Home»Régional»نموذج تأويل القرآن لغرض طائفي

نموذج تأويل القرآن لغرض طائفي

0
Shares
PinterestGoogle+

مما ابتلي به كتاب الله عز وجل منذ القدم محاولات التأويل الطائفي عبر العصور التالية لعصر النبوة لأغراض سياسية غير خفية. ولقد تنبه العلماء منذ القديم وخاصة في مجال علوم القرآن وعلوم الحديث إلى هذه الظاهرة ونبهوا المسلمين إلى ضرورة التحري بخصوص التأويلات المغرضة. ولقد أصبحت بعض التأويلات ناطقة بهوية أصحابها وأهدافهم.
ولقد أثرت هذا الموضوع لظهور طائفة من المفكرين الجدد يرغبون في فتح باب التأويل على مصراعيه كما فتح من قبل زمن الخلافات السياسية ؛ وقد انطلقوا من قضية أسباب النزول للتشكيك في بعض ما اشتهر من تفسير القرآن الكريم؛ واتخاذ ذلك مطية للتأويل من أجل الوصول إلى هدف التحكم في دلالة هذا القرآن خدمة لطروحات لم تعد خفية بعدما علمت الخلفيات.
والتأويل لغة من فعل أول وتأول الكلام بمعنى دبره وقدره وفسره ؛ فهو تفسير الكلام الذي قد تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان لفظه ؛ وهو نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.
ومعلوم أن التأويل ينشط عندما يتعلق الأمر بمتشابه القرآن ؛ لأن المحكم منه وهو المعلوم المفهوم لا يسمح بتأويل ؛ لهذا كان التأويل اجتهاد علماء ولكن مع قناعتهم بأن اليقين وهو الصواب علمه عند الله عز وجل.
ولقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه و المسلمين كافة ممارسة التأويل بالطريقة الشرعية الصحيحة لعلمه عليه السلام باليقين والحقيقة والصواب ؛ فقد روت عائشة رضي الله عنها أنه كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سبحانك اللهم وبحمدك ) يتأول كلام الله : ( فسبح بحمد ربك واستغفره ). وكان يدعو لابن عباس رضي الله عنه بالتفقه والتأويل ويقول : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ).
وبعد أن كان التأويل من اشتغال صحابة أجلاء على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومع مرور الزمن واندلاع الفتن شاعت التأويلات المغرضة والتي كانت وراءها أحيانا اليهودية الحاقدة التي أرادت بالقرآن الكريم من التحريف ما أصاب التوراة والإنجيل ليكون المسلمون سواء معهم من حيث الانحراف ولا يكون لهم فضل وسبق ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وهو ضياع حجة جدالهم الدامغة.
ولقد كانت خطورة السبئية على القرآن أكبر خطورة لأنها دخلت من باب الانتصار لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقصة الإمام علي معروفة مع عبد الله بن سبأ فقد احرقه كما تقول الأخبار ليحترق معه فكره الخبيث وليسلم آل البيت من تبعة ما يسمى بفضل الإمامة على النبوة التي أراد ابن سبأ الترويج لها على حسابهم لتشتيت أمر الأمة بواسطة طائفية لا خلاص منها.
وعلى ضوء هذه الخلفية ظهرت تأويلات من قبيل تخريج كلام الله عز وجل تخريجا يهدف إلى رفع الإمامة فوق النبوة . فقوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) هذه الخطاب بإجماع علماء الأمة يتعلق بتبليغ رسالة الإسلام خصوصا وقد جاء في سياق الحديث عن أهل الكتاب الذين لا يقيمون توراة ولا إنجيلا في إشارة واضحة إلى التحريف والى القراطيس التي تخفي وتظهر ما تريد حسب الأهواء. وتأويل هذا الخطاب عند من يرومون الرفع من شأن الإمامة هو أن الله تعالى حسب زعمهم أمر نبيه بتبليغ خبر الإمامة والولاية الذي ينسب لما يعرف بواقعة غدير خم ؛ ومفادها أن النبي الكريم أخبر كل الصحابة بان الله تعالى أمره باستخلاف علي رضي الله عنه بعده إماما ووليا ؛ وهي إمامة تظل في عقبه إلى قيام الساعة تسد مسد النبوة. ولتأكيد هذا التأويل قالوا إن تأويل قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) هو كمال وتمام الدين بالإمامة والولاية. وأولوا ( والله يعصمك من الناس ) بأنه يحميك من الذين يبغضون عليا وشيعته.
فهذا نموذج من التأويل الذي يهدف إلى تكريس اعتقاد لغرض معلوم ؛ فالإمامة العظمى في الإسلام قضية شورى بصريح نص القرآن المحكم ؛ وحادثة غدير خم مردودة على أصحابها إذ لا يجوز أن يبيع كل الصحابة آخرتهم بدنياهم فيسمعوا وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخالفوها بعد موته ليكونوا كبني اسرئيل بعد غياب موسى عليه السلام. والإسلام حريص على وحدة الصف حتى جعل الإمارة في ثلاثة إذا سافروا فكيف بأمة ؟ لقد كان الإمام علي رضي الله عنه خليفة وإماما عندما أجمع المسلمون على ذلك بموجب مبدأ الشورى لا بموجب الولاية والإمامة كما يريد أصحاب هذا التأويل.
فإذا ما كان كمال الدين وتمامه بتحقيق الولاية والإمامة فهذا يعني أن النبوة لم يكتمل بها الدين مباشرة بل عهدت للولاية والإمامة بعدها بتكميله وهو ما يجعله عرضة للزيادة خلاف ما يفهم من الكمال والتمام. ولقد روى أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي أنه قال لعلي رضي الله عنه : ( هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ ) فأجابه علي رضي الله عنه : ( لا والذي فلق الجنة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة ) قال أبو جحيفة : قلت :( وما في هذه الصحيفة ؟ ) قال علي رضي الله عنه : ( العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر). هذا الكلام يؤكد براءة علي رضي الله عنه مما ينسب إليه من وحي بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ انه أوتي الفهم والعلم والتأويل على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس غير.
وان جهات مغرضة تتخذ من هذا الأمر قضية للحكم على المسلمين بالكفر إن هم رفضوا فكرة الإمامة والولاية ؛ ولا يصح عندهم إيمان من أنكرهما ؛ فبموجب هذا التأويل يكون كل من ولي أمر المسلمين ماضيا وحاضرا ومستقبلا من غير آل البيت غاصبا للحكم ؛ وكل من بايعه مخالفا لكتاب الله غير مبلغ لرسالته.
وربما ظهرت في المستقبل تأويلات أغرب من هذه لتكريس إيديولوجية أو عقيدة أو مذهبية بدعوى أن أسباب النزول لا يعتد بها و يرقى إليها الشك ويغلب عليها الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *