟ وصدق الله القائل: » واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب »[5] [1] ـ الحج:78

[2] ـ  انظر عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي مادة حرج

[3] ـ  هذه المواضيع اتخذت محاور للنقاش في البرنامج المذكور.

[4] ـ الأنعام:  68

[5] ـ الأنفال:25

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. معلم
    05/11/2011 at 10:19

    لا بأس على البرنامج والمستمعين مادام هناك من يعبر عن وجهة النظر الإسلامية في القضايا المطروحة، ولاشك أن وجهة النظر الإسلامية قوية وتمتلك حجة تتقهقر أمامها كل دعاوى التشكيك والقضايا غير المعلومة في الدين بالضرورة. والغلبة للرأي الأقوى، أما التشكيك في العقائد أو الشك في القضايا الدينية فليس وليدا للبرنامج، بل هي قضية أزلية،، أنا أيضا أشك في كثير من القضايا العقائدية حين أقارن الشرائع الإسلامية باليهودية، أو حين أقرأ أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن أميا، أو حين أقرأ حول تاريخ نشأة الكعبة،، وغير ذلك من الأمور تشير كثيرا من شكوكي ولا أجد لها جوابا، بالرغم من كثرة ما قرأت من كتب الدين وقصص الإعجاز العلمي في القرآن وسير الصحابة وغير ذلك،، فالضرب بقوة على أيدي المتشككين لا أنصح به،، ولن يجل المشكل،، فأفضل من ذلك تسلح رجال الدين بالمعرفة وتعلم طرق وآداب الحوار والمحاورة والإقناع وتصحيح الخطاب الديني، بل تغيير وتصحيح نظرتنا إلى الدين ووظيفته في حياتنا الاجتماعية والنفسية مع مراعاة التطور الاجتماعي الكبير والمهم الذي تعيشه مجتمعاتنا وعلاقاتها بالمحيط الدولي، فالعالم اتجه بخطوات واسعة نحو المستقبل ونحن ما زلنا نردد الأسئلة التي عجز كهنة اليهود عن الإجابة عنها منذ أزيد من ثلاثة آلاف سنة وما زلنا نواري أشعة الشمس بالغربال

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *