Home»Correspondants»حقيقة الأصوات المسموعة من السماء

حقيقة الأصوات المسموعة من السماء

0
Shares
PinterestGoogle+

الأستاذ / امحمد رحماني إمام وخطيب المركز الإسلامي بكولومبورخ بهولندا
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :

فإن الفيديوهات المنتشرة بين الناس في المواقع والمنتديات والتي أدخلت الرعب في كثير منهم لا تعدو أن تكون فيديوهات ذات طابع تجاري مصلحي تخويفي بالدرجة الأولى وذلك لعدة أمور نذكر منها :

أولا : تكرر نفس الأصوات في جميع المقاطع المصورة والمسجلة حتى إن صوت طائر نورس يتكرر في جميع المقاطع وفي نفس التوقيت .

ثانيا : أن جميع الفيديوهات سجلت من طرف شخص أو شخصين ، والمعروف في الناس أنهم إذا سمعوا شيئا خارقا للعادة أن تكثر المقاطع المأخوذة في المدينة الواحدة فتصل لدرجة التواتر والمصداقية ، لذلك هذه الفيديوهات لم تصور في وسط مجمع كبير من الناس أو في الأسواق والمباريات وإنما الرابط بينها جميعا أنها تسجل بعيدا عن الناس .

ثالثا : أن أحد الباحثين تتبع هذه الفيديوهات فوصل إلى أن المقطع الأصلي صور في مدينة كييف وأن الصوت المسموع هو صوت جرافة جليدية كانت تقطع الأشجار وكانت الجبال المحيطة بها ترد صدى صوت الجرافة وكأنه صادر من السماء .

فلا يلتفت الإنسان لمثل هذه الاشاعات ، وننبه السائل إلى أن عيش الإنسان في هذه المعمورة لملايير السنين وبلوغه هذه المراتب العلمية الكبيرة لا يعني أنه قادر على فهم جميع ما يقع في هذه الأرض أو في الكون كله فإن الإنسان لا يعدو أن يكون جزءا صغيرا جدا في هذا الكون المترامي الأطراف مما يجعل إمكانية معرفته لكل ما يقع في الأرض أمرا مستبعدا ، فهذا الكون ممتد ومتسع ومساحته لا يعلمها إلا الله سبحانه فتقع فيه أمور من قبل الإنشاء والتطور والاندثار والخراب من الأصوات والمناظر ما لم يسمعه ولم يره الإنسان ولا يستطيع تحمله لا سمعا ولا رؤية ، فليس بغريب أن تقع مثل هذه الأمور في ملك الله وإنما الغريب أن لا تقع ، وقد تصدر السماء أصوات فوق عادة الناس ومقدورهم وتكون أمورا طبيعية كصوت الرعد والزلزال والبركان وغيرها .

ثم إننا نقول : إن الإنسان المسلم صاحب عقيدة قوية لا يلعب عليها الصبيان بالمقاطع الصوتية المفبركة أو الفيديوهات المزورة ، فلا يؤثر ذلك إلا في ضعاف العقيدة ، وقد بلغ الجهل بشباب المسلمين حدا لا يمكن تصوره فجعلوا هذا الصوت صوت نفخ الملك في الصور الذي ذكره الله في القرآن ، كما راج قديما مقطع صوتي يدعي فيه صاحبه أنه أصوات عذاب أهل القبور في قبورهم مما خلف من ورائه فتنة عظيمة بين الناس جعلت بعضهم لا يدفن ، ولو رجع الإنسان إلى دينه وعقيدته لعلم أن الحي لا يسمع صوت الميت في القبر كما صح عن النبي B، ونكفي الأمة أمورا قد تزيد من ضعفها وخورها ووهنها .

ونجدها فرصة لبيان هذا الأمر من وجهة عقدية ، فإن النفخ في الصور يقع مرتين :

–      النفخة الأولى : وتسمى بنفخة الإماتة العامة ، وعندها تكون ساعة إنهاء النظام القائم في الحياة الدنيا ، وقد جاء التعبير عن وقت هذا الإنهاء بالساعة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ  ﴾(1) . وتأتي هذه الصيحة على حين غفلة من الناس وانشغال بالدنيا ، كما قال تعالى : ﴿ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ  فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾(2) روى الإمام الطبري في تفسيره عن عبد الله بن عمرو، قال:  » لينفخن في الصور، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصور « .

–      النفخة الثانية : وهي نفخة البعث إلى الحياة بعد الموت ، وقد جاء التعبير عن الوقت الذي يحدث فيه البعث العام إلى الحياة بعد الموت بالساعة أيضا ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾(3) .

ويدل على حدوث هاتين النفختين قوله تعالى ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾(4) النازعات قال ابن عباس : [الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية ] وقوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ  ﴾(5) وقد ذهب ابن تيمية في فتاويه إلى أن النفخ يقع ثلاث مرات ( نفخة الفزع ونفخة الموت ونفخة البعث ) وأشار إلى من جعلها أربعة .

والمعلوم أن النفخ في الصور لا يأتي إلا بعد خروج الدجال ونزول عيسى وذلك لم يقع بعد .

ولا نعدم في واقع الناس وحياتهم سماع مثل هذه الأصوات أو وقوعها فقد ورد في السيرة أن النبي B سمع صوتا أدخل الفزع في قلوب الناس فذهب إلى مصدر الصوت للوقوف على السبب وطمأن الناس وقال لهم بأنه صوت حجر سقط في جهنم(6) ، مما يعني إمكانية سماع الناس لأمر لا يحصل في حياتهم وحيزهم الإدراكي ، لأن الإنسان لا يعيش لوحده في هذا الكون الشاسع فهناك مخلوقات وجمادات لا يعلمها الإنسان بل لا يملك القدرة لإدراكها على حقيقتها ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(7) والإنسان المنكر لمثل هذه الأمور إنسان لا زال لم يفهم طبيعة الكون الذي يعيش فيه ، فينكر كل ما لم يحط بعلمه ، وكأن الواجب على الإنسان أن يسمع فقط زقزقة العصافير وخرير المياه ، فما على المسلم إلا أن يمتثل السنة بأن يبحث عن مصدر الصوت ويجتهد في معرفته بالأساليب العلمية ليزداد علما ويقف على الخبر اليقين وليعرف حجمه الصغير المتناهي الصغر في هذا الكون المتناهي الكبر ليقف على عظمة الخالق.

وننبه الإخوة إلى ضرورة العمل والعلم والجد في بناء مستقبل أمة إسلامية قوية وعدم الالتفات إلى هذه الترهات التي تشغل الناس عن الأهم وتزرع فيهم الضعف والخور والوهن مستغلة في ذلك جهلهم وضعفهم العقدي ، والإنسان المسلم يجتهد على أن لا تقوم عليه الساعة إلا وهو في عمل طيب صالح أكثر من اجتهاده في معرفة وقت الساعة وتحصيل علاماتها  . والله ولي التوفيق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – سورة الحج الآية 01  – 02 .

2 – سورة يس الآيات 49-50 .

3 – سورة الروم الآية 55 .

4 – سورة النازعات الآيات 6 – 7 .

5 – سورة الزمر الآية 68 .

6 – صحيح مسلم حديث رقم ( 2844 ) .

7 – سورة النحل الآية

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *