Home»Régional»جولة في رواق ( أطياف مائية ) للدكتور أحمد زنيبر

جولة في رواق ( أطياف مائية ) للدكتور أحمد زنيبر

0
Shares
PinterestGoogle+

النقد عمل يسلط الأضواء الكاشفة على الإبداع، وهو من أصعب الفنون ويتطور تطورا سريعا بفضل مجهودات النقاد ، وتلاقح الحضارات والثقافات المختلفة .
والناقد المغربي الدكتور أحمد زنيبر ، واحد من هؤلاء النقاد الذين استطاعوا أن يدونوا صفحات رائعة ومشرقة في ميدان النقد وممارسة فعل الكتابة ، فعطاؤه متسم بالتوهج والعمق متنوع مواكب للحداثة بهوية تحمل ثقل الواقع وما يزخر به من مشاعر وعوالم قزحية ضاربة في أعماق الأعماق وقلمه سائر على درب الإبداع دراسة ورصدا وتحليلا يعشق قيم الجمال ، ويحث المبدعين على السمو بأعمالهم الفكرية والأدبية والفنية إلى مدارج الكمال.في المنابر الإعلامية المتخصصة شأنه في ذلك شأن المبدعين المغاربة نقادا وكتابا وشعراء….
إن الحديث عن الشعر يقودنا إلى الحديث عن تجربة الشاعر المرتبطة بالأوزان فالشاعر لم ينسلخ عما تركه القدماء من إرث عروضي فشعر التفعيلة هو الذي يميز شعر الديوان.
إن أغلب الدارسين المشارقة إن لم نقل جميعهم لم ينظروا إلى الأدب المغربي نظرة محايدة فتجدهم ينسبون كل جديد إلى الكتاب أو الشعراء المشارقة دون أن يحفلوا بما يقع في هذا القطر من إبداع في جميع الفنون وفي هذا المجال أورد د. الدكتور عباس الجراري مقالا في العدد السابع من مجلة مناهل الصادرة في نوفمبر 1976 يقول فيه :(حيث نجد شاعرا يدعو في منتصف القرن العاشر الهجري إلى الثورة على قيود الوزن والقافية والإطاركذلك .هذا الشاعر هو ادريس المريني وهو من مدينة مراكش ( المغرب)…ولعله كان موفقا ومقنعا أكثر من الذين جاؤوا بعده بأربعة قرون يدعون إلى الشعر الحر ويدافعون عنه.) ويورد مقطعا من قصيدته الزجلية يقول فيها :
أنا بغيت ننظم والحرف ابدا يغور= أريد أن أنظم ولكن القافية تخونني)
أعلاه مايكون الشعر بلا حرف = لم لا يكون الشعــــــر بدون قافية )
غـير حس وقــــــــول الكلمات = يكفي أن نحس ونقول الكلمات )
ولـــــــــودن تسمع ماقــــــلت = والأذن تســــــــــــمع ماقلت )
ولقلوب تغـــــــــــــني بغناك = والقلوب تتـــــــغنى بغنائك )
تابعا تــــــــلذيذ المعــــــــنى = متجاوبة مع لذة المعنى )
ولا عـــــــنات بشي قافيات = دون أن تعــــــنى بالقافية )

وقد أوردت هذا الكلام للتنبيه إلى أن الشعر في المغرب ينحو نحو العالمية ، بفضل التجارب الجديدة الواعية التي يخوض غمارها الشعراء الذين حافظوا على الإيقاع وفجروا اللغة ومزجوا بين فن النشكيل والقصيدة ، وأصبحت هذه الأخيرة لوحة زيتية أو مائيية تتشكل وفق ما يرسمه الشاعر من أحاسيس ووجدان نابض بالحياة يتخذ الفن قبلة له ويجعل المتلقي يستقبل القصيدة أولا ثم اللوحة الزيتية أو المائية ثانيا هدية له على مشاركته في تشكيلها ورسمها وتلوينهاوالتمتع بها بما أوحى إليه الشاعر من ألوان قزحية لاينضب معينها عبر لغة تستدعي الألوان الطبيعية والضوئية إلى الصور المتفاعلة في القصيدة وتضفي على اللوحة بهاء ورونقا وبذلك فالشاعر في آن واحد يرسم بالكلمات شعرا وبالفرشاة لوحة تصويرية مكتملة فالصورة الشعرية عند الشاعر أحمد زنيبر ليست جزئية كما عهدناها عند الشعراء بل هي القصيدة كلها تلك القصيدة التي تخلف وراءها لوحة زيتية أومائية مكتملة الأشكال والألوان والحركة .
وبهذا العمل المبدع المجسد للشعر فإن على إخواننا المشارقة الإلتفات إلى القصيدة المغربية وتحولاتها ، وإلى تجارب الشعراء أمثال حسن نجمي ، والمرحوم محمد القاسمي الذي يقول في الثقافة الجديدة ص76( أسكن الكتابة في الوحدات التشكيلية لأن الكتابة تسكنني ، في حالتها المتنوعة ، المتحركة خط نص معنى بصري وذهني وجسم فلا يعود هناك فرق بين تلك الوحدات وببن الكتابة أدخل في اعتباري المسافة التي تفصل بيني وبين السند أثناء الإنجاز وبعده مواجهة جسدين كما أدخل في اعتباري مشاهدة المشاهد )….وغيرهما من الشعراء المغاربة.
فالشاعر في رأي القاسمي ( له قدرة على الإنزياح ،قلب وإعادة المعنى وإضافتها للقاموس ، هذا الفرق ما أقوله دائما رغم اقترابي من معنى ما إنني أرى الكلمات كأحجام ،كظلال ، كأشكال.) فإذا كان الشاعر القديم وقفا أمام لوحةجدارية وأصيب بالدهشة إلى درجة أنه ظن أن تلك الحرب حقيقية يقول البحتري:
يغتلي فيهم ارتيابي حتى تتقراهم يداي بلمس
فعلى الشاعر اليوم أن يجعل الفنان التشكيلي ،يعتقد أن القصيدة لوحة زيتية معلقة في الفضاء
والقصيدة التي نحن بصدد دراستها مأخوذة من ديوان الشاعر ( أطياف مائية) المحتوي على 15 لوحة أو قصيدة شعرية لاتخرج عن التفاعيل التالية: (فاعلن فعولن مستفعلن أو متفعلن متفاعلن فاعلاتن) ، وهي أول قصيدة في الديوان وعنوانها:
ذات حب
ذات حب عبر
لم يغب لحظة
أو غفا من كبر
هو ذا الطيف عاد

لست أنساه
مـــن فيــــضه الغـــامر
كالنــــهــــــــر
عاد في رحلة
لم يطل نبضها
واكتفى
بالأثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هللي ياعيون السماء
واحتفي بالمطر
في سلا
رقت الذكريات
وارتقت سلما
من زهر

هللي…. ياطيور السلام
مجنون هو الوجد
فلا يحتاج جوازا
كي يعدو….

هللي ….. يازهور الندى
لسلا همسها
ماسلا إلا فيض سحرْ
وخيال يشدو…
هل بعيد سلا
عــــــمـــر
يســـــــلو؟
هللي يامروج القمر
من صفاء الفؤاد الذي
ما روى
عشق ربع
إلا ارتوى
ذات حب
بدربي
عبـــــــر
يفتتح الشاعر قصيدته ذات حب بالحديث عن الحب العابرفي ذاكرته مشبها إياه بالنهر الغامـــــر
بالذكريات المنطلق في اتجاه الشاعربإيقاع الخبب المشتق من جري الخيول فاعلن فاعلن كماهو وزن القصيدة حيث يصبها دفعة واحدة في أعماقه ليعود إلى سكونه وهدوئه،
وهذا المقطع الذي يتحدث فيه الشاعر عن ذاته ووجدانه مقطع مكتوب ومرسوم في نفس الوقت في الديوان على شكل نهر (S) بالكلمات فقط ، ينطلق من بداية النص: (ذات حب) ويبدأ الإنعراج في ( من فيضه) ويكمل دورانه عند (كالنهر) ثم يعود إلى مجراه الطبيعي إلى (عاد في رحلة) ليتوقف عند (بالأثر) إنه نهرحي حفرته الكلمة وحركته أوزانها وتشكل صورة نابضة بالحياة والحيوية لتحفيزالشاعر لخوض غمار التجربة الشعرية والتشكيلية في آن واحد فالشاعر يكتب ويرسم في كل الأحوال حينما تغمره السعادة تجده حاملا ريشته داخل لغته يلون حقولها ومعاجمها بإشراقاته وظلال وجدانه ونور صوفيته، وأحواله ومقاماته وكشفه وإلهامه يقول في قصيدته أطياف مائية
تتهادى الكلمات
ساعة الجذب،
أناشيد خفيفة
وليس غريبا أن ينهل الشاعر من مدرسة التصوف بمدينة سلا التي اشتهرت به في زواياها المتعددة ، لذلك أحبها بكل تناقضاتها حيث عمقت حياته الروحية وإرادته بما وفرته له من طرق. و الجَذْبٌ في التصوف : حال من أحوال النفس يغيب فيها القلب عن علم العالم السفلي ويتصل فيها بالعالم العلوي لذلك كان الفن والتصوف عند شاعرنا يسيران جنبا إلى جنب في اتجاه واحد.
وحينما تجتاحه غيوم الحزن يهرع إلى ذاته ويغوص داخل فضاءات معتمة الأغوار يستخرج منها ألوان قاتمة أو حمراء تقطرشفقا و ينابيع ساخنة،عذبة ومالحة حيث يضع فيها ريشته اللغوية ويضفي على إبداعه مسحة من الحزن ممتدة الظلال بين ثنايا القصيدة وانعكاساتها الضوئية في ليل بهيم على خرقه وانزياحه.وتصويره.
يقول في إحدى قصائده سر الظلال:
حينما ترتدي العتمة
معطفا من رمــــــاد
ترسم خلـــــــــــفهـا
شكل من ينحت ظله
عند جـــــدران بيت
هوى مـــــــن فساد!
يمرق الشاعر مني
كالريح العتــــــــي
باحثا عن قصيده
كي يعيد إليها أسرارها
وعلى هذا الأساس فالكتابة عنده حالة شعورية و جذبة خفية ،تتميز بالميل ، والمحبة ، والعشق والجنون والرمز والإشارة…
جمالية المكان وشاعريته
(ذات حب)هي شعرو مشاهد تجريدية للمكان (سلا) مستلة من وجدان الشاعر ذلك الوجدان المحتوي على ألوان وأطياف مائية ، يصبغ بها الفضاء الشاسع في لوحة فنية تتكامل فيها الحركة مع الصور المشكلة في مخيلة الشاعر تلك المخيلة التي تلقي بفنين مختلفين في آن واحد الكلمة وانعكاسها الضوئي على ذاتها فتستحيل صورا متناسقة في فضاء مفتوح متكامل يلفه الجمال جمال اللغة ووجمال اللوحة الصادر عنها.

