الجهوية المتقدمة وابن خلدون

 » أعلم أن
اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو اختلاف نحلتهم من المعاش. فإن اجتماعهم إنما
للتعاون على تحصيله، والإبتداء بما هو ضروري منه ونشيط قبل الحاجي والكمالي، فمنهم
من يستعمل الفلح من الغراسة والزراعة، ومنهم من ينتحل القيام على الحيوان من الغنم
والبقر والمعز والنحل لنتاجها واستخراج فضلاتها…. ثم إذا اتسعت أحوال هؤلاء
المنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والرفة دعاهم ذلك إلى السكون
والدعة، وتعاونوا في الزائد على الضرورة واستكثروا من الأقوات والملابس والتأنق
فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار والحضر… »  ابن خلدون – المقدمة- ص 120

هذا نص خلدوني يضع
فيه لبنة لقانون اقتصادي-اجتماعي جعله كارل ماركس في القرن التاسع عشر أي بعد ابن
خلدون بخمسمائة عام، أساسا لما سماه بالمادية التاريخية، التغيير والممارسة التي
بناها مع « إنجلز » ودعاه بأسلوب الإنتاج الذي يقرر لطبيعة وجوهر العلاقات
الإجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية والإقتصادية، ثم سماه الماركسيون الجدد
بنمط الإنتاج الذي سماه ابن خلدون هنا( النحلة والمعاش) وهما اللذان يقرران جوهر
الإجتماع البشري بدويا أم حضريا. وهي علاقات إنتاج تقابل درجة معينة من درجات نمو
قواهم الإنتاجية المادية، ويؤلف مجموع هذه العلاقات الإنتاجية البنية الإقتصادية
للمجتمع وهي القاعدة المشخصة التي تقوم فوقها بنية فوقية حقوقية وسياسية والتي
تقابلها أشكال معينة من الوعي الإجتماعي. لأن الوجود الإجتماعي هو الذي يحدد طبيعة
الفكر.

التكثلات والتجمعات
العمرانية والأمصار ماهي إلا تمظهرات لمصطلحات جديدة في القواميس السياسية
كالفدرالية والجهوية والمتتبع للخطوات المتأنية التي يسير فيها المغرب نحو تحديث
حكامته التدبيرية للشأن العام من اللا مركزية وعدم التمركز إلى الجهوية ثم الجهوية
المتقدمة التي هي نتاج لتفاعلات أفرزتها علاقات اجتماعية، اقتصادية، سياسية
وثقافية- سوف يجد أن الدول التي عرفت أسمى التمركزات الجهوية أوالفدرالية والتي هي في مصاف الدول المتقدمة مرت هي الأخرى بنفس الخطوات والسبل.

الجهة الشرقية على
سبيل المثال وما تتوفر عليه من آليات نحو تحكم جهوي عصري يعتمد بالأساس على العنصر
البشري وأصحاب القرار الذين لهم رؤية تجمع السياسي والمدبّر ورجل الإقتصاد وأهل
العلم والدين  والجهة محظوظة بشخصيات نزيهة
وشريفة مسطرة البنية التحتية والمشاريع الضخمة: جهة وجدة  قطب إقتصادي وحضري يضع سياسة متكاملة تضم ثلاث
قطاعات حيوية، الطاقات البديلة بالمنطقة( المحطة الحرارية بعين بني مطهر إقليم
جرادة-الأولى على المستوى العالمي) بالإضافة إلى طاقات متجددة مرتبطة بطبيعة مناخ
الشرق المغربي، ثم المحور الثاني المرتبط بترحيل الخدمات مما يجعل المنطقة وجهة
أكبر الشركات والمستثمرين، ثم يأتي المحور الثالث المرتبط بالقطب الثقافي والنهضة
التوعوية وكل هذه العناصر الثلاثة ترتبط بِبُنًا تحتية وفوقية : ميناء الناظور،
مطارين العروي وتوسيع أنجاد، مدينة بركان والركيز الزراعية الخصبة للمنطقة ثم
إقليم بوعرفة-فكيك والثروة الحيوانية الذين اصطلح عليهم ابن خلدون (شاوية) ومعناه
القائمون على الشاة والبقر. ويربط التنظير الخلدوني الأمصار والبدو بالعصبية
والولاء والإلتحام لنصرة الإنتماء.

عبدالقادر فلالي-
كندا-