(فذات حب)
قصيدة جمع فيها الشاعر بين الذات والمكان والطبيعة والجمال إنها تيمات وأشعار أوأطياف مائية بألوانها القزحية ذات أذواق متنوعة نابعة من أعماق الوجدان أنهارا متدفقة تشق صخوره لتنبع شلالا ثائرا يروي عطش الشاعر ويكسب الشعر فصلا ربيعيا يزخر بالألوان والأصباغ الطبيعية.
.والجمال عند الشاعر ليس مقصورا على جغرافية المكان بل يشمل جميع العناصر التي تؤثثه من بحر ونهر وبنايات وإنسان وحيوان إن سلا بالنسبة للشاعر هي الوجدان والتاريخ والحضارة والنقاء والصفاء والموسيقى والموشحات والأزجال بالإضافة إلى ماضي الشاعر بأفراحه وأتراحه وهي رئته التي يتنفس يها يقول :
هــــل بعيد سلا
عمـــــــر
يسلو ؟

عاد في رحلة
لم يطل نبضها
واكتفى
بالأثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فالكتابة في وجدان الشاعر رسم بالكلمات فاستمع إليه وهو يحدثنا في قصيدته (ماء البوح )عن هجرة الشباب إلى الخارج والأحلام المتكسرة :

رام الفتى مذ صار وهجا حلمه
كالضوء
وسْط الدائرة
يبغي ربيعا نافذا
انسامه البيضاء
تلقي سحرها
بذي البلد
عل الظلام الشارد
يصفو له كي يكتفي
أو يختفي مثل البرَدْ

فالوهَج والضوء والدائرة والربيع والبيضاء والسحر والظلام الشارد والبرد كلها ألفاظ حقول معجمية ودلالية يحتاجها الفنان التشكيلي ليزين بها فضاء لوحته الطبييعية ، وقصيدة الشاعر معرض للوحات فأثناء تعبيره عن الفرحة والآمال يغلب على طابعها الصفاء
وحين يكون الحزن حليف الموصوف تعبر اللوحة عن الألم والأمل بوسائلها أثناء اشتغال الدلالة:
هاهو ذا الفتى
بلا فجر بلاليل أميرْ
تشابهت عيناه
كخفي حنــيــنْ
……مد الفتى
نظراته
نحو السماء
كرتين
يصور الشاعر الفتى في عرض مياه البحر والأمواج تبتلعه وعيناه شاخصتان في السماء ……..إنها لوحة ذات مناظرمؤلمة يقول الشاعر عنها في آخر القصيدة
هل من سبيل
نحو أفق باسم
يحمي
فتى
هذا
الزمان ؟

وحتى لا نبتعد عن صلب الموضوع نعود لقصيدة (ذات حب) لنتمتع بمناظرها الخلابة وكلماتها العذبة وموسيقاها الإنسيابية …
فالقصيدة في مقطعها الثاني بداية لتشكيل اللوحة ومناظرها الطبيعية غيوم ممطرة
وسلالم من الأزهار ممتدة نحو ذكريات الشاعر وطيور السلا م أو الحمام تسجع وتسبح حول هذه الأمكنة ، والزهور أو الأزهارتؤثث الصورة والندى يقطر منها وسلا مترامية الأطراف قابعة على شاطىءالبحر مخيمة على جنبات وادي أبي رقراق حيث يصنع الخيال بها وبأهلها ودروبها مايشاء داخل إطار اللوحة.
أماالمروج المخضرة فهي مكسوة حللا ربيعية مختلفة الألوان والأحجام والأشكال والقمر يرسل أشعته الذهبية ، لتنعكس بدورها على صفحات الماء الجارية على أديم الأرض ولتفيض بألوانها على الأماكن فتزيدها شاعرية تقوي ارتباط الشاعربها
ويرتوي من حبها الفياض.

وختاما أعترف أنني تمتعت بالديوان كل التمتع لكونه مدعاة للتأمل والغوص في صوفية الشاعر ووجدانه ومرآته الصافية التي تعكس لوحات طبيعية تمتاز بجمالية الأمكنة وجمالية الكلمات

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *